إتمامُ أكبر صفقة في المِلف الإنساني: صنعاءُ تحرّر أسراها ومختطفيها من سجون العدو
المسيرة | تقرير خاص
وسطَ احتفاءٍ شعبي ورسمي واسع ورفيع المستوى، جرى، أمس الجمعة، إتمامُ صفقة تبادل الأسرى والتي استمرَّت ليومين متتاليين عبر رحلات جوية بين مطارات صنعاء وأبها وسيئون وعدن، حسب الآلية التي تم الاتّفاقُ عليها برعاية الصليب الأحمر الدولي والأمم المتحدة.
صفقةٌ هي الأكبرُ حتى الآن في هذا المِلف الإنساني المعرقَل منذ سنتين، الأمر الذي يخلق آمالاً بتنفيذ المزيد من الخطوات، لكن حتى في ظل هذه الأجواء الإيجابية، فقد كشفت الصفقة العديد من الفضائح الجديدة لتحالف العدوان ومرتزِقته، بخصوص معاملة الأسرى، حَيثُ أعلنت صنعاءُ عن استشهاد سبعة من أبطال الجيش واللجان المشمولين بالصفقة بعد تعرضهم للتعذيب في سجون العدوّ، إلى جانب تعرُّض العديد من الأسرى المحرّرين للتعذيب والإهمال الصحي، كما كشفت أن قائمةَ أسرى العدوّ تضمنت عشراتٍ من عناصر تنظيم القاعدة الذين أصرَّ على إخراجهم، فيما تضمَّنت القائمةُ الوطنيةُ أشخاصاً لم تكُنْ لهم علاقةٌ بالجبهات اختطفهم تحالُفُ العدوان ومرتزِقته وقام بوضعهم ضمن الأسرى، الأمر الذي يؤكّـدُ استمرارَ العدوّ بمحاولات المراوغة، ويؤكّـد على أن موافقتَه على هذه الصفقة جاءت بفعل تراجُعِه الميداني، وهو أَيْـضاً ما أكّـدته القوات المسلحة.
في تفاصيل عملية التبادل، وصلت إلى مطار صنعاء خلال يوم الخميس أربعُ طائرات قادمة من مطارَي سيئون وأبها، حملت على متنها 472 أسيراً من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة (طائرتان من السعودية وطائرتان من سيئون)، وبالمقابل أقلعت من مطار صنعاء ثلاثُ طائرات، إحداها وصلت إلى السعودية حاملة على متنها 14 أسيراً من الجيش السعودي وَ4 سودانيين، وطائرتان حملتا 217 أسيراً من المرتزِقة إلى مطار سيئون.
واستقبل مطارُ صنعاء، أمس الجمعة، طائرتين إضافيتين من مطار عدن، حملتا 201 من أسرى أبطال الجيش واللجان الشعبيّة المحرّرين، مقابل طائرتين وصلتا إلى عدن وعلى متنهما 150 أسيراً من المرتزِقة، لتتم الصفقة بذلك.
الأسرى المحرّرون من أبطال الجيش واللجان حظوا باستقبال رسمي وشعبي واسع؛ تقديراً لدورهم العظيم وتضحياتهم الكبيرة في معركة الدفاع المقدس، حَيثُ تواجد العديد من قيادات الدولة وجموع كبيرة من المواطنين والأهالي للاستقبال، كما تواجدت الفرق الموسيقية العسكرية، في مشهد احتفائي مهيب، زاد من هيبته ثبات وصلابة الأبطال المحرّرين الذين وجهوا رسائلَ قوية ومؤثرة عند وصولهم إلى أرض المطار، إلى جانب المواقف الإنسانية التي جمعت بين الأسرى وبعض أهاليهم.
عملية التبادل حظيت بصدىً كبيرٍ؛ كَـونها أكبرَ صفقة، حتى الآن، في مِـلَـفِّ الأسرى الذي تعرقله قوى العدوان منذ عامين، الأمر الذي خلق آمالاً بفتح آفاقٍ لخطوات إنسانية جديدة، وقد جددت صنعاءُ تأكيدَها على استعدادها للإسراع أكثر في حَـلِّ مِـلَـفِّ الأسرى وتنفيذ صفقة تبادل شاملة، أَو صفقات أكبر، وهو ما يؤكّـد مجدّدًا على أن التأخير في هذا المِـلَـفِّ ناتج عن تعنت أطراف العدوان فقط.
