انتحارُ الفرعون ترامب
د. يوسف الحاضري*
أهمُّ منتجاتِ فَرْعَنَةِ النفوس تكمُنُ غالبًا في ثلاثة عواملَ رئيسية (ثروة هائلة ومستشارين شياطين وشعوب مغفلة)، عندها يجد الشخصَ أن كُـلّ الظروف مهيأة له ليتجبَّر ويتكبَّرَ عليهم وعلى غيرهم غير أن النهاية الدائمة لهؤلاء هو “الانتحار” فلماذا دائماً ينتحرون؟
عندما يجد الإنسانُ نفسَه محاطاً بكل عوامل التجبر والاستكبار، خَاصَّة ذلك العامل الخطير جِـدًّا الذي يقوم على أيدي الجماهير نفسها التي سيتكبر ويتجبر ويستعلى عليها من قبل من رفعته على ظهورها فَـإنَّ هذا الفرعون بكل نفسياته الخبيثة يسعى دائماً لأن يؤمن به الجميع بأنه الذي لا مثيلَ له ولا شريك له، حاملاً في طيات هذه النفسية نفسية (أنا ربكم الأعلى) وإن لم ينطقها كما نطقها جدهم الأكبر (فرعون)، بيد أن العملَ والإجراءات والتوجّـهات والتوجيهات تعكس هذه النفسية على الواقع، فلا يقبل النصيحة وهو يرى نفسَه الأعلى، ولا يتحمل النقدَ وهو يرى نفسه الأعلى، ولا يتحمل الهزيمة وهو يرى نفسه الأعلى، ولا يقبل أن يُرفَضُ له أمرٌ وهو يرى نفسه الأعلى، فتأتي تصرفاتُه حادةً وقاسية وخبيثة كردة فعل لهذه الأمور تصل غالبًا إلى القتل (وَقَالَ فرعونُ ذروني أقتُلُ موسى)؛ لأَنَّ موسى جاءه بالحق وبالنور غير أن القلوب الاستعلائية ترفُضُ الحق مع عدم قدرتها على الوقوف في وجهه بالحُجّـة القوية فتلجأ فقط للقتل، وهذا أَيْـضاً ما وجدناه في أنظمة الخيانة في الخليج والتي عجزت أمام حق اليمن، فلجأت إلى قتل أبناء اليمن وحصارها وهكذا دأب الباطل والمستكبرين.
كلما زادت إخفاقاتُ هؤلاء المتجبرين المتكبرين أمام الحق وأهله بقلة إمْكَانياتهم وعُدتهم وعدادهم كلما زادت حالةُ الاستكبار النفسي لديهم من منطلقِ عدم استيعابه للنتائج التي ربطها بالماديات والإمْكَانيات، فيستمر في تحَرّكه ضد الحق مستمراً في تضليل الشيطان له من خلال تزيينه لهذا المتعجرف أعماله وإمْكَانياته (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) وبأنه الأعلى والأقوى والأكثر سيطرةً فيتمادى أكثرَ ويزداد في التحَرّك الانتحاري فيدخل في هواجس نفسية محدثاً لها بأنه لا يجب أن يخسر ولا يمكن أن ينكسر، ثم يأتي بعد الشيطان أُولئك الملأ الذين طالما يحيطون به ويستشيرهم فيسعَون لرفع معنوياته بطرق خاطئةٍ من خلال بث روح الخطورة المجتمعية من الانهزام، وماذا سيكون مصيرك في أعينهم عندما تنكسر أمام هذا أَو ذاك وأنت الذي كنتُ للأمس لا غالبَ لك من الناس ولا قرين لك بل لا شريك لك، فتبدأ التخوفاتُ تسيطر عليه، فيصبح هذا الأمر هو أكثرَ الأمور التي تحدّد تحَرّكاته المستقبلية وعندها يصل إلى مرحلة العمى الفكري والقلبي، فلا يعد يستطيع أن يميز الحقيقة عن غيرها وتصبح قراراته متخبطةً وعشوائية حتى تصل إلى القرارات اللاواعية وهذه تعتبر قراراتٍ انتحارية.
