البداياتُ الأولى لصحيفة المسيرة.. صحيفة مواكبة للثورة
المسيرة _ أحمد داوود
انطلقت صحيفةُ المسيرة عام 2014 لتكونَ منبراً إعلامياً يُعَبِّــرُ عن كُـلِّ الأحرار في اليمن المناهضين للاستكبار الأمريكي وسياسة النظام القائمة على التبعية والخضوع وتجويع الشعب.
كانت البدايةُ عسيرةً جِـدًّا، فالحراك الإعلامي آنذاك كان صاخباً ومتنوعاً بوسائل إعلامية مؤتمرية وإصلاحية واشتراكية وناصرية وحكومية ومستقلة وغيرها، وكلٌّ كان لديه وجهة نظر وسياسة إعلامية تناسب توجّـهه السياسي، لكن لم يكن أحد يتصور أن تأتي أحداث جسيمة تجبر هذه العشرات من الصحف على التواري والحجب والتوقف، لتظل صحيفةُ المسيرة هي الرائدة والمعبّرة عن صوت المكلومين والمستضعفين والثوار في اليمن الجديد.
كان طاقمُ الصحيفة يتساءلُ باستمرار: كيف لنا أن نخوضَ معترك المنافسة مع عشرات الصحف الرائدة في اليمن، وهل سيكون لها صدى، كما كان لقناة المسيرة آنذاك؟
والحقيقة أن الجميعَ وجد الإجَابَة سريعاً، فلم تكد تمر أسابيع من عمر الصحيفة الوليدة، حتى كان الشارع اليمني يضجُّ بالاحتجاجات الغاضبة ضد جرعة الحكومة، وسرعان ما تطوّر الأمرُ لتندلع ثورة شعبيّة عارمة ٢١ سبتمبر، ولم يكن من بين تلك العشرات من الصحف سوى صدى المسيرة التي كانت الصحيفة الثورية الأولى بامتياز، التي نقلت كُـلَّ تفاصيل الثورة، وأحداثها، ومجرياتها، ومسار تقدمها، في حين فضلت معظم الصحف الصمت والانحياز ضد الثورة.
كان العمل بالنسبة لطاقم الصحيفة مليئاً بالتحديات والمخاطر، فنظام هادي كان لا يزال في أوج قوته بصنعاء، ومقر عملنا كان لا يبعد سوى كيلو مترات من وزارة داخلية هادي؛ لذا كنا نتوقع الاعتقال، أَو المصادَرة، أَو التوقف في أية لحظة، كما أننا قد نجونا من عملية اغتيال كانت محقّقةً لطاقم الصحيفة، حين وضعت عناصرُ إجرامية مجموعةً من المفخخات بجوار سيارة أحد كوادر الصحيفة، لكنَّ فضلَ الله ورعايته حالت دون وقوع الانفجار.
لقد عبّرت صحيفة “المسيرة” بالتاريخ ست سنوات تقريبًا لتصل إلى العدد ألف، وكانت في بداية انطلاقتها وإلى اليوم “الصوت المعبر عن الثورة” وصوت الأحرار والثوار والمجاهدين، ونقلت الأخبار وكل الأحداث على صفحاتها بكل بشفافية ومصداقية.
كنا في قسمِ التحريرِ بعددِ الأصابع؛ لذا رأينا أن نبدأ في إصدار الصحيفة أسبوعياً، محاولين مواكبةَ الأحداث والمستجدات على الصعيد المحلي والدولي، لكن وما إن بدأ قطارُ الصحيفة بالانطلاق حتى شهدت بلادُنا أحداثاً كبيرة غيرت مجرى التاريخ، بدءاً بالحرب في عمران، ومن ثم الأحداث الأَشْهَر لثورة 21 سبتمبر.
كانت معظمُ الصحف والمواقع الإلكترونية في ذلك الوقت ضدَّ هذه الثورة الناشئة التي يقودُها قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- لتجد صحيفة “المسيرة” نفسَها أمام تحدٍّ كبير، ولتكون بكلِّ فخرٍ الصوتَ الإعلامي المعبّر عن الثورة وتطلعات الثوار وهمومهم ومعاناتهم، لتساند قناة المسيرة في التغطية والمتابعة والاهتمام لتلك المجريات؛ ولهذا كان العبء كَبيراً على هيئة التحرير التي كانت بعدد محدود، يرأسها الأُستاذ صبري الدرواني وطاقم محدود كما أسلفت.