وقد برزت العديدُ من مظاهر هذا التعنت الإجرامي على هذه الصفقة أَيْـضاً برغم ما حقّقته من نجاح، فما إن وصل الأبطالُ المحرّرون إلى مطار صنعاء حتى بدأ انكشافُ فضائح جديدة لتحالف العدوان ومرتزِقته، حَيثُ أعلن رئيسُ لجنة شؤون الأسرى، عبد القادر المرتضى، أن “7 من أسرى الجيش واللجان الذين شملتهم الصفقة استشهدوا، بعد أن تعرضوا للتعذيبِ داخل سجون العدوان، وقد أكّـد الطبيبُ الشرعي ذلك” وأوضح أنه سيتم كشفُ التفاصيل عن ذلك خلال الأيّام القادمة”.
وَأَضَـافَ أنه تم استلام جثة شهيد آخر، استشهد؛ نتيجةَ إصابته بأحد الفيروسات، لكن سيتم فحصُ جثمانه للتأكّـد من ذلك.
المرتضى كشف أَيْـضاً جانباً من الكواليس التي أظهرت بشكل واضح عدمَ تعامل تحالف العدوان مع مِـلَـفِّ الأسرى كمِـلَـفٍّ إنساني، ومحاولاته لاستغلال هذه الصفقة؛ مِن أجلِ إخراج عناصره التكفيرية والإجرامية، في الوقت الذي يستمر فيه بتجاهلِ مرتزِقته، حَيثُ أوضح المرتضى أن “طرفَ العدوان حرص على أن تتضمن الصفقة عدداً من عناصر القاعدة (أكّـد العميد يحيى سريع ناطق القوات المسلحة أن عددهم وصل إلى 70 عنصراً)، إلى جانب عناصر الخلايا المتورطة بالتفجيرات، فيما رفض إدراج عناصره الذين تم أسرهم في جبهات الحدود”.
وَأَضَـافَ المرتضى أن “بعضَ أطراف العدوّ لم ترد لهذه الصفة أن تتم”، وأن “هناك اختلافاً كبيراً بين فصائل المرتزِقة، وهذا ما يؤخر عمليات التبادل”.
وكشف رئيسُ لجنة الأسرى أن “أحد أطراف التفاوض رفض تسليم 10 من أسرى الجيش واللجان الشعبيّة، ما أَدَّى لاحتفاظنا بـ10 أسرى من الطرف الآخر”.
ومن ضمن فضائح العدوّ التي كشفتها هذه الصفقةُ أَيْـضاً، ما صرّح به نائبُ رئيس لجنة شؤون الأسرى، مراد قاسم، من أن “50 جريحاً من الأسرى الذين وصلوا خلال اليوم الأول نقلوا إلى المستشفيات؛ نتيجةَ الإهمال الصحي الذي تعرضوا له من قبل العدوان ومرتزِقته”، فيما كشفت مصادر مطلعة للمسيرة أن قائمةَ الأسرى المحرّرين تضمنت عُمَّالاً مغتربين قام العدوّ باعتقالهم في السعودية، وصيادين قامت قوى العدوان باختطافهم في السواحل، إضافةً إلى أشخاص تم اختطافُهم من الطرق؛ بسَببِ ألقابهم وأسمائهم، وأدرجتهم قوى العدوان ضمن الأسرى.
مع ذلك، تتمسك صنعاء بإيجابية هذه الصفقة بشكل واضح، وتؤكّـد مجدّدًا على أن الكُرةَ في ملعبِ العدوّ، الذي كان وما زال تعنُّتُه هو المانعَ الوحيد لتنفيذ صفقة شاملة.
وفي هذا السياق، أكّـد رئيسُ لجنة الأسرى، المرتضى، على أنه “تم التوافقُ على عقد صفقة جديدة، وقد تم بالفعل الاتّفاقُ على جزء منها بانتظار تحديد الأمم المتحدة لمكان الاجتماع”، وكرّر التأكيدَ على “جهوزية الطرف الوطني للدخول مباشرةً في مشاورات جديدة تفضي إلى اتّفاقيات جديدة”.
