هكذا أراها اليوم.. صحيفة لبناء دولة النظام
يحيى أبو إصبع *
الحقيقة أني عَرَفْتُ صحيفةَ المسيرة ومحرّريها ومراسليها، من أَيَّـام أزمة دمَّاج، لما كانت اللجنة الرئاسية في الحرب التي كانت قائمة في دماج بين [أنصار الله] الحوثيين في ذلك الوقت وبين السلفيين الذين كانوا فيما يسمى مركز الحديث الذي شكّله مقبل الوادعي، بدعم سعودي ووفق المنهج الوهَّـابي في قلب الزيدية في صعدة.
والحقيقةُ أن صحيفةَ المسيرة كانت في لقاءاتنا في تلك الفترة، تركز على ماذا يعني وضع مركز دماج في قلب صعدة، وماذا تريد السعودية من ذلك؟
ومن الواضحِ أن الصحيفةَ بوضعها لمثلِ هذه التساؤلات كانت تتصرّف ببُعد نظر، أي أن الهدفَ للسعودية كان خلق فتنة طائفية بين المذهبين الأَسَاسيين في اليمن والمتعايشين على الدوام وهما الزيدية والشافعية، وعبر التاريخ لم يحدث في تاريخِنا اليمني أيُّ صراع بين المذهبين، فجاءت الوهَّـابيةُ بمفهومِها الإسلامي المعروف بالتطرف والتهور، والمدسوس من أكثر من قوى معادية للإسلام، وهذا ما ثبت الآن من خلال حكام السعودية الذين بدأوا يحظرون الوهَّـابية؛ كونها فكراً وصناعةً غربيةً.
وأذكر للتاريخ، وهذا أمرٌ طبيعي، الأخ ملاطف الموجاني، كان نشيطاً جِـدًّا وكان يتابعنا ونحنُ في القصر الجمهوري، ونحنُ في دماج وفي كُـلّ تحَرّكاتنا، وكان يوميًّا وهو يتابعنا.
وظلت الصحيفةُ على نهجها وَمسيرتها الطيبة في ظل الأحداث والحرب القائمة منذ أكثر من خمس سنوات، ويستمر النهجُ كما اعتدناه صموداً وَاستبسالاً ونحن في العام السادس والحرب السعودية والإماراتية ما زالت في أشدها، والحصار يخنق اليمن، حصار الموانئ والمطارات والمنافذ البرية وغيرها، وكلها باسم الشرعية للأسف الشديد.
وأقول صراحةً: كنتُ إلى يوم ما مع موقف محايد وَسَـطٍ من الشرعية ومن النظام في صنعاء، لكن موقفي دائماً هو أن السعوديةَ لا تأتي بخير على الإطلاق، ونحن في الحزب الاشتراكي لم نكن مخطئين حينما سميناها العدوَّ التاريخي لليمن؛ لأَنَّ السعوديةَ لا تريد وحدة اليمن ولا تريد دولة قطرية لا في صنعاء ولا في عدن، هي تريد اليمن دولة متخلفة تحكمه القبائلُ المتفرقة والمحتربة فيما بينها البَين، وهذا تنفيذ لوصية المؤسّس عبدالعزيز بن سعود.
في مقالٍ قادمٍ إن شاء الله لصحيفة المسيرة سأتكلم عن حديثٍ أجراه معنا، وأنا مسؤول الجبهة الوطنية في الجوف وفي صعدة عام 79 الشيخ عزيز بن هضبان، وكان في الـ80 من العمر، وهو يتحدث عن وصية عبدالعزيز بن سعود لأولاده حول اليمن واليمنيين، وقال له: “خيركم وشركم من اليمن، إذَا توحد اليمنيون الشر عليكم، وَإذَا تفرق اليمنيون فالخير لكم، لا تجعلوا اليمنيين يستقيمون أَو يتوحدون لا من قريب ولا من بعيد حتى تفنوا”؛ ولهذا هذه الحرب هي ليست ضد إيران في الحقيقة وليست ضد أنصار الله في الأَسَاس، هذه الحرب هي ضد الشعب اليمني حتى يفرقوه ويمزقوه، وهذا هو الحاصل؛ لذلك حينما فشلوا هنا في الشمال، وتحقّقت انتصارات كبيرة لنظام صنعاء على كُـلِّ المستويات حتى في الحدود السعودية، وعجز الجيشُ السعوديُّ حتى عن الدفاع عن أراضيه.
الآن أخذوا الجنوب، ماذا يجري في الجنوب، ماذا يجري في عدن؟ أنا أشكر صحيفة المسيرة؛ لأَنَّها متابعة باستمرار لأوضاع الجنوب ومتابعة للأوضاع في عدن، من كان يصدّق أن التحالف سيوصل عدن إلى هذا المستوى من الجنون، من التخلف من الأمراض من الدمار من الاغتيالات، ينتقمون من عدن؛ لأَنَّ عدن كانت كما قال أحد الصحفيين: “كانوا يعيشون حياةَ البدو على الجمال في الصحراء، وعدن قد فيها شوارع تشبه الشوارع الأُورُوبية عندها تلفزيون عندها إذاعة عندها مطارات عندها موانئ، كانت المدينة الأولى في الجزيرة العربية كلها، الآن أعادوها مش إلى قرية، أعادوها يعني خلقوا الآن في عدن نكبةً لا تضاهى، الغلاء، الأمراض كلها، الفقر، الجوع، التمزق، الاغتيالات اليومية، طيب من يصدق أن السعودية والإمارات بأموالهم الأُسطورية التي ينفقونها لا يقدرون أن يوجدوا مجاري للسيول، أَو للصرف الصحي في عدن، وأنهم لا يقدرون أن يوجدوا العلاجات للمستشفيات، وأنهم لا يقدرون أن يغذوا الناس الجائعين.. مش معقول!!”.
لكن واضح صحيفة المسيرة أكّـدت وأنا أتابع بعضَ كتاباتها، أن الغرضَ هو تمزيق وتدمير أي كيان مدني وحضاري موجود في الجنوب؛ ولهذا فأنا أرى أن الصحيفة أَدَّت دورَها بطريقة إيجابية، وفيما يتعلق بمواكبة الأحداث والحروب المستمرة على البلد، والانتصارات التي يحقّقها النظامُ في صنعاء والجيش واللجان الشعبيّة، هي مستمرة في أداء دورها الكبير.
نحن على ثقة أنها ستستمرُّ وتمثل فعلاً رؤيةَ المواطنين للأوضاع الداخلية، سواء فيما يتعلق بالحريات العامة، أَو فيما يتعلق بحقوق الإنسان، أَو ما يتعلق ببناء الدولة العصرية الحديثة، هذه من واجبات الصحيفة، وأنا على يقين أنها ستقومُ بهذه الواجبات؛ مِن أجلِ بناء دولة، دولة النظام والقانون الدولة الحديثة كما جاء في مشروع المجلس السياسي الأعلى حول بناء الدولة اليمنية.
* عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي