كان حلماً.. ألف عدد مسيرة
صبري الدرواني
كان حُلماً طالما ظل يراوِدُنا..
أن يكونَ لنا صحيفةٌ نعبِّرُ فيها عن مواقفنا وآرائنا، وننشُرُ عبرها ثقافتَنا، ونصحِّحَ من خلالها المفاهيمَ المغلوطة والأفكار الخاطئة التي تغزو أفكار المجتمع لعقود مضت.
كنا نحلُمُ.. نعم، ولو حلم أحدُنا بأن صحيفةً ما خصصت له مساحة عمود صغير على صفحاتها لينشُرَ فيها مقتطفاتٍ من هدى الله، أَو يكتب مقالاً يتحدثُ فيه ضد الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، لظلَّ يتحدّث عن حلمِه هذا لسنوات عديدة وهو لا يزال حُلماً.
وظل الحلمُ يراودنا، حتى بداية عام 2014، تلقّيت اتّصالاً من الأُستاذ محمد عبدالسلام -الناطق الرسمي باسم أنصار الله-، يبلغني فيه أنه تمَّ اختياري لتولي رئيس تحرير صحيفة المسيرة الناطقة باسم أنصارِ الله.
لا أخفيكم أن الخبرَ صعقني؛ لثقلِ المسؤولية، وقصور العبد لله؛ وخوفاً من عدم قيامي بالمسؤولية الملقاة على عاتقي على أكملِ وجه، وخَاصَّة كون “المسيرة” تعبّر عن مكون كبير “أنصار الله” الذي يسير على المشروع القرآني الذي أطلقه الشهيدُ القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي، فاستخرت اللهَ وصديقي العزيز “الأُستاذ يحيى”، واستعنت بالله، وانطلقت للترتيبِ لإطلاق صحيفة المسيرة.
لقد كانت الانطلاقةُ الأولى كدورة تدريبية قبل خوضِ المعركة بإصدارٍ تجريبي، حيثُ كنا نعملُ ونتابعُ ونرصُدُ ونصدر الصحيفةَ في موعدها المحدَّد نسخةً إلكترونيةً، ثم نقومُ بتقييم أوجه القصور؛ للعمل على تلافيها، واستمرَرْنا لعشرةِ أعداد تقريبًا، وخلال تلك الفترة لا أنسى “غزوة الترب”، عندما قام وزير الداخلية السابق عبده الترِب بإرسال حملة عسكرية كبيرة على المكتب السياسي لأنصار الله، ولكن غزوتَه كانت خاسرةً، وتم اعتقالُ أفراد الحملة ولاذ من تبقّى منهم بالفرار.
ولا أزال أتذكّر الزميل أحمد الخزان وهو يقتحم حواجزَ السفارة الأمريكية؛ ليجري تحقيقاً صحفياً عن ممارسات السفارة التعسفية بحق أهالي سعوان آنذاك، وكيف تمّت ملاحقتُه من قبل أفراد الحماية التابعة للسفارة الأمريكية، لكنَّ رعايةَ الله كانت حاضرةً، ونجا منهم بأعجوبة ونشر هذا التحقيق غلافاً بعنوان (حربُ السفارة الأمريكية على سكان “حي سعوان”).
نعم كان حلماً، وأصبح حقيقةً.. وها نحن نعد لإصدار العدد الأول وانطلاق صحيفة “المسيرة”، حيثُ ابتدأنا خوضَ المعركة بالاعتماد على كتيبة من “ثمانية شباب” محرّرين وفنيين، ليدشّـنَ السيدُ عبدالملك بدرالدين الحوثي ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014 من خلال صحيفة المسيرة، وذلك في حوارٍ ضافٍ أعلن فيه:
أن القضية الفلسطينية غدت معياراً لفرز العدوِّ الحقيقي للأُمَّـة، وأن موقفَنا الرافضَ للجرعة هو موقفُ شعبنا اليمني الذي نحن جزءٌ منه، نعيشُ واقعَه ونحملُ هَمَّه وتطلعاتِه وآمالَه، ومن لا يحترم خروجَ الملايين فهو يريد لُغةً أُخرى مسمعة، وسنُسمِعُه بالطريقة التي يسمعُ فيها.
ورسَمَ السيدُ القائدُ في ذات اللقاء ما يُشبِهُ خارطةَ طريق للصحيفة وهيئة تحريرها، داعياً اللهَ بأن يوفق هيئةَ تحرير الصحيفة كي تكون إشراقة نور تجلي الحقيقة، وتبدد عتمة الظلمات، وتسقط الزيف.
مؤكّـداً على أنه “أصبح للإعلام التأثيرُ الكبيرُ في كلا الاتّجاهين، فهو وسيلةُ تبصير، وتنوير، وتوجيه للرأي العام إلى الاتّجاه الصحيح، وكشف للحقائق، وهذا في إطار الصادقين والناصحين، من أتباع الحق وأنصار الحقيقة، وهو أَيْـضاً وسيلةٌ يعتمدُ عليها الطغاة والمستكبرون إلى حَــدٍّ كبير؛ لتزييف الوعي العام، وطمس الحقائق، ولَبْسِ الحق بالباطل”.
