ولادة جديدة لـ 680 أسيراً من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة.. العودة بكبرياء إلى صنعاء
يومان استثنائيان في تاريخ اليمن
المسيرة- أحمد داوود
الخامس عشر من أكتوبر، والسادس عشر من أكتوبر 2020، يومان تاريخيان، كُـلُّ القلوب تهفو إلى مطار صنعاء الدولي، هناك حيث الفرحة والأهازيج والرقصات الشعبيّة، ودموع الفرح التي تساقطت على الوجوه، وبللت اللحى.
الاستقبال الرسمي والشعبي كان باهراً بكلِّ ما تعنيه الكلمةُ، والبساط الأحمر حضر بكلِّ كبريائه في ساحة المطار ليستقبل الأبطال المحرّرين، وهو الذي كان يفرش للزعماء والرؤساء القادمين إلى صنعاء، والذين فضّلوا خلال خمس سنوات مضت كتمَ أنفاسهم وعدمَ استنكار أَو شجب عدوان غاشم على بلادنا، لتأتي الرسالة هنا مفادُها أن البساطَ الأحمر يُفرش اليوم لهؤلاء الأبطال الأسرى القادمين من عتمة معتقلات المرتزِقة.
هنا رجل بلغ من السن عتيًّا، يحمل عصا يتكأ عليها، يأبى إلا الحضورَ والمشاركة ليحتضن ابنَه الأسير، وفي المقابل امرأة تنتظر بفارغ الصبر زوجها الأسير، وهي لا تدري إن كان بصحّة جيدة أم لا، وجميع الذين قدموا واحتشدوا إلى مطار صنعاء الدولي كانوا يتلهفون بشوقٍ لهبوطِ الطائرة الأولى إلى المطار، لملاقاة الأحبة والأبطال.. بالفعل لقد كان يوماً استثنائيًّا لم تشهده اليمنُ من قبل، كان صباح صنعاء ونهارها ومساؤها، يوم الخميس الماضي، هو نهار الأسرى بامتياز، وصاروا معه أنهاراً لكل العرب، وفي هذه اللحظة يحقُّ لكل أسير أن يعتز بهُــوِيَّته، ويعتز بانتمائه للمشروع القرآني، ويحقُّ له كذلك أن يصرخَ بأعلى صوته: “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.
هنا في مطار صنعاء الدولي يرفع كُـلُّ أسير محرّر رأسَه عالياً، لقد انتهى زمنُ التعذيب والإهانة وكتم الحرية، إنهم أحرار في قلب الوطن النابض بكل نسائم الحرية.
ترابُ الوطن غالٍ
نزل الأسرى الأبطال المحرّرون من سلّم الطائرة، وعلى الفور سجدوا لله، مقبلين ترابَ الوطن، معتبرين أن هذا اليوم هو “ميلاد” جديد لهم.
الجماهير المحتشدة في ساحة المطار كانت تنثر الفل والورود على الأسرى الأبطال، فيما تعالت أصوات الحرية وهتافات الله أكبر، الموت لأمريكا، وعمت الفرحة أهالي الأسرى وجميع الذين احتشدوا في مطار صنعاء الدولي، مشيرين إلى أن هذا اليوم هو تاريخي ولا يمكن أن ينساه اليمنيون.
وقال عبد الوهَّـاب الأشول -والد أحد الأسرى-: “هذا يوم سعيد، بأن خرج ابني أحمد من الأسر، لقد كنت أنتظر هذه اللحظةَ التاريخيةَ بشغف كبير”.
لقد أُسر البطل أحمد الأشول في جبهة الساحل الغربي لليمن، حين كان يقاتل إلى جانب رفاقه بكلِّ بسالة دفاعاً عن الوطن، متصدياً لجحافل الغزاة والمرتزِقة التي كانت أعينهم آنذاك صوب مدينة الحديدة الساحلية، لكن بطلنا أحمد الأشول قاتل حتى وقع في الأسر، ليتمَّ نقلُه إلى غياهب السجن وليعيش طيلة 3 سنوات يعاني الويلات والآلام وشتى صنوف التعذيب.
ويقول والد الأسير: إنهم ظلّوا يترقّبون هذا اليوم بفارغ الصبر، مقدماً الشكرَ للقيادة السياسية والثورية في بلادنا على متابعة هذا الملف وما تم إنجازُه بهذا الشأن.
معنويات مرتفعة جداً
لقد وصل الأسرى الأبطال ومعنوياتهم تعانق الجبالَ، وكلُّ تأكيداتهم بأنهم لن يظلوا في منازلهم، وإنما سيتوجّـهون إلى الجبهات للثأر من المجرمين.
ويقسم الأسير المحرّر محمد السوسوة، أنه سيتوجّـه إلى متارس القتال على الفور، ولن يعودَ إلى أهله وأسرته.
وعبّر السوسوة عن عميقِ امتنانه للقيادة السياسية والثورية في صنعاء، للمساعي التي بذلوها لإطلاق سراحهم من المعتقلات، مؤكّـداً جاهزيته للذهاب إلى متاريس القتال قبل العودة إلى أهله وأسرته، وأنهم مشتاقون إلى ميدانِ القتال أكثرَ من الاشتياقِ للأهل والأسرة.
