الانتخابات الأمريكية وتغطية الإعلام العربي
سند الصيادي
منذ بداية الحملات الانتخابية وحتى يوم الاقتراع وإلى يوم إعلانِ النتائج النهائية، ومعظمُ القنوات الفضائية العربية قد أفردت ساعاتِ بثها اليومي؛ لتغطية الانتخابات الأمريكية، وَبشكلٍ يكشفُ لدى العامة عن هُوية تلك القنوات وَما إذَا كانت كلها أمريكية، غير أنها ناطقةٌ بالعربية وموجَّهة للشارع العربي.
هذه التغطيةُ الموسَّعةُ والمتنوعة توحي أَيْـضاً للمتابع مدى المساعي الحثيثة لتضخيمِ وَرفع مستوى أهميّة هذا الحدث الذي تريدُ هذه الوسائل الإعلامية أن تفرضَه على الرأي العام العربي، وَالذي يفوقُ كُـلَّ القضايا الداخلية التي يجبُ أن تسلط عليها الأضواء.
والحقيقةُ هي تبعيةُ هذه الشاشات للمنظومة الصهيوأمريكية، حتى وإن تعامل معها الشارع كقنوات محسوبة على أقطار عربية وَلها أهدافٌ تنسجم مع سياسة وَمواقف مموليها من الأنظمة التي تتبعها، لكن تغطيتها المبالَغ فيها لهذا الحدث تكشفُ مستوى ما وصلت إليه من ابتذال إعلامي تفوق في مستواه على قنوات ووسائل الإعلام الأمريكية، ولعل ما نلمسه إعلامياً هو نتاج أصلاً لمستوى الارتهان السياسي الذي وصلت إليه أنظمة تلك البلدان.
ولنا أن نسأل تلك القنوات عن ما هو التغييرُ الكبيرُ الذي يمكن أن ينعكسَ على الشارع العربي في حالة أن فاز هذا المرشَّح على منافسه، وَإذَا كانت هذه الوسائلُ تحترمُ جمهورَها المحلي وَالعربي الذي لطالما ادّعت تمثيلَه، فلماذا لا تتعاطى تلك القنوات مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية بقناعات هذا الجمهور، القناعات المتراكمة والمعروفة من أن لا فرقَ يمكنُ أن ينعكسَ على واقعنا العربي بين فوز مرشحٍ جمهوريٍّ أَو ديمقراطي، فالنتائجُ واحدةٌ وَكلها تكرَّس لخدمة الكيان الصهيوني الغاصب للأرض والمقدسات، كما تصب جميعها في المزيد من الابتزاز وَالنهب والسيطرة على ثروات ومقدرات وَقرار الشعوب المستضعَفة وَعلى رأسها الشعوب العربية بدونِ أيِّ منافس.
والحاصلُ للمتابِع أنه لم يتطرق أحدٌ من طابور المحللين والخبراء الذين تستضيفهم تلك القنوات إلى أن الأهداف والأجندة الأمريكية ثابتة وَالآليات فقط هي المتغيرة، وَلا إلى حقيقة الديمقراطية الأمريكية وَما يقف وراء كواليسها من فوز أحد المرشحين عن منافسه، وبأن هذه الانتخابات ونتائجها لا تعكسُ مواقفَ أَو قناعات الشارع الأمريكي، بل بما تفرضه أمزجة الأوصياء عليه من لوبيات الصهيونية العالمية.
وإذا كان لهذه القنوات جمهورٌ يتأثر برسالتها الإعلامية فَـإنَّنا في الشارع اليمني وبعد أن عايشنا السياساتِ الأمريكية المتعاقبة معنيون قبل أن نوجه اهتمامنا لهذه النتائج في أن نعودَ بالذاكرة إلى الوراء لنقرأ الفرقَ الذي لمسناه بين فترة أوباما وَترامب، حتى نتوقعه أن يحدث بين ترامب وَبايدن.
وحدَها قنواتُ ووسائل إعلام محور المقاومة مَن انطلقت في تغطيتها للانتخابات الأمريكية من احترام لمهنيتها وَجمهورها، وَمن واقع ما هي عليه هذه الدولة العدائية لقضايا الأُمَّــة وما يمكن أن تمثلَه هذه الانتخابات بالحدِّ الأقصى من تغيير في المسارات العملية على كُـلّ الأزمات العالقة.
وحدَها من أرادت القول إن ترامب وبايدن مُجَـرّد بيادقَ مرحلية في رقعة شطرنج يقفُ على طرفيها لاعبٌ وحيدٌ هي المنظومة الصهيونية الرأسمالية التي يتلبسها الشيطانُ ومشاريعُه الخبيثة، وإن واقعنا العربي والإسلامي يجب أن لا ينشغل بضوضاء هذه المسرحيات أَو يأمل منها فرقاً، بقدر ما هو معنيٌّ بالتحَرّك لنصرة قضاياه وَلانتشال وجوده من حالة العدمية التي يفرضُها عليه الصهيوني والأمريكي وَتضطلعُ بتنفيذها أنظمةٌ وَكياناتٌ محسوبة علينا، غير أنها تنصلت من كُـلِّ القيم وَتجردت من كُـلّ كرامة.
في الختام نؤكّـدُ على أن المنهجية الإعلامية لهذه القنوات هي انعكاسٌ لسياسات الأنظمة التي تقفُ خلفها، كما هي أقوى الدلائل على طبيعة علاقة هذه الأنظمة مع صُناع القرار في أمريكا، وهي علاقةٌ لا ترقى إلى الحد الأدنى من الاحترام، ولا تحكُمُها مواثيقُ ولوائحُ، ويمكن تصنيفُها كأدواتٍ تابعةٍ وَمطوعة توظف مرحلياً دون ضمانات ولا عقود، إنها بكل وضوح عبوديةُ القرون الغابرة في أمريكا بإصدارات محدثة.
وسواءً فاز ترامب أَو بايدن في انتخابات تمثل أكبرَ عمليات التزوير للقناعات الشعبيّة كما وصفها المرشدُ الأعلى للثورة الإسلامية، فَـإنَّ رائحةَ النفط الخليجي تنفذ إلى أنوف الجمهوريين والديمقراطيين بذات النشوة، وإن اختلفت آلياتُ التحصيل بين الحزبين لهذه الثروات، كما أن الكيانَ الصهيوني لا يساورُه في هذا المعترك أيُّ قلق وَيقفُ على الحياد، طالما والحزبان ومرشحاهما ينسجمان حَــدَّ التطابق في تقديم قرابين الولاء للكيان الصهيوني ولدولته المزعومة.