اليمن.. كربلاء العصر وعاشوراء الزمان
مجازرُ جماعية وحروب إبادة.. وحصار وحشي وتجويع.. ممارسة القتل الجماعي بحق شعب بأكمله
المسيرة| إبراهيم الهمداني:
لم يتوقف حقدُ الحاقدين وانتقامُ الظالمين من اليمنيين عند حَــدٍّ معلوم، ولم يخل من إجرامهم زمن، ولم يكن من ذنب لليمنيين إلَّا أنهم قالوا ربنا الله، وكفروا بكل ما سواه من الطواغيت والشياطين، وقد بلغوا بذلك مكانة الاصطفاء الإلهي لنصرة دين الله وأنبيائه على مر تاريخ الرسالات السماوية، واستمراراً على نهج الأسلاف من الأنصار، واصل اليمنيون من اليمن مسيرةَ النُّصرة والبذل والعطاء، وحملوا الدين على عاتقهم، ونصروا الإمام علي عليه السلام، الذي جمعتهم به حكاية عشق وصدق إيمان وعطاء، فهو من أسلموا على يديه أفواجاً، بعد أن رجع غيره عنهم خائباً، بينما كان وصولُ الإمام علي عليه السلام عيداً دينياً مقدَّساً بالنسبة لليمنيين، وما زال حتى الآن، وكان وما زال لهم فيه انتماء وصحبة وعلاقات روحية سامية، ومكانتهم لديه رفيعة وعالية؛ ولذلك كانوا أوائل أنصاره، ومعظم جيشه في كُـلّ حروبه، وكانوا كذلك مع الإمام الحسين عليه السلام، وقد سطروا معه في كربلاء أروع البطولات وأقدس التضحيات، وكان الإمام زيد بن علي عليه السلام، هو إرثهم الخاص دون سائر المسلمين، ومذهبهم الذي يعبدون الله على نهجه، ودولتهم التي أقاموها باسمه؛ لذلك كان الحقد الأموي – ومن يمثله – عليهم مضاعفاً، والانتقام منهم مستمراً متواصلاً، لا تراعى فيه حرمة ولا عصمة، حيث تمارس بحقهم أبشع وأقذر الوسائل والأساليب، وأكثرها وحشية وإجراماً.
وها هو اليوم الحقد الأموي – عبر امتداداته وممثليه – يصب على أبناء الشعب اليمني، جام حقده وغضبه، ويمارس بحقهم أبشع أنواع القتل والتدمير والموت الجماعي قصفاً وتجويعاً وحصاراً، ونشراً للأمراض والأوبئة، فيما يعرف بالحرب البيولوجية، وهَـا هو العدوان يرتكب أبشع الجرائم، وأقسى أنواع حروب الإبادة والتطهير العرقي، دون رادع أَو تورع أَو خوف من عقاب أَو مساءلة، ولكن مَـا هو الجرم الذي ارتكبه الشعب اليمني، ليستحق هذا العقاب الوحشي، والتكالب العالمي؟!
جاءت المسيرةُ القرآنية المباركة على يد الشهيد القائد حسين العصر عليه السلام، لتحيي نهج الحسين السبط عليه السلام، وتحيي دعوته، ولأن اليمن كانت وماتزال تحت حكم السفارات وهيمنة الراعي الأمريكي، كانت الحرب ضد الحسين البدر هي القرار الرسمي الذي تم اتِّخاذه على مستويات عليا، وكان الأمر بتصفية السيد الشهيد القائد هو الأولوية الأولى؛ لأَنَّهم يدركون معنى أن يعود نهج الإمام الحسين، ومعنى أن يقول الشهيد القائد للناس: ربكم الله وحده لا شريك له؛ لأَنَّ ذلك كفيل بهدم المشروع الشيطاني الاستيطاني اليهودي الأمريكي، وعادت كربلاء العصر وعادت عاشوراء الزمان، ليتسع نطاقها ويتجاوز حدود المكان الضيق، إلى الوطن بأكمله، ويتسع الزمن من ست حروب إلى الستة أعوام، وما زالت النهاية مفتوحة، فرغم ما مُني به تحالف العدوان الإجرامي من هزائم منكرة، على مدى هذه الأعوام، إلَّا أنه ماضٍ في مكابرته وظلمه وطغيانه.
كثيرةٌ هي المجازرُ الجماعية وحروب الإبادة، التي يمارسها قصف الطيران السعوأمريكي، وكثيرة أَيْـضاً وسائل الحصار الوحشي والتجويع، وممارسة القتل الجماعي بحق شعب بأكمله، في ظل تخاذل المتخاذلين وتواطؤ المتواطئين وتحالف المجرمين المتحالفين.
