الحرب على اليمن ونتائجُ الانتخابات الأمريكية
يحيى مقبل
بدأت الحربُ على اليمن بإعلان شهير من واشنطن في عهد الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، واستمرت إلى نهاية الفترة الرئاسية لأوباما لما يقارب العامين وهي تحظى بكامل الدعم والرعاية من الإدارة الديمقراطية، وخلال هذه المدة من عمر الحرب ارتكب التحالفُ السعودي المدعوم من الإدارة الديمقراطية أبشعَ المجازر وأكثرها وحشية على الإطلاق؛ لأَنَّهم كانوا يريدون حسمَ الحرب في أقصر وقت ممكن مهما كانت التكاليفُ المادية والبشرية والأخلاقية باهظة الثمن، فقصفوا الأبرياء في كُـلّ مكان، داخل منازلهم وفي مخيمات النازحين والمستشفيات والأسواق والأعراس والعزاءات والمدارس، والمزارع والجسور والطرقات وفي المصانع والمطارات والموانئ وفي عرض البحر، ولم يسلم أي هدف حتى الرعاة البدو ومواشيهم لاحقوهم في القفار، وكانت تلك المجازر التي ارتكبت بسلاح وبدعم لوجستي أمريكي تحظى بغطاء أممي تكفل الديمقراطيون بتوفيره.
خسر الديمقراطيون الانتخابات وفاز الجمهوري ترامب واستمرت الحرب العدوانية على اليمن كامل ولاية ترامب الأولى بدعم معلن وصريح ودون أية مواربة من ترامب وإدارته، فمرروا الكثير من صفقات الأسلحة ودرّبوا الجيشَ السعودي على مختلف الأسلحة الحديثة، واستمروا في تقديم الدعم اللوجستي من رصد ومتابعة الأهداف ورفع الإحداثيات وتزويد الطائرات بالوقود، وُصُـولاً إلى المشاركة المباشرة، رغم استمرار المجازر البشعة بحق المدنيين واستفحال المأساة الإنسانية في اليمن التي أساءت كَثيراً لسمعة التحالف وداعميه الدوليين.
وها نحن في نهاية الفترة الرئاسية الأولى للجمهوري ترامب والذي تشير نتائج الاستطلاعات جميعها إلى تقدم منافسه الديمقراطي بايدن حتى في الولايات المتأرجحة التي لم تحسم خيارها.
فلم يكن من فارقٍ جوهري بين الديمقراطيين والجمهوريين من مسألة دعم تحالف السعودية في حربهم على اليمن. صحيح أن الجمهوريين رعَوا الحربَ لمدة أطول ودفعوا باتّجاه تضييق الحصار وتشديد إجراءات خنق الشعب اليمني برًّا وبحرًّا وجوًّا، ما أَدَّى لتدهور الوضع الإنساني وتفشي الوباء والمجاعة وحدوث أكبر كارثة إنسانية في التاريخ المعاصر. ولكن لا شيء يدل على أن الوضعَ الإنساني في اليمن والمنطقة لم يكن ليصل إلى ما هو عليه اليوم من سوء لو أن المرشحةَ الديمقراطية هيلاري كلنتون فازت في انتخابات ٢٠١٦. فمراسلاتها المسربة، وهي في منصبِ وزيرة الخارجية لأوباما، تؤكّـدُ أن سياسةَ الديمقراطيين لا تراعي سوى المصلحة الأمريكية، وفي سبيل رعاية المصلحة الأمريكية يقوضون الأنظمة ويخربون البلدان ويشيعون الفوضى والاضطراب في منطقتنا وفي غيرها، وقد أوضحت مراسلات هيلاري، بما فيه الكفاية، نهجَ حزبها لتقويض الأنظمة وتخريب الدول العربية لنهب ثرواتها تحت مسمى ثورات الربيع العربي بالتحالف الخفي مع الإسلام الإخواني، وهي سياسة مشابهة لسياسة الجمهوريين مع فارق أن الديمقراطيين يحبذون العملَ في الخفاء.
إذا فاز بايدن الديمقراطي في الثالث من نوفمبر فلن يختلفَ موقفُه من حرب السعودية على اليمن، عن موقف الجمهوري ترامب، رغم تأكيده على أن سياسته الخارجية ستختلف عن سياسة ترامب التي أَدَّت لعزل أمريكا دوليًّا، ولكن ربما في مسألة الاتّفاق النووي مع إيران وفي مسائل الاتّفاقات الدولية المتعلقة بحماية البيئة وسباق التسلح. وما يقال من أن بايدن سيرفعُ الدعمَ عن السعودية في حربها على اليمن بشكل كامل فمستبعَد؛ وذلك لأَنَّ السعودية راعية مثالية للمصالح الأمريكية، وَالسياسة الأمريكية لديها ثوابت لا تتغير بتغير الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس.
ومن المعروف أن رسمَ السياسة الخارجية لأمريكا منوطٌ بالمؤسّسات الأمنية، والاستخباراتية، ومراكز الفكر والبحوث، وليس لشخص الرئيس أَو لحزبه، وهذه المؤسّساتُ تعملُ ضمن ثوابتَ هدفُها خدمةُ المصالح الأمريكية بغضِّ النظر عن مصالح دول المنطقة، وعمن يحكم وعن طبيعة نظام الحكم، فمن المعروف أنها تدعمُ الأنظمةَ الملكية والاستبدادية طالما كان في ذلك رعاية لمصالحها، ومن المعروف أَيْـضاً أنها تحيك المؤامرات وتدبّر الانقلابات وترعى المتمردين ضد الأنظمة الديمقراطية التي لا تراعي المصالحَ الأمريكية، وترفع سلاحَ العقوبات في وجه الدول المنافسة اقتصاديًّا وعسكريًّا وثقافيًّا وفي وجه الدول والكيانات والأشخاص الذين يهدّدون مصالحَها ويرفضون هيمنتَها المطلقة، ومن المعروف أن الولايات المتحدة ليس لديها وفاءٌ دائم للأصدقاء من الحكام في أية دولة وَتتخلى بسهولة عنهم عندما يتعرضون لمآزق وقد شاهدنا كيف تخلت عن أصدقائها في مصر وتونس وَفي غيرهما.
إن نهجَ واشنطن في المحافظة على مصالحها ومصالح الكيان الإسرائيلي ثابتٌ لا يتغير بتغير الحزب الحاكم، وسيكون من أولويات بايدن، إذَا وصل إلى البيت الأبيض ولم يؤثر انضمام السودان وربما انضمام السعودية قبيل الانتخابات للتطبيع مع إسرائيل على الرأي الأمريكي، الدفعُ ببقية دول المنطقة إلى الانخراط في مشروع التطبيع مع إسرائيل على طريق الإمارات والبحرين والسودان. وما يردّده الأمريكيون، من أن السلام في منطقة الشرق الأوسط منوطٌ بالسلام مع إسرائيل، ثابتٌ من الثوابت الأمريكية التي تجاوز الحزبين.
وإذا حدث تغيُّرٌ في الموقف الأمريكي من الحرب على اليمن فهو تغيُّرٌ صنعه صمودُ الشعب اليمني وتضحياتُ أبنائه واقتضته المصلحةُ الأمريكية وليس ناجماً عن انتقال السلطة من حزب إلى آخر.