الديمقراطية الفرنسية.. تجارب نووية وعسكرية وبيولوجية تبيد ملايين البشر الجزائريين
المسيرة | عباس القاعدي
فرنسا المفلسة مالياً نهبت خزينة الجزائر وسرقت ما يزيد عن 43 مليون فرنك من الذهب والفضة
17 تجربة نووية في الجزائر نشرت أمراض السرطان وفقدان البصر والإجهاض والعقم والنزيف الدموي والتشوهات
تجارب بيولوجية قتلت نحو نصف مليون إنسان وأُخرى عسكرية قتلت مئات الآلاف من الأطفال والنساء
حوّل الاحتلال الفرنسي المؤسّسات التعليمية والدينية إلى كنائس وإسطبلات وثكنات وجهّل الشعب الجزائري لاضطهاده
سعى الاحتلال لإنهاء وجود اللغة العربية وإحراق كُـلّ المصاحف والموروثات الدينية لاحتلال الجزائريين فكرياً
تلذذ الاحتلال بشن الحملات الإجرامية بين الفينة والأُخرى لإبادة قرى بأكملها وقبائل بكل أبنائها
حملات نهب الأراضي الخَاصَّة بالجزائريين جعلت الدماء تسقي الأرض
جمع الاحتلال 1500 رجل من سكان “سكيكدة” وقتلهم ودفنهم جماعياً في خندق واحد
عرض جانب من جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر: ما لم يفعله رمسيس الثاني وفعله المستعمر الدموي الإجرامي:
قتل ملايين الأطفال والنساء والرجال والشيوخ في جرائم كان المستعمر يتلذذ بارتكابها
إنَّ مجازرَ وجرائمَ فرنسا تعتبر شاهداً تاريخياً هو الأبشع والأكثر دموية في تاريخ الأُمَّــة الإسلامية، فبلد المليون شهيد لا يزال يخبئ في صفحات تاريخِه مجازرَ الاستعمار الفرنسي الذي أراد من خلالها تدشين مشروع طمس الإسلام وإنهاء وجوده، غير أنه فشل في أول بلدٍ وهب الحريةَ والثورة والاستقلال ثلثَ أبنائه، على الرغم من وحشية المستعمر وبشاعة انتهاكاته.
ولهذا يعتبر احتلال فرنسا للجزائر أطولَ احتلال غربي لبلدٍ عربي، حَيثُ استمر أكثر من 130 سنة وذلك من عام 1830م وحتى عام 1962م. من خلال ذلك الاحتلال يتضح جليًّا أن الغزو الفرنسي للجزائر والذي بدأ منتصف يونيو 1830م، كان غرضُه القضاءَ على الدين الإسلامي وسلب أموال المسلمين وأرواحهم، فإلى جانب المليون شهيد سقطوا بآلة الحرب الفرنسية عمل الاستعمار على تغيير لغة البلد العربية إلى الفرنسية وحوّل المساجد إلى كنائسَ وكاتدرائيات، وقامت فرنسا المفلسة مالياً بنهب خزينة الجزائر، وسرقت ما يزيد عن 43 مليون فرنك من الذهب والفضة، إضافة إلى المبالغ التي اختفت وتلك التي أنفقت على جيش الاحتلال. وإلى جانب تلك الأسباب كان لشخصية الجزائر الدولية وهيبتِها العالمية قبل سنة 1830م أثرٌ في الحقد الذي تعرضت له من المستعمر.
وعندما احتلت فرنسا الجزائر، قام الجنرال “الدوق دو روفيغو” بتحويلِ جامع “كيتشاوة” إلى إسطبل، وأخرج المصاحف وأحرقها، وتم تحويل الجامع إلى كاتدرائية عام 1832م، كما قام بقتل آلاف المصلين الذين اعتصموا في المسجد؛ احتجاجاً على تحويل المسجد إلى كنيسة. ويكفينا أن نعلم أن الجزائر ما زالت تُعرف إلى يومنا هذا ببلد المليون شهيد جراء ما فعلته فرنسا في الجزائر، والحقائق تقول إن عدد الشهداء أضعاف ذلك بكثير.