ليس هناك من سبب حقيقي لهذا العدوان الغاشم وتحالفه الإجرامي العالمي، إلَّا أن الشعب اليمني وقف ضد هيمنة السفارات، وكفر بولاية اليهود والنصارى، وصرخ فيهم قائلاً:- “ربنا الله”، وهيهات منا الذلة والخضوع لكم، فسارعوا إلى إعلان تحالفهم وممارسة إجرامهم وتوحشهم، لإسكات صوت الحرية والكرامة، ولطمس معنى السيادة والاستقلال، ولقتل روح الثورة ضد الظالمين الفاسدين المفسدين، وها هو الشعب اليمني يدفع ثمن حريته وسيادته ومطالبته بحقه في الحرية والاستقلال، كُـلّ يوم كربلاء جديدة، ومذابح متجددة، وقد تكالب عليه الأعداء من الداخل والخارج، وخانه العملاء والمرتزِقة، وأصبح الشعب خارجاً على شرعية يزيد العصر ترامب، وأصبح حكام الخليج يمثلون دور قادة جيش بن زياد، كُـلّ منهم يطمع بقتلنا في جائزة أَو منصب أَو قرابة من الكيان الصهيوني، وبذلك يتجلى التيار الأموي في كُـلّ أبعاده وصوره وتشكلاته، ويظهر التيار الحسيني في الشعب اليمني بكل مظلوميته وثباته وتضحياته لأجل الدين في المقام الأول، والعاقبة للمتقين.
لم تعد كربلاء بالنسبة للشعب اليمني مناسبة دورية سنوية، بل أصبحت مناسبة يومية يعيشها اليمنيون بكل تفاصيلها، ويستلهمون منها الدروس والعبر، ويستمدون الصبر من الإمام الحسين وهو في مقام الاهتداء والاقتداء، في المسئولية والقيادة والتحَرّك بالقرآن، الذي يمثل هوية الأُمَّــة، وقيمتها الحقيقية، ونهجها الدائم، وَطريق فلاحها ونجاحها.
وتحضر زينب العصر في صبرها وثباتها، وهي تعطي الله وتقول:- اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى، وتقول اللهم تقبل منا هذا القربان، وهي تقدم أخيها وابنها وزوجها وأبيها قرابين على مذبح الحرية والكرامة، لله وفي سبيله، وما زال الشعب اليمني بكل فئاته يستلهم من كربلاء الدروس، ويستمد منها القوة، ومن عظمائها الثبات والتضحية، حيث يحضر العباس، ويحضر القادة الميدانيون، في مقدمة الصفوف، ليسلكوا درب الشهادة أولاً، ويحضر عبدالله الرضيع، ابن الإمام الحسين، في كُـلّ أطفال اليمن، الذين استهدفهم طيران العدوان بكل حقد وخبث وقبح.
لم يبلغ الطغاة المجرمون المحتلّون المعتدون غايتهم، فقد انكسرت قواتهم، وتلاشى جبروتهم، أمام صمود هذا الشعب العظيم، الذي لم يبخل بجليل التضحيات في سبيل الله، وفي سبيل نيل حريته وكرامته وعزته، التي ارتضاها الله تعالى له، وفطره عليها، ويمكن القول إن بطولة واستبسال وتضحيات أبناء اليمن، بوقوفهم ضد تحالف العدوان، قد جعل شعوب العالم تتوقف متسائلة:- ما الذي يجري في اليمن، ولماذا عجزت أقوى ترسانات الأسلحة، وأعتى التحالفات العسكرية، أمام هؤلاء القلة القليلة، الذين ما لبثوا يجترحون الانتصارات العظيمة، ويوجهون الضربات الموجعة لأعدائهم على كافة الجبهات، ومثلما أثمرت بطولات وتضحيات كربلاء الطف، هَـا هي تضحيات وبطولات كربلاء اليمن تثمر في حفظ الدين الإسلامي، من تحريف وتزييف نظام آل سعود، الذي يدعي خدمة الدين والحرمين الشريفين، ومن تزييف معاني ومفاهيم الدين، الذي تبثه الجماعات الخيرية الإماراتية، التي تعمل لحساب اليهود والصهاينة، وهَـا هي أقنعتهم تسقط، ومخطّطاتهم تتضح، بفضل صمود وصبر شعب لم يرض عن كرامته بديلا، ولا عن دينه تحويلا، ولم يسع حكام آل سعود وحكام الإمارات، إلا إعلان حقيقتهم، والمجاهرة بالتطبيع مع اليهود الصهاينة، والتفاخر بالارتماء في أحضانهم، وتنفيذ مخطّطاتهم، ضد الإسلام والمسلمين، وليس التفريط بفلسطين فقط، ولم يتوقف الأمر عند السعودية والإمارات، فالسقوط في مستنقع التطبيع وشيك وحتمي، لكل من انحرف عن خط ولاية الله ورسوله والذين آمنوا، وسوَّغ مفاهيم الانحراف والتضليل، التي هدمت الدين باسم الدين، ومن لم يعلن سقوطه علنا، فقط سقط مسبقًا من تحت الطاولة، وسيعلن سقوطه يوماً ما لا محالة، طمعا في نيل رضا الصهاينة، الذين تولاهم وارتضى التسليم المطلق لهم.
نعم.. نال تحالف العدوان من شعبنا اليمني نيلا كَبيراً، ولكن شعبنا في المقابل ربح دينه وحريته وكرامته، وتعلم كيف يصمد وكيف يسعى للاكتفاء، ويتحرّر من الهيمنة الاقتصادية، والتبعية السياسية… تعلم كيف ينتصر بتضحياته، وكيف يصنع بجهده الذاتي ما يواجه به عدوه، وكيف يعتمد على نفسه، ويخط بطولاته بمفرده، ويحقّق انتصاره النهائي مستعينا بربه، مؤمنا أن النصر من عند الله لا سواه، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز.