ذكريات بين دفّتي الأرشيف.. 1000 عدد يروي 2000 يوم من المواكبة والمواجهة
المسيرة – نوح جلاس
اليومَ تطوي صحيفةُ المسيرة ألفيتَها الأولى، بعد 6 سنوات ونَيِّفٍ من العطاء والعمل وسط مخاطر أمنية فترة ما قبل ثورة 21 سبتمبر الفتية، وتحت أزيز الطائرات وصواريخها الغادرة التي أفرزت تدمير مبنى الصحيفة السابق، وتضرر الكثير من ممتلكاتها المادية، وتعرضها لمختلف أنواع الاعتداءات خلال 2000 يوم من العدوان، علاوةً على استشهاد أحد كوادرها ميادين الجهاد والعمل.
يصعب الحديث عن الذكريات في هذا المشوار الطويل المليء بالكفاح والنجاح.
ومع أنني التحقت بالعمل في الصحيفة رسميًّا منذ نهاية العام 2017 وتحديداً من العدد 314 الصادر بتاريخ 10 ديسمبر، بعد عامين من الأعمال المقالية، فإن هناك ذكرياتٍ جمّةً، لا يسعنا الحديث عنها في مقال أَو مفكرة، ولذا نترك الحديث للأرشيف الورقي للصحيفة، الذي كلما أطالعه أشعرُ وكأنني أمرُّ على شريط حياتي الصحفية المليئة بالذكريات والمواقف التي لا تنسى.
في يومي الأول في الصحيفة، أوكلت إليَّ أول مهمة كانت عبارة إنتاج تقرير خبري عن جريمة استهداف مبنى التلفزيون في الـ9 من ديسمبر 2017، والتي خلّفت عدداً من الشهداء والجرحى بينهم إعلاميين، وعندها تعززت في قلبي قناعة تقول بأن “الجبهة الإعلامية لا تقلُّ شأناً عن باقي الجبهات، فقد تعرضت للاستهداف المباشر؛ ولذا عليَّ بذل كُـلّ ما استطيع في هذا المشوار المليء بالمحافل والمحفوف بالمخاطر”.
انتهيت من التقرير وسلمته للأُستاذ مدير التحرير، فأثنى على عملي، وقام بكتابة اسمي على التقرير؛ كي يشجعني على العمل، في أُسلُـوب إداري يحسب لصاحبه، وعندها بدأت أولى بادرات الثقة في نفسي تنمو، ومعها نمت أولى بادرات الثقة في إدارة الصحيفة.
في اليوم التالي، جلست مع الأُستاذ رئيس التحرير وبدأ يعلّمني ويطلعني على عدة مواضيع متعلقة بالعمل، فشعرت أنه مرّ على التحاقي بالصحيفة أَيَّـام عدة، فزادت بادرات الثقة في الإدارة وفي نفسي أكثر، وفي المساء طلب مني المشاركة في إنشاء الصفحة الأولى، مع أنني ما زلت مبتدئاً، عندها أدركت أنه يسعى للاهتمام بي وتوسيع مداركي في وقت وجيز.
وفي اليوم الثالث من العمل أوكل الي رئيس التحرير مهمة نشر المواد الصحفية في موقع الصحيفة الإلكتروني، وسلمني إدارة الموقع، فزادت ثقتي بنفسي، وعندها أدركتُ أن إدارة الصحيفة كانت عند حُسن الظن، بل وارتقت مكانتها في ذهني إلى أكثر من المتوقع، ومن هنا بدأت مشواري الصحفي بزخم وانطلاقة واندفاع شديد، متسلحاً بالثقة التي أعيشها بداخلي، وثقة الإدارة التي منحتني الكثير وأوكلت إليَّ مهامات عديدة ومتنوعة أسست قاعدة حياتي الصحفية الحقيقية.
عايشنا العديدَ من الأحداث وعاصرنا الكثير من الوقائع، وبينها حكايات لا تنسى، ومع كُـلّ حدث مهم وتاريخي أقوم بفتح الكاميرا الأمامية لهاتفي؛ كي ألتقط صورة مع المخرج وشاشة جهاز الإخراج الفني تستعرض صورة الصفحة الأولى؛ وذلك لرصد ذكرى تاريخية وذكريات عايشناها ولن ندرك قيمتها إلا بعد حين.
أيام لا تنسى، مليئة بالإخاء والود مع كُـلّ منتسبي الصحيفة، لا تنسى فترة تناول العشاء التي تجمع كُـلّ كادر الصحيفة الإداريين والفنيين والمحرّرين والموزعين وغيرهم، وفيها نتبادل الآراء ونتشارك القضايا ونطرح المقترحات وغيرها من الأُطروحات التي تبني علاقاتنا الصحفية وكذا الأخوية.
أما بالنسبة لتقييم أداء الصحيفة، فإننا ندع الحديثَ للعدو قبل الصديق، فالعدوُّ حاول إسكاتَ صوتها بكل قواه، فقد قصف مبناها السابق ولم يحقّق مبتغاه، وتتبع مقراتها التي تتبدل بين الحينة والأُخرى ولم يحقّق طموحه، وشن حرباَ في الجانب الفني عبر إغلاق حسابات الصحيفة في مواقع التواصل، وجعل مصطلح “صحيفة المسيرة” من المحظورات التي تعمل على إغلاق أي حساب ينشر هذا الاسم؛ وهنا نجد أن العدوّ هو من يقيم الصحيفة وأداءها، فقد أقضَّت مضاجعه وجعلته يظهر ضعيفاً وأحقر من أن يواجه الكلمة بالكلمة والحقيقة بالحقيقة، وأجبرته على الظهور متخبطاً بسعيه لمواجهتها بالقصف بالطائرات، والقرصنة الإلكترونية.
ختاماً، بعد هذا المشوار، الذي يسجل اليوم عمره الصحفي ال1000 عدد، صارت صحيفة المسيرة جزءاً كَبيراً من حياتنا، وأوجدت لنا انتماء أسرياً نباهي به كُـلّ الأجيال من بعدنا، حيث صرنا ننتمي لأسرة اسمها “صحيفة المسيرة” المولودة من رحم المسيرة القرآنية التي يقودها علم الزمان، القائد الذي لا يتكرّر إلا كُـلّ 1000 عام.