مجازر الإبادة الجماعية:
من الشواهد التاريخية على بشاعة الاستعمار الفرنسي للجزائر جريمة “قبيلة العوفية” (ضواحي مدينة الأربعاء بالبليدة)، في أبريل 1832م، عندما أبادت قوات الاحتلال سكان القبيلة بشكل كلي وعددهم 1200 جزائري، إلى جانب جريمة “غار الفراشيش أَو الفراشيح” (بجبال الظهرة)، في 20 يونيو 1845م، التي تمثلت في إبادة وحرق أبناء قبيلة أولاد رياح (على بُعد 80 كيلومتراً من مدينة مستغانم) داخل مغارة بعد أن حاصرهم المستعمر، وانتهى الحصار بتفجير المغارة مخلفاً ما يربو عن ألفِ شهيد من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال.
لكن الثامن من مايو 1945م، سجّل أكبر مجزرة في تاريخ البشرية على أيدي الفرنسيين. كان ذلك بالتزامن مع انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، التي قدم فيها الاستعمار أبناء الجزائر كباشَ فداء في محاربة الألمان بقيادة أدولف هتلر؛ للدفاع عن فرنسا التي يحتلها جيش الفوهرر، بينما تحتل هي الجزائر.
وعند انتهاء الحرب خرج مئات الآلاف من الجزائريين، في 8 مايو للاحتفال، ولمطالبة فرنسا بالوفاء بوعدها بمنحهم الاستقلال، لكن قوات الاستعمار استخدمت الرصاص الحي، وقتلت بين 45 ألفاً إلى 70 ألفاً من المتظاهرين العزل خلال يوم واحد.
وفي ديسمبر عام 1960م، عاد الشعبُ الجزائري مطالِباً بحقه في الاستفلال بمظاهرة سلمية على مرأى ومسمع من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن الفرنسيين باشروا بالاعتداء عليهم فأحصت جبهةُ التحرير الوطني وحدَها ما يربو عن 800 شهيد، بينما اعتُقل أكثر من 1000 جزائري، بينما تعرض السكان وهم يدفنون شهداء الانتفاضة للقتل من قبل الحملة الفرنسية، إلى جانب ذلك تذكر الشهادات الحية التي أرّخت لتلك المظاهرات، أن الجيش الفرنسي قام بدفن الجرحى وهم أحياءٌ في مقابرَ جماعية، واقترف في العام عينه مجزرة أُخرى في حق المهاجرين الجزائريين بتاريخ 17 أُكتوبر 1962، حَيثُ رُمي بالمتظاهرين أحياناً في نهر السين.
تجارب نووية وتجهيل لاضطهاد الشعب الجزائري:
بدأت فرنسا تجاربها النووية الأولى في الصحراء الجزائرية في 13 فبراير 1960، التي عُرفت باسم “اليربوع الأزرق” في حمودية بمنطقة رقان، التي وقع عليها اختيار الإدارة الفرنسية لجعلها موطناً لتلك التجارب التي يصل عددها 17 تجربة نووية منذ جوان 1957، بإنشائهم للمركز الصحراوي للتجارب النووية العسكرية، ليعقبها سلسلة تفجيرات سطحية وباطنية متتالية بين سنتي 1960 و1962م، كان من نتائجها انتشارُ الأمراض الخطيرة كالسرطان، وأمراض العيون وفقدان البصر، إلى جانب حالات الإجهاض والعقم وحدوث النزيف الدموي، بالنسبة للنساء وحتى الحيوانات، وارتفاع الوفيات بين الأطفال حديثي الولادة.
وخلفت إشعاعاتٌ نوويةٌ في المنطقة وما يحيط بها، التشوهات الخلقية التي لن تزول إلا بعد آلاف السنين حسب المختصين، كما أعقب تلك الفترة انتشار الطاعون الذي قتل نصفَ مليون جزائري. كان غرض فرنسا من ذلك مواكبة التطور العلمي في التصنيع العسكري، حَيثُ تم استخدام المدنيين والأسرى من مجاهدي جبهة التحرير الوطني لإجراء هذه التجارب لمعرفة أثر التجارب النووية على صحة الإنسان، رغم معارَضة كُـلّ هذه الإجراءات للمواثيق الدولية، حَيثُ تنص اتّفاقية جنيف لقانون الأسرى أنه “لا يجب تعريضُ صحة الأسرى للخطر كما لا يجب استعمالُهم لإجراء تجاربَ طبية وعلمية”.