ولعلَّ أبرزَ التحديات التي كانت تواجهنا هي الجانب الأمني، حيث كنا نعمل في مكتب المجلس السياسي لأنصار الله في منطقة الجراف بصنعاء، ومع تطور الأحداث كان الأعداءُ يحاولون استهدافَ المقر عدّة مرات.
وأتذكر هنا أننا وعند خروجنا من مكتب الصحيفة أثناء أحداث ثورة 21 سبتمبر سنة 2014، حاولنا صعودَ سيارة الأُستاذ عبد الله علي صبري الذي كان له دور كبير في الإشراف على الصحيفة والمتابعة في بداية التأسيس، وكان بجوار السيارة (تك تك) عليها كميات كبيرة من المتفجرات مغطاة بقراطيس من (البفك والطرزان)، حيث تمَّ إعدادُه بعنايةٍ من قبل أعداء الثورة لنسف مقر المجلس السياسي لأنصار الله، لكنَّ إرادَةَ الله حالت دون وقوع الانفجار، ونجونا بأعجوبة.
كنا أَيْـضاً نسلك الطريقَ إلى مقرِّ الصحيفة أثناء الأحداث المتوترة بصعوبة جِـدًّا، وخَاصَّة مع محاولة وزارة الداخلية التابعة للمرتزِق هادي آنذاك اقتحام حي الجراف، وتهديداتها للمتظاهرين في خط المطار بالذبح والاعتداء، كما كان طريق عودتنا إلى المنزل مليئاً بالمخاطر والتضحيات أَيْـضاً.
ليلة انتصار الثورة
وعلى الرغم من الصعوبات التي كانت تواجهُنا، إلا أننا كنا في غاية السعادة حين تأتينا الأخبارُ تباعاً بتحقيق انتصارات ثورية، والتي كنا نفرد لها معظم الصفحات والمقالات، كما كنا نخصص صفحات لخطابات قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي لم تكن أيَّةُ وسيلة إعلامية في صنعاء تتناوله سوى صحيفة المسيرة؛ ولهذا لا عجب إن قلنا إن صحيفةَ “المسيرة” كانت صوتَ الثورة في تلك الفترة.
ومن الأحداث التي لا يمكن نسيانُها على الإطلاق، هو إصدار الصحيفة عشية انتصار ثورة 21 سبتمبر، حيث انتقلنا من المكتب السياسي لأنصار الله في الجراف؛ بسَببِ المواجهات العسكرية والأحداث إلى منزل الأُستاذ صبري الدرواني رئيس التحرير في شارع تعز بالعاصمة، وتم إصدارُ العدد من هناك، ونحن مستبشرون ومسرورون بالانتصار الذي تحقّق، وغير آبهين بأية أحداث أَو مخاطر قد تواجهنا حينها، فالعزيمةُ والإصرارُ على المواصلة كانتا سمتنا في العمل مهما كانت التحدّيات.
وحين بدأ العدوان على بلادنا في 26 مارس2015، أُضيف تحدٍّ جديدٌ أمامنا، فكيف يُمكننا الاستمرارُ في ظل العدوان؟ وأين سنلتقي لإصدار العدد؟ وغيرها من التساؤلات، لا سِـيَّـما وأن مبنى الصحيفة قد تعرّض للقصف من قبل طيران العدوان الأمريكي السعودي في العام الأول من العدوان.
غير أن العزيمة والإصرار كان لهما حضور قوي، وتمكّنا من إصدار أعداد الصحيفة التي واكبت العدوان وكل أحداثه وتفاصيله وجرائمه المتوحشة، ولقد نجونا عدة مرات من صواريخ كانت تنفجر بجوارنا أَو في أماكن كنا نعمل فيها وغادرناها في وقت سابق.
واستمر موكبُ الصحيفة في الإبحار، متجاوزاً كُـلَّ المنحدرات بعزيمة وثبات، ولأن الأحداث كانت كثيرة ومتسارعة، فقد انتقلت الصحيفةُ من الإصدار الأسبوعي إلى الإصدار بوتيرة يومين في الأسبوع، ثم انتقلت بعد ذلك إلى العدد اليومي.
كنا نأمل أن يستمرَّ عطاءُ الصحيفة وتجددها، وأن تصدر عنها ملحقات متعددة، لكن وللأسف انزوت الصحيفةُ في إصدار إلكتروني قبل أن تقترب من العدد ألف، ونتمنى من قيادتنا أن تنظرَ إلى الأمر، وتعيد دفة الصحيفة في بحر العطاء والإنجاز.