المولد النبوي الشريف.. بين عالمية المشروع وعالمية القيادة
المسيرة| تقرير|
منصور البكالي:
عميقةٌ وشاملةٌ وواضحةٌ هي خطاباتُ قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، تجدُها مشبَّعةً بوضع الحلول لكافة الأحداث والمشكلات، نصوصُها تقدِّمُ للقارئ والمشاهد والسامع كافة الحجج والبراهين الواقعية المقنعة، وكذا التوضيحات والتوجيهات والتلميحات وإعطاء الخصوم فرصاً لإثبات صدق النوايا، لإقامة الحُجَّـة وكشف الحقيقة.
ومن يتأمل في جماهيرية وطلة قائد الثورة في خطاب المولد النبوي الشريف هذا العام ويغوص في دلالات النصوص الواردة فيه، ويربطها بعظمة المناسبة وصاحبها رسول الله محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- الذي أرسله الله رحمة للعالمين وخاتماً للأنبياء والمرسلين، يدرك مدى عالمية الرسالة والرسول والمستمر في التبليغ لها إلى يوم الدين، قبل تفرد وواحدية المرسل جل في علاه.
ومن ينطلق في دعوته ومشروعه من منطلق الرسالة المحمدية الخاتمة كانت خطاباته وتوجيهاته وخططه وتفكيره من ذات المنطلق الشامل بشمولية الرسالة المهداة رحمة للعالمين.
فجمهورُ مناسبة المولد النبوي الشريف لن تقفَ عند حدود جغرافية أَو مذهبية أَو دينية، أَو عِرقية، بل هي في ذاتِها وحقيقتها إعادةٌ لتذكير العالمين من مختلف الأديان والشعوب بمن بعثه الله بشيراً ونذيراً لكل بني البشر.
وبكل تأكيد أن من ينطلق في تفكيره وتخطيطه واستشعاره لعظمة المسؤولية قبل تحَرّكه وفعله وقوله في الواقع، سيكون كتاب الله القرآن الكريم مصدره الوحيد من بين المصادر، بعد أن تعرضت الكتب السماوية للتحريف والتزييف، وستكون سيرة الأنبياء والرسل مسلكه وأُسلُـوبه في هذه الحياة، فيعكس حركة القرآن وسيرة الأنبياء في تصرفاته وتفاصيل حياته وهمومه اليومية، كما هي معية الله حاضرة إلى جواره وأفئدة الناس تصبو إليه.
وهذا ما عكسته ساحات وميادين الاحتفال برسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ-، وطبيعة الحشود غير المسبوقة في تأريخ شعبنا اليمني، الذي أحدثت متابعة واهتماما خارجيا كبيرا، شمل الأعداء والاصدقاء وانقسم العالم من حولنا إلى قسمين، قسم يدرك بأن أملَ الأُمَّــة باقٍ وقادم من اليمن، فزادتهم تلك المشاهد لهفة وشوقاً لوصول الأنصار وثقافة الأنصار إلى شعوبهم، فيما القسم الآخر ارتعدت فرائصُه وفشلت مخطّطاتُه وتحطمت كُـلّ آماله وطموحاته الاستعمارية لشعوب وخيرات هذه الأُمَّــة التي لا تزالُ تملكُ قيادةً بمثل قائد الثورة اليمانية السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، وشعبٍ كشعب الإيمان والحكمة.
وهذا يجُرُّنا إلى نتيجةٍ جديدةٍ وغير مسبوقة مفادُها أن الشعبَ اليمني استطاع من خلال صموده والحشود المعبرة عن عظيم ارتباطه برسول الله أن يجر العالم نحو نموذج جديد ومغاير من صناعة القوة ووضع اللبنات الأولى لمداميك الصعود القادم من خارج كُـلّ الحسابات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وبالعودة إلى عالمية المشروع المنطلق من عالمية الرسالة التي أنزلها الله رحمة للعالمين، بكل مواصفاتها وتفاصيلها التي قدمت الحلول والمعالجات الإلاهية لكل مشكلات بني البشر، نلمس أنها صنعت ممن يهتم بها ويعمل على حملِها وتقديمها قائداً عالميًّا وشعب أُسطورة هو اليوم من يقودُ الأحداث والمتغيرات ويتحكم بها وبخيوطها وتحريك الأطراف الفاعلة فيها.
