صحيفةُ المسيرة” في خريطة الصحافة اليمنية
علي ظافر
ليست الصحافةُ سلعةً عابرةً تنتهي بالبيع في الأكشاك، أَو وسيلةً لتسويقِ الأيديولوجيات السياسيةِ والدينية فحسب، فهي -إلى جانب ذلك- ترصُدُ وتواكبُ الأحداثَ وتشكِّلُ سجلاً تاريخيًّا يقدم مادةً ذات قيمية علمية كبيرة للمؤرخين، وتمكّنهم من رصدِ ودراسة التوجّـهات السياسية للأحزاب والجماعات، أَو دراسة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في مرحلة تاريخية معيَّنة، ومن هُنا بات الأرشيف الصحفي يمثل “رأسَ مال رمزي” لا يُقدَّرُ بثمن.
وإلى جانب أهميّة الصحافة كمرجعٍ تاريخي مُهِــمٍّ، فإنَّـها تلعبُ دوراً حاسماً في تشكيلِ وصياغةِ وصناعةِ الرأي العامِّ تجاه مجرياتِ الواقعِ وأحداثه وتطوراته.
في العِقدِ الأخير (2011-2020) شهدت اليمنُ طفرةً غيرَ مسبوقة في عديدِ الفضائياتِ والمحطاتِ الإذاعيةِ والمواقعِ الإلكترونيةِ والصحفِ الورقية في ظل واقعٍ سياسي مضطرب، وغيابٍ تامٍّ للبيئة التشريعية الناظمة للإعلام، وقد أسَّست هذه الظاهرةُ لحالةٍ من الفوضى الإعلامية، فالانقسامُ السياسيُّ انعكس على دَورِ الإعلامِ ليُحدِثَ انقساماً في الرأي العام، مُشَكِّلاً دوائرَ من الآراءِ العامةِ المنقسِمة والمتصارعة، إن صحَّ التعبير، وقد يكونُ ذلك من أسباب الصدام الحالي.
وسط هذه الطفرةِ والتعددية الإعلامية، برزت شبكةُ المسيرة بما تضُـــمُّه من قناة المسيرة وبثها الإذاعي والمسيرة مباشر وموقع المسيرة نت، ومنصاتها في السوشل ميديا، وصحيفة المسيرة التي تحوَّلت مؤخّراً إلى صحيفة إلكترونية، وبما أننا نكتُبُ عن الصحافة ودورِها، فسنسلِّطُ الضوءَ على صحيفة المسيرة وهي تُسجِّلُ عددَها الـ 1000 ما بين ورقي وإلكتروني.
من بين ما يقاربُ 200 صحيفةٍ ورقيةٍ -بحسب بعض المصادر- تبوأت صحيفةُ المسيرة مكانةً متقدمةً بين الصحف اليمنية الحزبية والخَاصَّة، بما تميَّزت به من صدقيةٍ في المعالجة، وصوابيةٍ في القضية ووضوحٍ في الرؤية، ودقةٍ في رصد وتسجيل الأحداث، وقيمةٍ مضافةٍ في التحليل والرؤية تجاه مختلفِ القضايا على الساحة الوطنية والعربية والدولية، وبما تميَّزت به من موادٍّ حصريةٍ كالتحقيقات والمقابلات، وبما تتمتعُ به من رواجٍ من جمهور عريض في سوق الصحافة، إن صح التعبير.
لقد سجّلت صحيفةُ المسيرةِ مراحلَ مهمةً في تاريخ اليمن السياسي المعاصِر، ويُحسَبُ لها أن قائدَ ثورة الـ 21 من سبتمبر السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي دشّـن عبرَها أولى مراحل الثورة في حوارٍ خَصَّ به هذه الصحيفةَ المهمةَ والمرموقة، كما أن الصحيفة واكبت ورصدت وسجّلت يومياتِ الثورة بما حملته من مطالِبَ وأُفُقٍ وطموحٍ، وما تخللها من تحشيد، وتصعيد، وصدامات انتهت بانتصار الثورةِ السبتمبرية الشعبيّة، فواكبت الثورةَ من الإنذار إلى الانتصار، مُرورًا بسقوطِ “عِشِّ الدبابير” المتمثل بالفِرقة الأولى مدرع، ولم يتوقفْ دورُها عندَ هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ اليمن المعاصر، بل ظلت عطاءاتُها مستمرةً وظلت تواكبُ مآلاتِ الثورة، وما تلاها من دعواتٍ للشراكة الوطنية المتمثلة باتّفاق السلم والشراكة عشيةَ انتصار الثورة في الـ 21 من سبتمبر عام 2014م، مُرورًا بمواكبة يومياتِ مفاوضات موفمبيك التي أعقبت انتصار الثورة، وُصُـولاً إلى سنوات العدوان الست، فظلت الصحيفةُ مواكبةً ليوميات العدوان على اليمن على مسارَين: مسار المظلومية ومسار الانتصار، وتفردت المسيرةُ بموادٍّ خَاصَّةٍ ومتميزة خلال ست سنوات وقد تزيدُ، وكان للمسيرة حضورُها ومواكبتُها المميزةُ لمحطاتِ المفاوضات السياسية عبر حضور رئيس تحريرها الأخ الأُستاذ صبري الدرواني في أغلب تلك المحطات؛ لتنقُلَ المعلومةَ من مصادرها إلى جمهورها العريض، مقدِّمةً الرؤيةَ والتحليلَ والموقف، مسجلةً للتاريخِ مجرياتِ هذه المحطات التفاوضية المهمة، وهنا لا ندَّعي الكمالَ للصحيفة، لكنها مقارنةً بنظيراتها ظلت متميزةً بتغطيتها ومعالجتها للأحداث، ومتفردةً ومتميزةً بالمعلومة والموقف، ملتزمةً بالمصداقية والمهنية ولايزال فريقُها يحملُ طموحاً كَبيراً للارتقاء بالصحيفة إلى مراحلَ متقدمةٍ، وقد تحولت مؤخّراً من صحيفةٍ ورقية إلى صحيفة إلكترونية، منتقلةً من المحلية إلى العالمية؛ باعتبَار الإنترنت يمكِّنُ جمهورَها في كُـلِّ بُقعةٍ من العالم إلى الرجوعِ إليها ومواكبةِ أعدادها أولاً بأول؛ لمعرفةِ مجريات الواقع أولاً ومعرفة موقفِ أنصار الله من خلال هذه الصحيفة الوطنية.
في الحقيقة لا يمكنُنا الوقوفُ عند كُـلِّ تفصيلٍ من تفاصيل الصحيفة ومراحل تطورها، ولكن يُحسَبُ لها رغم قلة مواردها، وكادرها وإمْكَاناتها، أنَّـها برئيس تحريرها وفريقها القليل جِـدًّا على حَــدِّ علمنا استطاعت أن تشكل نقطة مضيئة في تاريخ الصحافة اليمنية، فجمعت -كما أسلفنا- بين الرصد والمواكبة والتحليل والموقف، وأصبحت اليوم وهي تسجلُ عددَها الألفَ تمثلُ مصدراً ومرجَعاً مهماً للدراسين والباحثين في دراسات الماجستير والدكتوراه، كما أنها تمثلُ مرجعاً مهماً للمؤرخين والباحثين في مراحلِ التاريخ السياسي اليمني المعاصر؛ لمعرفة كيف تشكّلت التوجُّـهاتُ السياسية للأحزاب والجماعات، والحياةُ السياسيةُ والاجتماعيةُ والاقتصادية والثقافية في هذه المرحلةِ الحساسةِ من تاريخ اليمنِ.