عندما لحق فرعونُ بجيوشه موسى وقومَه حاصرهم أمام البحر، ظن فرعون أنه المنتصر فزاد معدَّلُ غروره وتكبره وعجرفته ورجع به التفكير إلى مجتمعه بأنهم سيقدسونه أشدَّ وأكبر مما كانوا يقدسونه وسينسف كُـلّ الانتصارات السابقة التي كانت لموسى عليه في الفترة السابقة، ولكن فجأة انقلبت كُـلّ الموازين والمقاييس التي كان يحسبُها فرعون في تلك اللحظة وخابت كُـلّ الآمال وتلاشى كُـلّ شيءٍ بشق البحر لموسى وقومه، فخرجوا من الحصار أمام عينيه، وعلى الرغم من أن شق البحر لا يمكن أن يكونَ ضمن إمْكَانيات أي بشر مهما كانت الإمْكَانيات، وكان الوضع السليم والسديد لأي إنسان يمتلك قلبا سليما وتفكيرا سديدا في هذا الموقف أن يتوقفَ هنا ويسلم للوضع وأنه خارج عن نطاق سيطرته وتحكمه وقراره، لكن تجبر وتكبر فرعون والحالة النفسية التي وصل إليها وخشيته من أُطروحات وأحاديث مجتمعه ومن حوله والذي رأى أنهم سوف يستنقصونه وتنقص مكانته التي وضعها لنفسه في فكره وتخيلاته وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتنازلَ عنها ولا يمكن أن يسمعَ لكلمة من هذا أَو ذاك تجرح مشاعره التي صنعها هو؛ لذا قرّر الانتحار ولكن بالطريقة التي كانت متوفرة له في تلك اللحظة فرمى بنفسه وبجنوده إلى المهلكة وسط البحر، مصمماً وعازماً على أن يلحق بموسى وهو من أكثر القرارات غباءً وسذاجة في التاريخ لا يساويه قرارٌ في الغباء إلَّا قرار آل سعود دخولهم الحرب ضد اليمن فتساوى الجانبان في الانتحار، فانتحر فرعون وغرق ومن معه كما هو حال آل سعود الغارقين في اليمن.
هذه النفسية الاستعلائية التي تملكت وسيطرت على نفسية آل سعود بأنهم سوف يحسمون الأمرَ في اليمن خلال 7 أَيَّـام أَو شهر بالكثير؛ نظراً لما رأوه هم أنهم يمتلكون قوة ومالاً وَأَيْـضاً يأوون ركنا شديدا وقويا هي أمريكا (حسب توصيفهم ورؤيتهم) تفرعنت مع فشلهم وانكسارهم فوصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم بعد حوالي 2060 يوماً وهي أكثر من المدة التي كانوا يظنونها بحوالي 70 مرة على اعتبارها شهراً، فقادهم ذلك للانتحار؛ خشيةَ الاستنقاص ممن حولهم.
وهذا الوضع ما سيكون عليه ترامب خلال ما سيتبقى له من فترة رئاسته والذي بدأ الجميعُ يستنقصُ منه ويسخر ويشمت وهو الذي وصل إلى مرحلة (الفرعنة) وأنا ربكم الأعلى حتى أنه كان عندما يحلُبُ بقرةً في الخليج كان يهينهم وهو يحلبهم، في وقت أن الإنسان عندما يحلبُ بقرتَهَ يمسحُ على ظهرها ويعلفها كي يزداد إدرارُها حليباً؛ لذا ستجدونه ينتحر بطريقة أَو بأُخرى، إما انتحاراً جماعياً لأمريكا برمتها بالاضطرابات المجتمعية أَو بالحرب الأهلية أَو حرب إقليمية خارجية وإن عجز عن ذلك واستطاع الكونجرس الحدَّ من تصرفاته الانتحارية في ما تبقى من فترة رئاسته فسيلجأ للانتحار الشخصي، فهذه سننُ الله في خلقه وهو من قاد نفسَه إلى هذه الوضعية وستذكرون ما أقول لكم.
* كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية