اليمنُ يرفع راية “الهُـوية الجامعة” لمواجهة أوسعَ مع “طاغوت العصر”
إضاءةٌ على خطاب قائد الثورة بمناسبة المولد النبوي الشريف:
المسيرة | خاص
يتميزُ الخطابُ السنويُّ الذي يلقيه قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في مناسبة المولد النبوي الشريف، بشموليتِه وتركيزه على الثوابت العامة والمواقف المبدأية من قضايا الوطن والمنطقة وبشكل مواكب للمتغيرات على الصعيدَين، وقد برزت هذه الخصائصُ بصورة أوضحَ وأوسعَ في خطاب هذا العام الذي جاء في مرحلة بالغة الحساسية؛ نظراً للأحداث التي تشهدها الساحة الإقليمية والعالمية بشكل خاص، والتي كان لها ارتباطٌ مباشر بجوهر إحياء مناسبة المولد النبوي الشريف، فجاء الخطابُ ليعبِّـــرَ بوضوحٍ عن حالة المواجهة الشاملة التي يفترض بالأمة كلها أن تدركَ طبيعتَها وتخوضَها ضد الغرب، وهي مواجهة بدا من خلال الخطاب أن لليمن دور مركزي فيها، إن لم يكن قيادياً؛ كونه تصدّر المشهد العربي الإسلامي وبشكل مدهش في إحيائه للمناسبة والتفافه حول الهُـوِيَّة الجامعة التي تمثل المنطلق الرئيسي للتحَرّك ضد مؤامرات وهجمات دول الغرب ضد المنطقة.
الأزمةُ الراهنة تفرز أطرافَ المواجهة الحقيقة وتحدّد طبيعتها
ينطلقُ قائدُ الثورة في بداية الخطاب من الحديث عن الواقع الراهن للأُمَّـة الإسلامية و”المشحون بالمشاكل والأزمات”، في إشارة إلى وباء الخيانة المعَلنة الذي يتفشى في المنطقة من خلال إعلان ما يسمى “التطبيع” بين دول الخليج والكيان الصهيوني، إلى جانب الهجمة الغربية الجديدة المنفذة عبر فرنسا ضد الإسلام وشخصِ النبي الأعظم صلواتُ الله عليه وآله، وهو الأمرُ الذي يرتبطُ بشكل مباشر بمضمونِ إحياءِ مناسبة المولد النبوي الشريف؛ باعتبَار ما تشكّله هذه الأحداثُ من فرز واضح لأطراف وأهداف المواجهة الجارية اليوم، كمواجهة بين الغرب الاستعماري بقيادة أمريكا وإسرائيل ومن يرتبط بهما من جهة، وشعوب المنطقة الإسلامية وهُـوِيَّتها ومعتقداتها من جهة أُخرى.
ولهذا، يؤكّـدُ قائدُ الثورة على أن إحياء مناسبة المولد النبوي الشريف هذه السنة “يجب أن تكون محطة لمواجهة هذه التحديات” ويحرص على توضيح هذا البُعد الأشمل للمناسبة والذي يتجاوز الحدود اليمنية، بالتأكيد على أن تجاهل المتغيرات والأحداث التي تشهدها الساحة الإسلامية اليوم يعتبر “تنصلاً عن المسؤولية” بل “حماقة”.
ووفقاً لذلك، يعرّج قائد الثورة على توصيف المشكلة التي تواجهها الأُمَّــة اليوم في إطار هذه المواجهة ومن وحي مقتضى المناسبة، حَيثُ يؤكّـد أن جميعَ المفاسد الكبرى التي يعاني منها البشرُ عامة والأمة الإسلامية بشكل خاص، تنشأ من أمر واحد هو “الانحراف عن رسالة الله”، وهو ما نجدُ بالنظر إلى شواهد المتغيرات والأحداث الجارية أنه ليس مُجَـرّد “موعظة”، بل واقع تعيشه المنطقة اليوم بوضوح، فهذا الانحرافُ قد انعكس على كُـلّ المستويات، ليدلل على أن الرسالة الإلهية لم تكن يوماً مُجَـرّد تعاليمَ زائدة عن الحاجة، أَو يمكن حصرها في زاوية معينة، بل هي منهج متكامل شامل للجوانب السياسية والاقتصادية والأخلاقية والعسكرية وغيرها، وقد أثبتت الشواهد أن عدم التعامل معها بهذا الشكل يؤدي فقط إلى الخسارة والهزيمة وهو ما يشهد به الواقع اليوم أَيْـضاً.
وإذن، فالمواجهةُ اليوم تتطلبُ الانطلاقَ من الهُـوِيَّة الإسلامية الجامعة التي بات الاستهداف الغربي الشامل نفسه يؤكّـد ضرورة الالتفاف حولها لمواجهته، ومن هنا يتطرق قائد الثورة إلى أحد التوصيفات القرآنية المهمة التي ترتبط بالسياق، وهي “الشدة” التي يجب أن تتميز بها الأُمَّــة تجاه الأعداء، فـ”الخيارات اليوم تجاههم تنحصر بين الشدة، أَو الخنوع” والتعليمات الإلهية بما تمثله من هُـوِيَّة إسلامية يجب العودة إليها للانتصار، تؤكّـدُ على خيار القوة، وهو الخيار الذي ركز الغرب بشكل خاص على تحريفه عن مفهومة بشكل خاص من خلال إلصاق دعاية “الإرهاب” به.