أما لو عُدنا إلى تحليلِ وتوصيفِ عظمة الارتباط وقوة العلاقة وشدة التأثير، وزيادة القرب والوضوح الذي تحدثه خطابات قائد الثورة في عقول وأفئدة وقناعات المتابعين له والمعجبين به والملتحقين بسفينته فلم نجد في عالم اليوم شخصا مماثلا له، أَو يستطيع أن يمتلك ذرة مما أودع الله من القدرات الفكرية والتعبيرية والتحليلية وذات النظرة والتخطيط الاستراتيجي في عقل وفكر هذا القائد الذي هز كيان الاحتلال الصهيوني وقيادات الاستخبارات الصهيونية بخطابه الأخير والحشود المليونية المستمعِة له.
كما أنه لا مجالَ للمقارنة والمقاربة بين ما تحظى به شخصيةُ قائد الثورة وما يمكن أن يحظى به أي قائد من زعامات دول العالم اليوم.
فخطابات وتوجيهات وأفكار هذا القائد العظيم خلال ذكرى المولد النبوي الشريف ربطت بين عالمية المواجهة والتصدي للمخطّطات الصهيونية العالمية المهدّدة لحرياتِ الشعوب وإنسانيتها وكرامتها ومقدراتها، وبينَ عالمية المشروع القرآني الذي بُعث به رسولُ الله محمد صلى الله عليه وآله رحمةً للعالمين وإنقاذاً لكل بني البشر من قوى الشر والظلم والطغيان الذي عانت منه البشرية؛ نتيجةَ التزييف والتحريف الذي تعرضت له الكتب السماوية، وما تعرض له الأنبياء والرسل من مؤامرات وقتل على يد اليهود الفجار.
فنحن اليوم نقف أمام شخصية استثنائية، أوجدتها السنن الربانية وفقاً لما تتطلبها المرحلة، ونتيجة طبيعية لتولي قيادات وحكام الأُمَّــة العربية والإسلامية لليهود والنصارى فكان على الله أن يستبدلهم ويقدم للأُمَّـة الإسلامية قائداً أهلاً للتولي، وذا بصيرة ورشاد تمنحُه القدرة على المواجهة والغلبة لما فيه خير لهذه الأُمَّــة ولهذا الدين، وللبشرية برُمَّتها.
وإذا ما تمعنَّا في قراءة طبيعة الحشود المليونية وتوقيتها المتزامن مع الإساءَات الفرنسية لرسول محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ-، فسنجدها الوحيدة من بين مختلف الشعوب المندّدة بتلك الإساءَات، ولفتت أنظار كُـلّ شعوب العالم نحو القبلة الحقيقية للأمة الإسلامية والرسالة المحمدية ولمن هم أهلٌ للدفاع عن خير خلق الله ونُصرته، والقادرون الوحيدون في الذود عن المقدسات والقضايا المركَزية، وأولها القضية المركزية الفلسطينية.
بل لبَّت الحشودُ ومعها خطاباتُ القائد تطلعاتِ شعوبنا العربية والإسلامية أمامَ كُـلّ الاعادي، وهذا يعطي مشروعَنا وقيادتَنا البُعدَ العالمي الذي تستحقُّه ووصلت إليه دون مساعدةِ أيةِ قوة في هذا العالم، وإنما كانت مستمدةً قوتَها وطاقتَها من كتابِ الله والثقافة القرآنية التي أحدثت فارقاً كبيراً على مختلف الأصعدة، كما هي مستمدةٌ من عُمقِ وأصالةِ وقيمِ ومبادئِ شعبِ الأنصار.