ترامب يخسر ولا فرق!
أخيرة
سند الصيادي
بدا الرئيسُ الأمريكي السابق، دونالد ترامب، متخبِّطاً في مساعيه المستميتة للفوز بولاية جديدة، قبل أن يصلَ إلى حالة من اليأس وَتذوق مرارة النكران وَالشعور بأنه لم يكن إلَّا مُجَـرّد بروجباندا مرحليةٍ بالإمْكَان التخلي عنها، بل وركلها خارجَ البيت الأبيض بدون أدنى شكر أَو تقدير على جهوده الكبيرة التي بذلها لنيل الرضا وَتجديد الثقة.
لم يكن ترامب الفائزُ في انتخابات 2016 خياراً شعبياً أمريكياً، كما لم يكن ترامب الخاسرُ في انتخابات 2020، وَالحالُ يسري على جو بايدن وَغيره ممن سبقوه وسيلحقونه إلى البيت الأبيض، وَرغم تنوُّع انتماءاتهم وَشخصياتهم وَرؤاهم إلَّا أنها لم تتركْ أثراً أَو تحدث فرقاً في مسار هذه الدولة على امتداد تاريخها السياسي الذي ظل يدار بذات الأجندة وَالنزعات.
وَإذَا ما تأملنا في واقعِ الديمقراطية على الطريقة الأمريكية سنكتشفُ أنها مُجَـرّد مسرحيات محبوكة وَمستنسخة، وَأن المواطنَ الأمريكي هو أقل الكادر أداءً على الخشبة، بل يمكن أن نطلقَ عليه كومبارس هذه المسرح الذي تدور أحداثه وَمشاهدُه خلف الكواليس.
وحقيقةً الشعبُ الأمريكي -الذي يعد أكثرَ الشعوب تنوعاً في عرقياته وَأصوله وَثقافاته- هو شعبٌ مقوَّضُ القرار، غيرُ مسيس وَلا مهتم برسم السياسات الخارجية لإداراته المتعاقبة، وَأقصى ما يمكن أن يدفعَه للاهتمام بنتائج الانتخابات هي برامجُ الضرائب والتأمينات التي يقدمها المرشحون، وَتفاصيل هامشية أُخرى تلهب لديه حالة الحماس التشجيعي التي تصنعها الآلة الإعلامية الصهيونية وَتتقن توجيهها بحسب أمزجة مطابخ القرار الفعلي قبيل كُـلّ دورة انتخابية.
غير أن ترامب كحالةٍ راهنة اعتقد بنزوة رغبته وهوسه بالسلطة التي كانت تعني له الكثير أنه -بالكَــمِّ الكبير من الإنجازات التي حقّقها لمصلحة هذه المطابخ- قد يُمنَحُ الثقة لدورة أُخرى، فقد دخل ملعبَ الانتخابات وفي رصيده صفقةُ القرن فيما يجر خلفه قطيعٌ من النعاج المطبِّعة مع الكيان الصهيوني، ولطالما وعد أولياءَ رئاسته بالمزيد منها ومن الأموال الطائلة، إن تم منحُه فرصةً أُخرى.
لم يكن ترامب يخاطبُ أَو يتطلعُ إلى الشعب الأمريكي في هذا الشأن بطبيعة الحال، بل مَن يملك المفاتيح إلى البيت الأبيض، وَلو كان القرار شعبياً وفق ما تفرضه قناعاتُ الأغلبية، لما كان قرارُ إعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني وَتصفية القضية الفلسطينية وَاستمرار العقوبات على إيران وَالعدوان على اليمن وَغيرها من السياسات والمواقف تمثل دعايةً انتخابيةً يمكن أن يقدمَها مرشحٌ لنيل أصوات شعبٍ أقل مكوناته وأطيافه عدداً هم اليهود الصهاينة.
أما لماذا أسقط ترامب وتم الاستغناءُ عنه رغم كُـلّ هذه الخدمات، يبدو الوقتُ مبكراً على التنبؤ بالإجابات الكاملة، في انتظار ما ستمضي عليه الإدارةُ الجديدة، لكن ثمة معطياتٍ سابقةً ومشهودةً لن تخرجَ من قائمة الأسباب، كالصورة الهمجية لشخصية هذا الرجل وَسيل الحماقات التي ارتكبها وَتداعياتها السلبية على مستقبل ووضعية السياسة الأمريكية وَصانعيها، وارتداداتها على المصالح الأمريكية في العالم وعلى رأسها الشرق الأوسط، بما فيها الفشل الذريع في الدعم والتبني للعدوان على بلدنا عسكريًّا وإنسانيًّا.
ختامًا، لن نجزمَ أن ترامب خرج عن المسار وَاستحقَّ الهزيمة، فهذه الشخصيةُ المثيرةُ للجدل لم يكن وصولُها المفاجئُ للحكم إلَّا حالةً مدروسةً ومنتقاة، بل قد يكون هذا التنصُّلُ عنه انتهاءً لمرحلةٍ كانت ضروريةً أحداثُها، وَبدايةً لفوائدَ صهيو أمريكية متعددة الأبعاد يتم بناؤها بقوالبَ مختلفة على جدار البدايات التي أنجزها، وَعلى أنقاض مشاعره الشخصية المنتكسة والمكلومة لحظة إعلان النتيجة.