وإذ يربط قائدُ الثورة واقعَ الأُمَّــة اليوم بتعليمات الرسالة المحمدية بهذا الشكل، يحرصُ أَيْـضاً على تطبيق المفاهيم القرآنية على واقع العدوّ للتأكيد على حقيقة المعركة والسبيل الوحيد لخوضها والانتصار فيها، حَيثُ “طاغوت العصر” يتمثل اليوم في أمريكا وإسرائيل و”من يدور في فلكهم” وهي ليست مُجَـرّد مقاربة تحليلية بل حقيقة يشهد بها تطابق تصرفات هذا المعسكر مع تصرفات العدوّ الذي حدّدته التعليمات والمفاهيم القرآنية، ومن ضمن تلك التصرفات الإساءة للإسلام والنبي صلوات الله عليه وآله، والتي تنفذ اليوم عبر فرنسا وقيادتها التي لا تمثل في هذه المعركة سوى “دمية” وأدَاة بيد اللوبي الصهيوني المسيطر على الغرب، والذي يحاول أن يغلف هذه الإساءَات بشعارات “حرية التعبير” لكنه يفضح نفسه بمنع أي محاولة لانتقاد الصهيونية أَو كشف حقيقتها.
وفي هذا السياق تتجلى حقيقة ما تقوم به الأنظمة العملية في المنطقة من مشاركة خطيرة للأعداء في استهداف الأُمَّــة من خلال ما يسمى “التطبيع”، وهو واقع يدلل عليه سلوك النظام السعودي بالذات من موقعه في رأس قائمة هذه الأنظمة، حَيثُ “يفتح أجواء بلاد الحرمين الشريفين لليهود في الوقت الذي يحاصر فيه الشعب اليمني ويعتدي عليه، كما يقوم بسجن أحرار الشعب الفلسطيني لموقفهم المناهض لإسرائيل”، والأمر ذاته بالنسبة لسلوك بقية الأنظمة العملية في الإمارات والسودان والبحرين.
تعاظم الدور اليمني في المواجهة الإقليمية مع العدو
بعد توضيح طبيعة وأطراف هذه المواجهة، يعلن قائد الثورة جملة من المواقف التي تنطلق بشكل واضح من واقع شمولية هذه المواجهة مع الغرب الاستعماري، وتجاوزها للحدود المحلية، الأمر الذي يمثل مؤشرا مهما على تعاظم الدور المركزي لليمن في هذه المواجهة.
في مقدمة تلك المواقف وكالعادة، الموقف المبدأي “الديني” في مناصَرة الشعب الفلسطيني ومعركة تحرير كُـلّ أراضي فلسطين، وهو ليس موقفا “تضامنيا” فحسب، بل ينطلق من ضرورة مواجهة “الخطر الذي يشكله العدوّ الصهيوني للأُمَّـة الإسلامية والاستقرار والسلم على المستوى الإقليمي” الأمر الذي يرسلُ رسالةً مهمةً مفادُها أن مواجهةَ “إسرائيل” ليست محصورةً في حدود الشأن الفلسطيني حتى يتم التحايلُ عليها بأية صفقاتٍ خيانية، بل بات تهديداً مباشراً على أمن وسلامة المنطقة كلها.
هذه الرسالة تتضحُ أكثرَ بالمواقف التالية التي يؤكّـد فيها قائد الثورة على “الوقوف مع أحرار الأُمَّــة في محور المقاومة للتصدي للخطر الأمريكي الإسرائيلي” و”التمسك بالأُخوَّة الإسلامية ورفض الفتن والتفريق”، الأمر الذي يعني اصطفافا استراتيجيا يواجهُ الاصطفافَ المعادي الذي يتشكل في المنطقة اليوم، ويعرفُ العدوُّ خطورةَ ذلك عليه وقد سعى لمنعه طوالَ الفترات الماضية بكل السبل.
وتأتي هذه الرسالةُ المهمة مشفوعةً بدلالات مهمة على تزايد أهميّة دور اليمن وموقعها في معادلة الصراع الأشمل مع العدوّ، أهمها تميُّزُ احتفالات المولد النبوي في اليمن هذا العام بمشاركة غير مسبوقة لجالياتٍ من أكثر من عشرين بلداً عربياً وإسلامياً، حرص قائدُ الثورة على الترحيبِ بها في بداية الخطاب.
رسائلُ للعدوان: مواجهةٌ حتى تحقيق النصر
ومن الإطار الأوسع، يعودُ قائدُ الثورة إلى الشأن المحلي، ولكن في سياق القضية الشاملة نفسها، مؤكّـداً على “الاستمرارِ بالتصدي للعدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على بلادنا كواجبٍ ديني ووطني حتى تحقيق النصر”، الأمر الذي يرسلُ رسائلَ مهمةً ضمن مِلف الحرب والسلام، في ظل استمرار مماطلات تحالف العدوان وداعميه وإصرارهم على مواصلة استهداف البلد وحصاره برغم كُـلّ المبادرات والعروض والشروط المقدمة والمعلَنة.
وبالتوازي، يدعو قائدُ الثورة إلى مضاعَفة ومواصلةِ العمل على الجبهات الأمنية والاقتصادية والتوعوية في سياق المعركة نفسها.
على أن هذه الرسائلَ إلى تحالف العدوان تأتي اليومَ من موقعٍ أكثرَ قوةً من أي وقت مضى، وتأتي متزامنةً مع إنجازات مستمرة في مسار تصاعدي تضيقُ أمامه خياراتُ العدوّ بشكل متواصل، الأمر الذي يجعلُ هذه الرسائلَ أشدًّ وقعًا وتأثيرًا فيما تقدمُه للعدو من إنذارات بات يعرفُ جديتَها.