وفي الوقت ذاته، قام الاحتلال الفرنسي بتحويل المؤسّسات التعليمية خَاصَّة الدينية، منها (من مساجد – كتاتيب – زوايا) إلى كنائس واسطبلات وثكنات، إذ كان عدد المؤسّسات قبيل الاحتلال تتجاوز 176 مؤسّسة في مدينة الجزائر وحدَها مع بداية الاحتلال ولم يبق منها سوى خمس مؤسّسات فقط سنة 1899م، رغم أن كاتباً هولندياً أحصى عددها في الجزائر بـ 700 مؤسّسة دينية خلال القرن 17 تم تحويلها أَو تدميرها من قبل الاحتلال، وتناسب ذلك طردياً مع ارتفاع نسبة الأُمية، ففي بداية الاحتلال لم تكن نسبتها تتجاوز 6 % فقط على أقصى تقدير، أوصلتها فرنسا الاستعمارية قبيل الاستقلال إلى نسبة 96 % نستدل في ذلك بالإحصائيات التالية:
عدد التلاميذ الجزائريين في المدارس الابتدائية الفرنسية بلغ سنة 1880 حوالي 1150 تلميذاً فقط، أي ما يعادل 1% من عدد الأطفال الجزائريين الذين بلغوا سن التمدرس، ولم تتعدَّ أقصى حَــدٍّ لها الـ 15.4% فقط سنة 1954، أي ما يعادل 307 آلاف تلميذ، في حين وصل عدد السكان إلى حدود الـ 10 ملايين نسمة تقريبًا 10.
أما على مستوى التعليم العالي، ففي سنة 1884 بلغ عدد الطلبة الجزائريين في المدارس العليا (الجامعة) بالجزائر (6) طلبة فقط، ليرتفع الرقم إلى 25 طالبا سنة 1910، وإلى 142 سنة 1941، وُصُـولاً إلى 513 طالباً في الموسم الجامعي 1953–1954، وهي نسبة تعادل طالبا واحدا جزائريا لكل 227 طالبا أُورُوبياً.
وإذا ما قارنا الإحصائياتِ التي أوردناها بما أنجزته الجزائر في ظرف 13 سنة فقط من عُمر الاستقلال، لتبين لنا حجمُ الجريمة المرتكبة من قبل الاستعمار في هذا المجال، فعدد الطلبة المتخرجين من معاهد الجامعات الجزائرية آنذاك (الجزائر– قسنطينة – وهران)، بلغ سنة 1975 حوالي 3046 طالباً وَطالبة، وارتفع العدد بعد سنتين إلى 5410 طلاب، وُصُـولاً إلى عتبة المليون والسبعمِئة طالب اليوم.
هذا كله نأخذه على أَسَاس جرائم ارتبطت بالذات المعنوية للفرد الجزائري، أما الجرائم المرتكبة مادياً فيندى لها الجبين، وتبقى وصمةَ عار ولعنةً تلاحقهم إلى أن يعترفوا بما اقترفوه في حق هذا الشعب الأبي.
الأسلاكُ الشائكة وانتزاعُ الملكيات:
عمل الفرنسيون على إنشاء ما أسموها بـ “مملكة البؤس”، والتي ذكرها ووصفها المؤرخ الفرنسي “جاك مادول” بقوله: “إذ غضضنا النظرَ عن المحلات الفاخرة، وعن القرى النظيفة والأنيقة وعن الطرق المعيدة، والمزارع المزدهرة، أحسسنا أننا نخطو أولَ خطوة نحو مملكة البؤس”، بينما صرّح الجنرال الفرنسي “بيجو”، صاحب سياسة الأرض المحروقة في الجزائر، في العشرية الأولى لبداية الاحتلال بقوله: “إن نزع ملكيات الجزائريين، هو الشرط الأول الذي لا مفرّ منه لتثبيتِ أقدامنا في أرض الجزائر”. لقد عمد الاستعمار إلى نهب أراضي المزارعين وحوّلهم إلى إجراء يعملون معه بالأجر اليومي، وصادر من أراضي الجزائريين ما بين 1840– 1950م، حوالي 2.7 مليون هكتار.
كما عمل على إنشاء خط موريس أواخرَ سنة 1956، وخط شال سنة 1958، وكلاهما عبارةٌ عن حقل ألغام محصور بالأسلاك الشائكة المكهربة بقوة 5000 و6000 فولت، بعرض 6 إلى 12م وحتى 60 متراً في بعض المناطق، وعلى امتداد يتراوح بين 400 و700 كلم، وبعرض يتراوح بين 30 و50 كلم. وقدرت عدد الألغام المضادة للأشخاص التي زرعت حوالي 11 مليون لغم، لا تزال ثلاثة ملايين منها مزروعة حتى اليوم؛ نظراً لتماطل السلطات الفرنسية في تزويد الجزائر بالخرائط المحدّدة لأماكن زرعها، متنكرة في ذلك للاتّفاقيات الدولية ذات الصلة.
