احتفاءً بإشعال ألف شمعةٍ وشمعة في محراب صاحبة الجلالة
عبد القوي السباعي
حين أستذكرُ اليومَ الأوّلَ من ميلاد العدد صفر من صحيفة المسيرة، تستوقفني تلك اللحظاتُ الهادرة، هنالك حيث كان الهتاف والرصاص، كان الحب والكره، كان السلام والقتال، كانت العدالة المبطنة والاستبداد المستشري، كان الرئيس والمرؤوس، كان الشعب والجيش، كان بحوزتنا كُـلُّ شيءٍ تقريبًا، إلّا أنهُ لم يكن بحوزتنا شيء؛ لذلك نهضت ثورة الـ21 من سبتمبر الخالدة، واندفع الثوار، فكانت ثورة الإنسان اليمني، كانت وكان، ثورةٌ وثائر، تولدت عن نتاجاتها الثورية الأصيلة العديد من الفعاليات، الوسائل، ومنها أَيْـضاً صحيفة المسيرة التي رافقت ذلك الزخم الثوري والتوهج اليماني الأُسطوري منذُ وهلتهُ الأولى.
اليوم وصحيفة المسيرة تحتفل بإصدارها الألف، عددها الألف، ألف نسخةٍ وعدد، ستة آلاف ورقة، اثنتا عشر ألف صفحة، آلافٌ مؤلفة من الأخبار والتقارير والتحقيقات، من المقالات والتحليلات، كانت وما زالت وستظلُّ شعلةً ثوريةً في صروح صاحبة الجلالة إبداعاً ومواكبة، كان وما زال وسيظل خطابها الإعلامي الثقافي التنويري ثائراً في وجه الطغاة والبغاة، في وجه المستكبرين والمتسلطين، ثورةٌ عنوانها الإيمان، ومنهجها ثقافة القرآن، وركيزتها الشعب اليمني شعبُ الإيمان والحكمة، ثورةٌ للوعي والإدراك بكل شمولياته المتعددة في العقلية الإنسانية.
جاءت عصراً يولد من جديد، جاءت في زمن الانبعاث للحق، من سنة القيامة على الباطل، من شهورٍ أسيرةٍ للظلم والفساد، جاءت في أسابيع الانتفاضة وأيام التمرد، فجسّدت صرخات الإنسان اليمني وهتافات الحياة، كان العشرات والمئات، كان الألوف والملايين، كان التلميذ والمعلم، الحرفي والمهني، الموظف والتاجر، العامل والمزارع، الفقير والغني، كان الكبير والصغير، الشاب والفتاة، الرجال والنساء، كانوا جميعاً يرسمون إشراقةَ الغد المشرق، وكانت صحيفةُ المسيرة هناك تعبّر عنهم وحملت مطالبهم البسيطة، في حين كانت الاستجابة مخيفة، والصوت لا يبوح إلّا همساً، فكانت صحيفةُ المسيرة متنفس الحياة فيهم، وبذرة الموت لأعدائهم، في زمنٍ كان قد اختلط الأمرُ على العامة، فما عادوا يفرّقون بين الحقِّ والباطل، العدل والظلم، النور والظلام.
ومضت المسيرةُ في خضم معركةٍ استمرت ألف عددٍ مضى، تحاول أن ترسم مساراً لها بين آلافٍ من الصحف اليمنية، وأن تحتل موقعاً يليق بها في ميدان مهنة المتاعب، لعلها تستحوذ على عرش صاحبة الجلالة، وبالفعل استطاعت صحيفةُ المسيرة أن تحتل الصدارة في عالم الصحافة الورقية على الساحة الإعلامية الوطنية، وذلك بعد أن أخذت على عاتقها مسؤوليةَ ترسيخ مبادئ الخير والسلام، مفاهيم التقوى والإحسان، وتوصيف عناوين التحرير والاستقلال، وتقدّمت مسيرةَ الدفاع عن مختلف القضايا المصيرية لليمن (الأرض والإنسان)، بدءاً بإيقادها مشاعلَ الحرية في وجه جبروت الظالمين، وعتاولة الفساد والإفساد وأساطين القمع والقهر والإرهاب، وعملاء الهيمنة والاستكبار، وُصُـولاً إلى الوقوف في وجه تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الصهيوني وأدواته من الأذناب والمرتزِقة.
فكانت “صحيفةُ المسيرة” نبراساً لجميع اليمنيين، وصوتاً للمجاهدين والمرابطين من أبناء الجيشِ واللجان الشعبيّة، ومنبراً للأحرار والثوار، ولسان حال الأُمَّــة، عبّرت عن آمالِهم وطموحاتهم، عكست واقعَهم وتطلعاتِهم، وثّقت ولا زالت توثق بين دفتي صفحاتها تفاصيلَ حياة الأرض اليمنية وانتصاراتها، تعكس هُويتها، وهمومها ومعاناتها، وتفضح زيف وادِّعاءات تحالف العدوان وأدواته، وتعري أهدافه، وتوضح جرائمَه المرتكبةَ بحق اليمنيين الأبرياء، فكما كانت تسلط الأضواء على منابع الفساد والظلم والجور، ظلت تحمل هذه المسؤولية وستظل، وتكشف ممارسات القوى الظلامية.
آلف عددٍ كشف لنا حقيقة أن صحيفةَ المسيرة ظلت منبراً للثائرين، ومصدراً معلوماتياً بالخبر اليقين، وخيرَ سندٍ للمتطلعين في طريق استعادة السيادة والقرار اليمني من براثن الهيمنة والتبعية للأجنبي، وخير معين في استبصار التواقين نحو العزة والكرامة، ودفة دفع الوطنيين نحو تحقيق أهداف الشعب النبيلة المتمثّلة بالحرية والعدالة والعيش الكريم، ها هي اليوم تحتفلُ مع قُرّائها الكرام، بصدور العدد الألف، وهي بنفس الروحية وبنفس الشعور بالمسؤولية وبأعلى دراجات العنفوان والتوجّـه والوتيرة، سواءً بحلتها الإليكترونية أَو بأعدادها وإصداراتها القادمة التي ستزين أكشاك الصحف والمطبوعات كما كانت دائماً وستظل.
فمثلما حملت صحيفةُ المسيرة همومَ وتطلعاتِ الشارع اليمني وقضاياه المصيرية، حملت همومَ الأُمَّــة العربية والإسلامية على كاهلها منذ نشأتها الأولى إلى اليوم، إذ تأثرت كَثيراً بما يعصف بعدد من الدول العربية من اضطرابات وأزمات مفتعلة، وما سعت وتسعى إليه أنظمةُ الخيانة والانبطاح من تطبيعٍ واستسلامٍ وبيعِ القضية المركزية المتمثلة بقضية فلسطين، فلا تزال صحيفةُ المسيرة تقول لكل أعداء اليمن والعروبة والإسلام:
قادمون.. قادمون، اليوم وغداً وبعد غدٍ، فلا يفنى ثائرٌ ولا تموت ثورةٌ قامت لإحقاق العدل وإزهاق الباطل، لن ينفعكم سلاح ولا يجديكم إرهاب، فلن تكسروا توهج أرواحنا، وهيهات أن تخور عزائمُنا أَو يعتريها الفتورُ، وإنكم لساقطون راحلون إلى مزبلةِ التاريخ، وفي قاع الجحيم وظلماته مجتمعون، ونحن الباقون، نحن لسانُ الشعوب الحرة وضمير المقاومة المتجددة وأصحابُ الإرادَة، والكلمة الأولى والأخيرة.