وَأَضَـافَ أن “هناك رغبةً لدى المبعوث الأممي لإحداث اختراقٍ في المِـلَـفِّ اليمني؛ بسَببِ مرور عامين على اتّفاق السويد دون تنفيذ أية خطوة فيه”، وأنه “من المفترض أن تحصل توسعة للصفقة”.
وأكّـد على أن قائدَ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي يتابعُ مِـلَـفَّ الأسرى باهتمام كبير، مؤكّـداً على أن الطرف الوطني “لن يترك الأسرى ولن ينساهم وسيعملُ على تحريرهم في القريب العاجل”.
هذا أَيْـضاً ما أكّـده رئيسُ الوفد الوطني المفاوض، وناطق أنصار الله، محمد عبد السلام، الذي صرّح بأنه ستتم متابعةُ مِـلَـفِّ الأسرى حتى خروج آخر أسير، مبشراً بـ”إنجازات أُخرى بإذن الله”، كما جدّد بدوره التأكيدَ على “الاستعداد للدخول في تبادل الكل مقابل الكل”، وأن “هذا ما تمت المطالبة به في اتّفاق السويد”، وأعلن عن “مواصلة النقاش والحوار والتفاوض وُصُـولاً إلى الإفراج عن كُـلّ الأسرى والمعتقلين”.
وحول الأسرى السعوديين والسودانيين، أوضح عبد السلام أنه “تم الإفراجُ عنهم لتشجيع الطرف الآخر”، وأن “الطرف الوطني قدّم تنازلاً كَبيراً في هذا الجانب”، مُشيراً إلى أن “وجود الأسرى السعوديين هو إحدى نقاط القوة، والذين خرجوا في هذا الصفقة هم جزء فقط، ولدينا المزيد من الجنود السعوديين الأسرى”.
وأكّـد عبد السلام أن أسرى الجيش واللجان المحرّرين “تعرضوا لشتى أنواع التعذيب، وُصُـولاً للقتل في سجون العدو”، وأنه “في كُـلّ مرحلة نتفاجأُ بالمعاناة التي يتعرض لها الأسرى وقصصهم المؤلمة في سجون الطرف الآخر الذي لا يعرف ديناً ولا أخلاقاً”، وحمل تحالف العدوان كاملَ المسؤولية عن ما يتعرض له الأسرى من تعذيب وإهمال صحي وتجويع.
بالمقابل، أوضح عبد السلام على أن الطرفَ الوطني يتعاملُ مع الأسرى بالشكل اللائق الذي توجبُه التعاليمُ الإسلامية والقرآنية، وأن “الأسرى مسؤولية أخلاقية وإنسانية ودينية، والقيادة تولي أهميّة كبرى لهذا المِـلَـفِّ”.
وعن الاحتفالات الرسمية والشعبيّة التي تم استقبال الأسرى المحرّرين بها، أوضح عبد السلام أنها “تزيد الجبهة الداخلية صلابة وقوة” وأنها “تثبت أن خلفَ كُـلِّ أسير من أبطالنا أُمَّـةً لا يمكن أن تتخلى عنه”، وَأَضَـافَ أن “الاستقبال الشعبي والرسمي يعبّر أن الأسرى هم جزءٌ من معركة التحرّر والاستقلال”.
وتحدث عبد السلام عن أبعاد هذه الصفقة فيما يخُصُّ اتّفاق السويد ومسار السلام، مُشيراً إلى أن “هذه الخطوة تعيد الأمل في بناء السلام ونتوقع أن تنعكس إيجاباً على المِـلَـفِّ السياسي” وطالب “الأمم المتحدة والصليب الأحمر بسرعة تنفيذ ما تبقى من خطوات في إطار مِـلَـفِّ الأسرى”.
وتضمنت تصريحاتُ عبد السلام إشارةً مهمة إلى دور المعركة العسكرية في تحقيق مثل هذه الإنجازات، حَيثُ أوضح أن “عملية التبادل تأتي في سياق معركة النفَس الطويل؛ ولذلك دعم الجانب العسكري له دورٌ مهم في هذا الجانب”، وهي إشارة أَيْـضاً إلى أن العدوَّ لجأ إلى الموافقة على هذه الصفقة تحت تأثير التراجع الميداني الذي يعانيه في الميدان القتالي، وأنه لم يقبل بهذه الصفقة؛ حرصاً على السلام، وهو ما يؤكّـده تصريح عبد السلام الذي أكّـد فيه على أن “الطرف الآخر لديه حسابات ولا يريد تحقيق سلام حقيقي في اليمن”.