ومنذ أول إصدار في تاريخ 13 أغسطُس 2014م الموافق 17 شوال 1435هـ وإلى اليوم، كانت صحيفةُ “المسيرة” شاهدةً على أهمِّ وأخطرِ مرحلة في تاريخ اليمن المعاصر في مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثورية، حيث واكبت ثورةَ 21 سبتمبر منذ انطلاقتها، مُرورًا بالمظاهرات الحاشدة التي أطلق عليها بالإنذار في المرحلة الأولى والمرحلة الثانية، وُصُـولاً إلى الكرت الأصفر، وانتهاءً بانتصار الثورة.
وبعدَ يوم الـ 21 من سبتمبر، واكبت الصحيفةُ انتقالَ المعركة مع الجماعات التكفيرية التي بدأت بالقيام بالتفجيرات وبعض الاغتيالات، وكيف استطاعت الثورةُ تطهيرَ جيوبهم في العاصمة والمناطق المحيطة بها، وُصُـولاً إلى تطهير مديرية جبل راس في محافظة الحديدة، ومديرية العدين بمحافظة إب، ومدينة رداع بمحافظة البيضاء بعد السيطرة عليهما من تنظيم القاعدة، والترحيب الشعبي الواسع باللجان الشعبيّة في الحديدة وذمار وحجّـة وإب وعدد من المحافظات.
وطوالَ ألف عدد، حرصت صحيفةُ “المسيرة” أن تكونَ صوتَ المواطن لتعبِّرَ عن آلامه وأوجاعه ومطالبه، ومظلوميته، وفي ذات الوقت كانت الناقلَ لبشارة الانتصارات التي يصدرها المجاهدون من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة والأجهزة الأمنية في مختلف الجبهات، كما كانت المتصدرة والمواكبة للحراك السياسي في ظل العدوان الغاشم على شعبنا العزيز في الداخل، وخلال المفاوَضات السياسية ابتداءً من جنيف الأولى وجنيف الثانية، ومشاورات الكويت الأولى والثانية، واتّفاق السويد، وما تلاه كاتّفاقية عمان التي أُفشلت؛ بسَببِ عراقيل قوى العدوان ومرتزِقتهم، إلى اليوم.
تولت الصحيفةُ التعبيرَ عن صوت الشعب ومطالبه وتصدرت قضاياه صفحتها الأولى، فُتحت صفحاتُها لكافة الكُتَّاب اليمنيين من مختلف انتماءاتهم السياسية والمذهبية؛ ليكون الانتماء الوطني هو الكلمةَ السواءَ الجامعةَ بين كُـلّ اليمنيين، ومواجهة العدوان والتصدي له ولمرتزِقته هي السقف الجامع لكل الكتابات، فكتب في صفحاتها السلفي والصوفي والزيدي والمؤتمري، والاشتراكي، وغيرهم.
لم تكتفِ الصحيفةُ بنسختها الورقية، فانطلقت إلى الفضاء الإلكتروني وعبر موقعها وصفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي قدمت الصحيفة خدمة إخبارية على مدار الساعة.
أجرت الصحيفةُ خلال الألف، عدداً من الحوارات النوعية، مع أبرز الشخصيات اليمنية السياسية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية، ابتداءً من السيد عبدالملك الحوثي -حفظه الله ورعاه-، وُصُـولاً إلى الشهيد الرئيس الصمَّاد، وكانت الوصيةُ الأخيرة للشهيد محمد عبدالملك المتوكل في حوار لصحيفة “المسيرة” عشيةَ اغتياله، ولم يغب عن صفحاتها الشاعرُ الكبير د. عبدالعزيز المقالح، والرئيس علي ناصر محمد، ومن الصبيحة الدكتور الشهيد علي الصبيحي، ورئيس اللجنة الثورية محمد علي الحوثي، وكان الشهيد الدكتور علي الصبيحي حاضراً، والدبلوماسي والبرلماني فيصل أمين أبو رأس، ورئيس حكومة الإنقاذ الدكتور عبدالعزيز بن حبتور، ونائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن الفريق الركن جلال الرويشان، وفي الجانب العسكري كان أبطال الجيش واللجان الشعبيّة حاضرين على صفحاتها، أمثال الشهيد أبو قاصف بطل الحجارة، وهناك الكثير لم يسعفنا الوقتُ لذكرهم.
كان لصحيفةِ المسيرة العديدُ من الإصدارات المختلفة، حيثُ ركّزت على إصدارِ خطاباتِ القائد ككتابٍ سنوي يضُمُّ كُـلَّ خطابات السيد عبدالملك الحوثي خلال العام، وأُباة الضيم للشاعر الكبير القاضي عبدالوهَّـاب المحبشي، وقراءة في التراث الشعبي الملحمي الزامل الشعبي للأُستاذ إبراهيم الهمداني.
الكاريكاتير، تميّزت الصحيفةُ بكاريكاتيرات معبرة عن مظلومية أبناء الشعب اليمني جراء العدوان، ورسم في صفحاتها العديدُ من الفنانين أمثال رسام الكاريكاتير كمال شرف، ورسام الكاريكاتير محمد سعيد.
وانفردت الصحيفةُ بتحقيقات استقصائية كـ “تشوُّهات المواليد جراء العدوان”.