وإضافة إلى ذلك، سجل المؤرخ الدكتور أبو القاسم سعد الله في كتابه “الحركة الوطنية”، وذكر حمدان خوجة في مذكراته، ما ارتكبه الفرنسيون من انتهاك بحق المقابر، إذ عملوا على نبش المقابر وتهريبِ عظام الموتى المسلمين من الجزائر إلى فرنسا، لاستخدامها في إنتاج فحم العظام، وتبيض السكر، وهو ما أثبتته التقارير الطبية لأطباء فرنسيين.
جماجم في متحف:
أنشأت فرنسا “متحفَ الإنسان” في العاصمة باريس عام 1937م، والذي يعد وصمة عار في تاريخ الإنسانية، حَيثُ يحتفظ المتحف بآلاف الجماجم البشرية التي تصل إلى نحو 18 ألف جُمجمة!!، ومن المثير للدهشة أن هذه الجماجم محفوظة في علب كرتونية تشبه عُلَبَ محلات الأحذية!!.
ومن بين هذه الآلاف من الجماجم تم التعرفُ على أصحاب 500 جمجمة فقط، وبين الجماجم التي تم التعرف على أصحابها 36 قائداً من قادة المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، حَيثُ تم قتل هؤلاء القادة على يد قوات الاحتلال الفرنسي في الجزائر وقامت قوات الاحتلال الفرنسي بقطع رؤوسهم ليرهبوا بها المدنيين، ولإرسال هذه الجماجم إلى فرنسا كغنائمَ عسكرية، ولتكون دليلاً على انتصار القوات الفرنسية.
ومن بين الجماجم التي يحتفظ بها المتحف جُمجُمةُ “سليمان الحلبي”، الطالب الأزهري السوري الذى قتل جنرالهم “كليبر” قائد الحملة الفرنسية على مصر، ومكتوب تحت الجمجمة كلمة (مجرم) بالفرنسية.
مجازر8 مايو 1945:
الجريمة البشعة التي تزامنت مع احتفال العالم في 8 مايو 1945، بالانتصار على النازية والفاشية؛ إيذاناً بانتهاء الحرب العالمية الثانية، التي شارك فيها الجزائريون المجندون إجبارياً في حربٍ لا ناقة فيها ولا جمل، كما ساهموا حتماً في دعم المجهود الحربي لفرنسا والعالم في هذه الحرب، إما بالعمل في المصانع الحربية، أَو استغلال خيرات الجزائر المادية من مواد أولية صناعية وزراعية على غرار الحديد والفحم والحبوب… إلخ.
لم يشفع للجزائريين ذلك أمام الآلة الجهنمية الفرنسية، التي ذاق شعبُها مرارةَ الاحتلال حين استولى الألمان على أرضِهم سنة 1940، مدنسين كبرياءَهم بدخولهم العاصمة باريس في استعراض عسكري مهيب، استدعى تعبئة مقاومتهم الوطنية التي قادها ديغول من منفاه في بريطانيا ثم الجزائر خلال الفترة الممتدة ما بين 1940-1944 كُـلَّ طاقتها لتحرير أرضهم، ليتناقض هؤلاء مع المنطق الذي يفرض عليهم أخذ العبر من التاريخ، من خلال إحساسهم بمرارة الاحتلال، لترتكب فرنسا في حق الجزائريين أبشعَ جرائم القرن العشرين في حق الأبرياء العُزَّل، الذين خرجوا في ذات اليوم للتعبير عن فرحتهم بالحدث، شأنُهم شأنُ سكان العالم كلهم، رافعين شعارات تدعو إلى إنصافهم حقوقهم، استناداً إلى المواثيق والمبادئ الجديدة الصادرة أثناء الحرب العالمية الثانية، ومنها ميثاق الأطلسي 14 أُغُسْطُسَ 1941، الذي نصّت المادة السادسة منه، على أمل الرئيس الأمريكي روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني تشرشل، في إقامة سلام دائم يوفر لجميع الشعوب حق العيش داخل حدودها، وتأمين حياة كُـلّ فرد في أي أرض منها، فيما اصطلح على وصفه: بـ”حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها”.