وهذا أَيْـضاً ما أكّـده ناطق القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، الذي أكّـد بوضوح أن “العدوانَ قلقٌ من الاقتراب العسكري من مدينة مارب، وأن هذا الأمر أَدَّى للضغط عليهم في مسار التفاوض”، وهو ما يجعل هذه الصفقة “إنجازاً كَبيراً على المستوى الإنساني والعسكري والسياسي” لصالح صنعاء.
سريع أكّـد أَيْـضاً ما كشفه رئيس لجنة الأسرى حول العناصر التكفيرية الذين حرص العدوُّ على المطالبة بهم في إطار الصفقة، وأكّـد أن الصفقة تضمنت 70 عنصراً من “القاعدة”، إلى جانب “متورطين في رفع الإحداثيات وقتل والمدنيين”.
كما أكّـد أَيْـضاً تعرض العديد من الأسرى المحرّرين للتعذيب، كاشفاً أن “البعض منهم تم تعذيبُهم قبل خروجهم بأيام”.
بالمقابل، أوضح سريع أن أسرى العدوّ يتلقون معاملةً محترمةً وأخلاقية، وأضاف: “نكرم الأسرى لدينا، ونحميهم من غارات الطيران وننقلهم إلى أماكنَ آمنة، ونسمح لهم بالتواصل مع أهلهم”.
وأكّـد سريع أَيْـضاً على أن إنجاز هذه الصفقة جاء “نتيجة تحَرُّكٍ واهتمام كبير من قبل قائد الثورة رغم التعنت الكبير من قوى العدوان”.
ووجّه سريع رسالةً عسكرية واضحة للعدو في هذا السياق بأن صنعاء “ستبذُلُ كُـلَّ ما بوسعها لإخراج كُـلّ الأسرى من سجون المحتلّين، ولديها الجهوزية الكاملة في كُـلّ الميادين، وهي وحاضرة لعمليات كبيرة إن لم يتجاوب العدوان مع دعوات السلام وحقن الدماء”.
إجمالاً: يمكن القول إن الأحداثَ والمواقفَ والمعلومات التي رافقت هذه الصفقة، لخّصت العديدَ من معادلات المشهد السياسي والعسكري والإنساني في وقت واحد، إذ كشفت عن خطوط عريضة يمكن اعتبارُها محدّداتٍ ثابتةً، وهي تتمثل في أن العدوّ لا زال بعيدًا عن السلام الحقيقي والجاد، وبناء على ذلك فَـإنَّ تحَرّك المِـلَـفَّات التفاوضية سياسيًّا وإنسانيًّا، بات مرهوناً بمدى الضغط الذي يشعر به العدوُّ على المستوى الميداني في المقام الأول، وهو المستوى الذي تمتلكُ فيه قواتُ الجيش واللجان تفوقاً واضحًا، الأمر الذي يفقد العدوّ حتى “متعة” التعنت الذي يمارسه لعرقلة الحلول التفاوضية؛ لأَنَّه يعرف جيِّدًا أن هناك طرقاً أكثرَ فاعلية لإجباره على التخلي عن هذا التعنت، وهذا ما نقرأه بوضوح في التصريحات السابقة.
ويعكسُ هذا الأمر تفوقاً استثنائيًّا لصنعاءَ في التنسيق بين المتغيرات العسكرية والجهود السياسية بشكلٍ يضاعفُ الضغطَ على العدوان ويحقّقُ إنجازاتٍ كبيرة، لم يكن لها أن تحقّق لو كان العدوّ لا زال يمتلكُ خيارَ الرفض، وهذا ما تعبّر عنه بوضوح هذه الصفقة التي حركت المِـلَـفَّ الإنساني الذي لطالما تعنت العدوّ في تحريكه، ولن يكونَ من الغريب أن يتحَرّكَ المِـلَـفُّ السياسي؛ بفعل متغيرات مماثلة.