المولد النبوي الشريف.. بين مهابة الحشد ودلالات الحضور

 

إبراهيم محمد الهمداني

إن الحديثَ عن الرسول الأعظم محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- هو حديث عن منتهى الكمال، وأعلى مرتب التشريف الإلهي، وهو حديث عن عظمة النعمة الإلهية، والرحمة المهداة للعالمين، وسبيل النجاة من عذاب النار، والشقاء الأبدي، وباب الفوز والفلاح بخيري الدنيا والآخرة، فالرسول – صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله – في تموضعه الفردي، هو المصطفى المختار، وهو رسول الله ونبيه، وخليلة وصفيه، المبرأ من العيوب، المنزه عن النقائص، صاحب الخلق العظيم، والقلب السليم، والفضل القديم، المتمثل لحميد الصفات، وعظيم الشمائل، وأرفع المناقب، شرَّفه الله وأكرمه، فبلغ منتهى الكمال والجمال والجلال.

وهو في تموضعه الجمعي، خير خلق الله، وسيد ولد آدم، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وكمال عدتهم، والمبعوث رحمة للعالمين، للناس أجمعين، والهادي إلى صراط مستقيم، ونور الله العظيم، الذي أتمَّه بقدرته، وأدامه بدوام سلطانه، ولو كره الكافرون.

ويأتي الاحتفال بمولد النبي الأكرم محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، في سياق تعظيم من عظمه الله، وتخليد ذكرى خلدها الله، واعترافا بفضل من فضَّله الله، “قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ”، وهذا هو الموضع الوحيد الذي أمرنا الله تعالى فيه أن نفرح، وهذا هو الموضع الوحيد، الذي يكون الفرح فيه محمودا، وبذلك لا نغالي إن قلنا إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، هو إحياء لشعيرة مقدسة من شعائر الله، “ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ”، وهو احتفاء بمولد النور الإلهي، الذي أزاح الظلمة، وكشف الله به الغمة، وهدى به الناس إلى صراط العزيز الحميد، لكن الانحراف الذي أصاب الأُمَّــة، وحملات التبديع والتكفير الممنهجة، حجمت الفرحة في قلوب المسلمين، وحدَّت مظاهر الفرحة والاحتفال، وكادت علاقة المسلمين برسولهم الأعظم، ونبيهم الأكرم، أن تنقطع أواصرها، وتندثر معالمها، إلا من ثلة من المؤمنين، الذي مضوا في الوفاء بعهدهم لنبيهم، إجلالا وعرفانًا وتعظيما، لم يكترثوا بفتاوى التكفير، ولا بمشاريع القتل الممارس بحقهم، وعلى رأس هؤلاء يقف اليمنيون، أحفاد الأنصار، حاملين مجد أسلافهم، ومتممين عهدهم وبيعتهم للنبي الكريم.

تميز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، هذا العام الموافق 1442هـ، بالزخم الجماهيري الكبير، والحشد الشعبي الهائل، والحضور المشرف على المستوى الداخلي، والتمثيل الرمزي لبعض الجاليات العربية والإسلامية، بالرغم مما يعانيه الشعب اليمني؛ بسَببِ العدوان الصهيوسعوأمريكي الإجرامي، والحصار الأممي المطبق، والتردي العام في جميع نواحي الحياة، وخَاصَّة على المستويين الصحي والاقتصادي، وتداعيات ذلك ونتائجه الكارثية، إلا أن الشعب اليمني – كعادته – لم يتوان عن الاستجابة لقائده، ونصرة نبيه، والابتهاج بمولده، والامتنان لعظيم فضله، في حشد جماهيري مهيب، وطوفان بشري هائل، يهتف بصوت واحد، “لبيك يا رسول الله”، مؤكّـدين على موقفهم الثابت والمبدأي في السير على نهج الرسول الأكرم، واتباع هديه، والاقتدَاء به، وإعلان الولاء المطلق له، ومعادَاة أعدائه من اليهود والنصارى ومن والاهم، وقد رافق هذا المشهد المهيب، حضور وفد أبناء نجران للمشاركة في هذا الاحتفال، بما يحمله ذلك الحضور من دلالات على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي، بالإضافة إلى حضور عدد من الجاليات العربية والإسلامية، مثل سوريا وفلسطين والعراق وإيران والصومال والسودان وغيرها، في دلالة على الوحدة الإسلامية، التي أسس مداميكها الرسول الأعظم -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- لتكون حاضنة جامعة لجميع المسلمين، علاوة على ما لذلك من دلالات سياسية، توحي بانظواء جميع العرب والمسلمين، تحت راية القائد الرباني السيد المجاهد عبدالملك بدرالدين الحوثي، حفظه الله ورعاه، وتسليمهم له، واتباعه في مسيرة الحرية والكرامة والعزة، التي نعمت بها جالياتهم في ظله، واستشعرها إخوانهم تحت رايته، وهذه هي حقيقة التهيئة الإلهية، والتمكين الإلهي العظيم، لهذا المشروع القرآني الحضاري الإنساني، في شموليته وكماله وتمامه، وهناك العديد من الدلالات، التي حضرت في هذه المناسبة العظيمة، منها على سبيل المثال:-

١- ظهور الفرق بين الانتماء الحقيقي للدين الإسلامي، والنبي محمد، ودعاوى الانتماء التي تكفر وتبدع وتقتل المسلمين، وتحارب الإسلام وتشوه صورته.

٢- انكشاف حقيقة الجماعات الدينية الوظيفية، ودورها الفاضح في خدمة المشروع الاستعماري في المنطقة.

٣- سقوط بعض الأنظمة العربية، في مستنقع التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ لتؤكّـد أنها لم تكن أكثر من أنظمة وظيفية، تعمل لمصلحة المشروع الاستعماري الكبير.

٤- سقوط القناع عن القوى الاستعمارية، التي طالما تغنت بحماية حقوق الإنسان، والمحافظة على الأمن والسلم العالمي، بينما هي كينتونات استعمارية، تسعى لفرض سيطرتها وهيمنتها، بمختلف الوسائل والطرق، التي لا تخلو من الوحشية والموت والخراب والتدمير والعنصرية المقيتة.

٥- تزامن هذا الاحتفال مع الإساءة الفرنسية، للرسول الأكرم، وتبني الرئيس الفرنسي لتلك الإساءة، مما يدل على أن التطرف والإرهاب صناعة استعمارية، ماسونية صهيونية أمريكية فرنسية بريطانية بامتياز.

٦- مع مرور الأيّام وتوالي الأحداث، تزداد الرؤية وضوحاً، ويتضح الفرق أكثر بين طرفي الصراع الكوني، ما بين مؤمن صحيح وكافر صريح، ولا ثالث لهما.

٧- اعتلاء اليمن قيادة محور المقاومة، واستحقاق اليمنيين ذلك الشرف، كونهم امتداد مشروع أسلافهم، وصانعي مستقبل البشرية، وهذا ما ستؤكّـده وتثبته الأيّام القادمة، إن شاء الله تعالى.

حمل اليمنيون مشروع “هيهات منا الذلة”، وطافوا في محراب التضحية، مردّدين “لبيك يا حسين”، وحملوا مشروع “الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام”، وحجوا حول “كعبة النور”، مترنمين بصوت واحد، “لبيك يا رسول الله”، رفضوا تقديم أدنى التنازلات، مادامت تمس دينهم أَو نبيهم أَو كيانهم أَو حريتهم وسيادتهم، بينما حمل غيرهم، مشاريع التطبيع، والخضوع والخنوع والذل والارتهان، لمن لعنهم الله وضرب عليهم الذلة والمسكنة أينما ثففوا، وقدمت تلك الأنظمة المسارعة إلى التطبيع، التجسيد الحقيقي لأُولئك الذين قال الله تعالى عنهم: “فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَو أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أنفسهِمْ نَادِمِينَ”، صدق الله العلي العظيم.

بينما حمل أمثلهم طريقة شعاراً أجوفَ، يمثل الدونية، ويجسد العجز والارتهان، في محاولة منهم لإظهار حبهم للنبي الكريم، ورفضهم لحملة الإساءَات المتكرّرة، فقالوا: “إلا رسول الله”، وكان أقصى جهدهم هو التهديد بالمقاطعة الاقتصادية، ورغم ما في الشعار من دلالات السماح والتغاضي عن كُـلّ جرائم قوى الاستكبار العالمي، والسكوت عن كُـلّ انتهاكاته للحرمات والمقدسات، مهما كانت تلك الانتهاكات والجرائم، لكن أن يصل الأمر إلى الاستهانة والإساءة للرسول الكريم، فهذا ما لن يسكتوا عليه، غير مدركين أن تخاذلهم ذاك، ومواقفهم المخزية، واستلابهم، هو ما أطمع أعدائهم، وجعلهم يتجرأون على القيام بتلك الإساءة، وتكرارها بين الفينة والأُخرى، لتحقيق أهداف سياسية استعمارية، لعل أهمها هو تأكيد تهمة الإسلام بالتطرف والإرهاب، وذلك هو الهدف العام، وهناك هدف خاص بهذه المرحلة، يتمثل في صرف أنظار الشعوب العربية والإسلامية، عن الأدوار الخيانية، التي تؤديها بعض الأنظمة العربية، من خلال التهافت إلى أحضان الكيان الصهيوني، في عملية التطبيع الخيانية الكبرى، وتحويل اهتمام الشعوب نحو الزوبعة الإعلامية، المفتعلة في إطار صراع الأديان، وذلك هو ما تم فعلا، إلى حَــدّ كبير، بينما كان المفترض على الشعوب، أن توجّـه غضبها وسخطها على الأنظمة المطبعة؛ لأَنَّها هي السبب الرئيس، في حدوث ذلك الانحدار لقيمة الإسلام والمسلمين، فإذا ما نجحت الشعوب في إسقاط الأنظمة المطبعة، فذلك كفيل بإعادة قيمتها، وإخراس ألسنة أعدائها إلى الأبد.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com