وهنا نفكِّكُ ما جرى في الجزائر طيلة الفترة الممتدة ما بين 8-16 مايو، بالاستناد إلى تقرير نشرته المجلة الأمريكية ” ستارز أند رستر برس” Stars and Raster Press عن الأحداث بتاريخ 28 مايو 1945 وجاء فيه: ”إن قاذفات القنابل الفرنسية قد حطّمت قرىً بكاملها، نفذ الطيارون الفرنسيون ثلاثمِئة طلعة في يوم واحد، مستعملين القاذفاتِ الأمريكية المتوسطة والثقيلة، حتى سويت الأرض بعدد من القرى والدواوير، ثم طارت الطائرات البريطانية الصنع خلف القاذفات الأمريكية لتسحق السكان الهاربين من المنازل التي تحطمت، وترمي بالقنابل على مخابئ الأهالي في الجبال”.
ومن أبشع الصور التي تنُمُّ عن حقد الفرنسيين الدفين اتّجاه كُـلّ ما هو جزائري، وفي انتهاك فاضح لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تبنتها الأمم المتحدة في الحرب العالمية الثانية، ومنها انتقاد المحـرقة النازية، استنساخ الفرنسيين مثيل ذلك في الجزائر، فهذا القائد الفرنسي أشياري Achiari يأمر بقتل سبعين فرداً من الكشافة الإسلامية، سبعة منهم قذف بهم في فرن عالي الحرارة.
وفي منظر آخر، جمع اللفيفَ الأجنبي والطابور الخامس من المرتزِقة والمجندين في الجيش الفرنسي، وقاموا بتمرير دباباتهم على جمع من المساجين الجزائريين وهم مقيدين بالسلاسل.
ولا زالت الشواهد ماثلة إلى يومنا هذا، على همجية المحتلّ الذي مارس سياسة الاستعباد والإبادة، مجندا فيها قواته البرية والبحرية والجوية، لدكّ ما صادفتها من قرى ومداشر في كُـلّ من: “جسر العواذر”، “مضائق خراطة”، “شعبة الآخرة”، “كاف البومبا”، “هيليوبوليس”، بسطيف وقالمة وخراطة وغيرها، وام تكتف الإدارة الاستعمارية بنتائج تلك المجزرة الوحشية، فقامت بحلّ الحركات والأحزاب السياسية، وإعلان الأحكام العرفية في كافة البلاد، إلى جانب إلقاء القبض على آلاف المواطنين وإيداعهم السجون؛ بذريعةِ أنهم ينتمون لمنظمات محظورة، وأنهم خارجون عن القانون، إضافة إلى ما أعقبها من محاكمات والتي أصدرت أحكاما بالإعدام والسجن المؤبد والنفي خارج الوطن، والحرمان قسم آخر من حقوقهم المدنية والسياسية، وكذا آلاف المصابين نفسيا وعقليا، نتيجة عملية القمع والتعذيب والمطاردة.
اختلفت التقاريرُ التقديرية لعدد القتلى والجرحى الناتجة عن هذه المجازر، فوزير الداخلية الفرنسي، ذكر في تقريره له: إن المظاهرات نتج عنها مقتل 88 فرنسياً، و150 جريحاً، أما من الجانب الجزائري فتراوحت الخسائر البشرية بين الـ 1200 إلى 1500 شهيد.
في حين أن التقديرات الجزائرية والأجنبية من غير الفرنسية خَاصَّة البريطانية والأمريكية فقدرتها ما بين الـ45 ألفاً إلى 70 ألف شهيد. ويضاف إليها حوالي 200 ألف بين قتيل وجريح ومختل عقلياً، من المجندين بشكل مباشر أَو غير مباشر أثناء الحرب العالمية الثانية، لإنقاذ فرنسا من الاحتلال النازي لها.
ومن أكبر المآسي التي تعرض لها الجزائريون عام 1955م هي تلك المأساة التي عاشها سكان “سكيكدة”، حَيثُ قام الفرنسيون بجمع عدد من الرجال يقدر بـ1500 جزائري بملعب مدينة “سكيكدة” ثم تم قتلهم ودفنهم جماعياً في خنادق تم حفرها بواسطة جرافات في الملعب.
وفي قرية “الزفزاف” الواقعة جنوب غرب “سكيكدة”، قام الفرنسيون بحملة شرسة ضد الجزائريين في 20 أغسطُس 1955م، قَتل في هذه الحملة الرجال والنساء والأطفال والشيوخ وتم إضرامُ النار في البيوت والأكواخ وحظائر الحيوانات إلى أن تم تخريبُ القرية عن آخرها.