وأشَارَ الأسير السوسوة، إلى أنهم تعرضوا للمعاملة السيئة في المعتقلات، وتعذيب لا يمّت للإسلام بأية صلة.
من جهته، يقول الأسير المحرّر إبراهيم النبيل: إن معنوياته مرتفعة جِـدًّا بعد وصوله إلى مطار صنعاء الدولي، وإن الطرفَ الآخر في انهيار متواصل، مؤكّـداً استمرارَه على مواجهة قوى الاستكبار العالمي أمريكا وإسرائيل والنظام السعودي والإماراتي حتى ينال الشهادةَ في سبيل الله.
أما الأسير المحرّر محمد المصروحي، فأكّـد أن شعورَه لا يوصف في هذه اللحظة التي وصل فيها إلى مطار صنعاء الدولي متحرّراً من الأسر، لافتاً إلى أنه دخل الجنة، مؤكّـداً عدمَ التراجع والاستسلام، وموصلاً تحياته لزملائه في جبهات القتال، وأنهم على دربهم ماضون ولن يتراجعوا أبداً.
وأوصل الأسير المصروحي تحياته لسيّد المقاومة الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، ولقائد الثورة في اليمن السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
ولادةٌ من جديد
كانت أنظارُ العالم، يوم الخميس والجمعة، صوب العاصمة صنعاء، هنا حيث المجد والسؤدد والشموخ والكرامة، ومشاهد الرفعة والعلاء.
ويؤكّـد غالبية الأسرى المحرّرين بأن هذا التحرير بالنسبة لهم “ولادة من جديد”، وأن العودة إلى الوطن هي لحظات لا يمكن تخيّلُها، مشيرين إلى أنهم كانوا في حالة تعذيب مستمر، وكان العدوُّ يمارس بحقِّهم العنف والوحشية، لكنهم على الرغم من ذلك لم يخضعوا لهم، بل كانوا يردُّون على كُـلِّ إهانة، ويحاولون الدفاعَ عن أنفسهم حتى وهم داخل السجون.
وتعود إلى الأذهان معتقلات النظام السعودي في خميس مشيط، حيث عاش الأسرى المحرّرون سنواتٍ مريرة، وهم تحت التعذيب المتوحش، حتى أن جل من التقينا بهم يؤكّـدون بأنهم سيتحَرّكون إلى الجبهات للانتقام من آل سعود.
ويقول أحدُ الأسرى: إنه كان محتجزاً في خميس مشيط، حيث تعرّض خلالَ الأسر لشتى أنواع العذاب، ومنها الصعقُ بالكهرباء، والدوس بالبيادات العسكرية، حتى أن أسنانَه تكسّرن من شدة التعذيب المستمر.
ولم يكن الأسرى الموجودون في سجن الخضراء بأحسن حال من غيرهم، فقد تلقوا أصنافاً متعددة من التعذيب.
ويقول بعض الأسرى موجهاً رسالته لآل سعود: لا أهابكم، وسأعود لمواجهتكم حتى آخر ثانية في حياتي، سجنكم لي مرَّ مروراً خفيفاً، فطوال خمس سنوات وشهرين ونصف هي مدة الأسر التي كنت فيها بكل ما فيها من تعذيب، لكنني لم أنهزم أبداً وسأعود للمواجهة.
يوم أسود
وبينما كانت أجواء الفرح والانتصار تعمُّ صنعاء، كانت الرياض وأبو ظبي وفنادق المرتزِقة تعيش يوماً أسودَ بكلِّ ما للكلمة من معنى، ولعله هذا اليوم هو الأكثر فداحة عليهم، فهم لا يريدون أن يتحقّق الانتصارُ للشعب اليمني العظيم، ولا يريدون لليمني أن يتنفسَ الحريّةَ على الإطلاق.
ويقول محمد شرف الدين -قريب لأحد الأسرى-: إنه لم ير مثل هذه المشاهد في حياته، مقدّماً شكرَه الجزيل للقيادة السياسية والثورية لدورها في متابعة هذا الملف الإنساني.
ولأن مشاعرَ الأمومة تختلف جذرياً عن كُـلِّ ما سواها، فقد تجمّعت الكثيرُ من النساء في ساحة المطار، بانتظار أقارب لهن.
وتقول أم الأسير أحمد القاضي: “أكاد أموت من الفرح، لقد رجع ابني رجع ورجع الأسرى كلُّهم بعد خمس سنوات وهو في الأسر”.
وتضيف بقولها: “مضى نصف عمري وأنا بانتظار ولدي الأسير، ورجع الأسرى كلهم بعد خمس سنين وهو في الأسر، مضى نصف عمري وأنا منتظرة لولدي، مرضت وأنا منتظرة خمس سنين متى سيطرق البابَ عليَّ، أم منتظرة لابنها ولصوته، والآن ولحظة ما شفته لم أستطع أن أتمالك نفسي، لله الحمد والشكر من جعلني أشوف اللحظة هذه التي لا أستطيعَ أن أصفها”.