إن الإجرامَ الفرنسي في الجزائر قد تخطى كُـلَّ الحدود عندما قام الفرنسيون بإذابة أجساد رُموز المقاومة الجزائرية وهم أحياء، مثل الشيخ العربيّ التبسيّ الأمين العامّ لجمعية العلماء المسلمين الجزائريِّين الذي أُذِيبَ جسدُهُ الطاهرُ في قِدْرٍ مليءٍ بالأسفلت المغليٍّ وذلك عام 1957م.
ومن أبشع الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر قيامُها بالتفجيرات العسكرية والعلمية ومدفن النفايات النووية في الصحراء الجزائرية.
ويستمر الإجرام الفرنسي:
في حق متظاهري 11 ديسمبر1960، فرغمَ أن المظاهرات كانت سلميةً، تطالبُ بحق الشعب الجزائري في استقلاله، على مرأى ومسمع من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة وهم يعقدون دورتَهم العادية سنة 1960، وَنوقشت القضية الجزائرية، بمنح الجزائريين حقهم في تقرير المصير عاجلاً، إلا أن فرنسا ارتكبت جرائم يندى لها الجبين في مثل هذا اليوم، فحسب إحصائيات جبهة التحرير الوطني، بلغ عدد شهداء هذه الانتفاضة ما يربو عن الـ800 شخص، واعتقال أكثر من 1000 آخر، كما أن السكان وهم يدفنون شهداء المظاهرات في مقبرة القطّار بالعاصمة، داهمتهم القوات الاستعمارية فقتلت الكثير منهم، فحفروا بذلك قبورهم بأنفسهم.
وتذكر الشهاداتُ الحيةُ التي أرخت لتلك المظاهرات، أن الجيشَ الفرنسي قام بدفن الجرحى وهم أحياء في مقابرَ جماعية، وأرفقت في العام بمجزرة أُخرى ارتكبت في حق المهاجرين الجزائريين بتاريخ 17 أُكتوبر 1962، حَيثُ رُمي بالمتظاهرين أحياناً في نهر السين La Seine بباريس.
كما ارتكبت حركةُ الجيش السري (O. A. S) ابتداءً من تاريخ تأسيسها في فيفري 1962 جرائمَ تعددت بين تقتيل جماعي، تفجيرات عشوائية، تخريب للممتلكات… إلخ، على غرار تفجير مكتبة جامعة الجزائر وحرق محتوياتها باستخدام ثلاث قنابل فسفورية في عام 1962م، والتي كانت تحتوي على أثمنِ الذخائر العلمية، إذ بلغ رصيدها البيبليوغرافي آنذاك ما يربو عن الـ 600 كتاب، حَيثُ أُتلف منها؛ بفعل هذا الحريق أكثرُ من 300 ألف، وتنوعت بين المخطوطات والكتب المطبوعة والمجلات والجرائد والدوريات، إضافة إلى التصفية الجسَدية للكُتاب والمفكرين، أمثال الكاتب مولود فرعون في مارس من العام ذاته.
هذا هو الوجهُ الحقيقي لسياسة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، والذي تنوعت أساليبُه، وأشكال تنكيله بالشعب الجزائري ومقوماته الوطنية، في مقابل الإرادَة الصلبة للذين دافعوا عن سيادة الجزائر واستقلالها عبر مختلف الأجيال، فتمكّنوا من الدفاع عن حقوق شعبهم، واسترجاع حقوقه المهضومة، فكانت الوحدة الوطنية القوة الضاربة فيه، والتي سمحت بتماسكه طيلةَ الفترة الاستعمارية التي دامت قرناً وربعَ قرن من الزمن، إذ راهنت فيها جميعُ الأنظمة والحكوماتُ الفرنسية على تفكيك أواصرها، في إطار سياسة فرّق تسُد، وكانت النتيجة النهائية ملحمةَ الفاتح نوفمبر1954 التي واجهت رابعَ قوة عسكرية في العالم آنذاك، وتتويج تلك التضحيات بتخلُّص الجزائر نهائياً من نَيْرِ الاستعمار، وستبقى عملياتُ الإبادة المذكورة أعلاه منقوشةً في السجل الأسود للاستعمار الفرنسي في الجزائر، لا تُمحى، لا بالتقادم، ولا بالنسيان، ولا بتعاقب الأجيال.