“قدس 2” يدشـن “التصعيد الجديد”: الردع اليمني متجاوزاً الواجهة “العربية” للعدوان

دك محطة لأرامكو في “جدة” بالتزامن مع لقاء بين “نتنياهو” و “بومبيو” و “ابن سلمان” في المملكة

المسيرة | ضرار الطيب

هزَّت القواتُ المسلحةُ نظام العدوان السعودي، فجرَ أمس الأحد، بضربة نوعية جديدة، دكت إحدى منشآت قلب اقتصاد المملكة “أرامكو” بصاروخ مجنح يكشف عنه لأول مرة.. ضربةٌ حملت المواصفات المميزة لعمليات الردع اليمنية الكبرى من حَيثُ مجيئها ضمن مسار الهجوم التصاعدي، إلى جانب عناصر المفاجَأة التي تضمنتها، ومن حَيثُ كونها مشهودةً أَيْـضاً، لكنها انفردت برسالة مهمة جِـدًّا من حَيثُ التوقيت، إذ تزامنت مع اجتماع “سري” ضم رئيس وزراء العدوّ الصهيوني، بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، داخل المملكة، الأمر الذي نقل الضربة بسرعة إلى صدارة المشهد الإقليمي لما مثلته من صفعة مباشرة لإدارة المشروع الإسرائيلي الأمريكي في وقت ذروة تحَرّكها لتشكيل مشهد جديد في المنطقة، وهو ما جعل الهجوم يتجاوز حدودَ مواجهة العدوان ليحمل في طياته ردا عربيا إسلاميا جامعا على تلك التحَرّكات.

رسائل قوة

الضربةُ التي أعلن عنها العميد يحيى سريع -ناطق القوات المسلحة-، نُفذت بصاروخ ينتمي إلى الجيل الثاني من منظومة صواريخ “قدس” المجنحة، وهو ما مثل بحد ذاته مفاجأة تعودت القوات المسلحة أن تطلق مثلها ضمن العمليات الكبرى، كرسالة عسكرية على اقتران “القول والفعل”، وهي أَيْـضاً مفاجأة من العيار الثقيل، تكشف عن تطور كبير في مسار التصنيع الحربي اليمني الذي يمضي تصاعديًّا بدون توقف؛ ليجعل كُـلَّ إنتاج جديد أكثرَ من مُجَـرّد إضافةٍ إلى الترسانة العسكرية، بل نقلة نوعية تستتبع مباشرة نقلة موازية في مسار “الردع” بكله.

الصاروخ كان قد دخل الخدمة مؤخّراً، بحسب العميد سريع، بعد “تجاربَ عملانية ناجحة في العمق السعودي لم يعلن عنها”، ويبدو أنها الضرباتُ التي تحدثت عنها العديدُ من وسائل الإعلام خلال الفترة القصيرة الماضية، وبالذات منذ إعلان ناطق القوات المسلحة قبل قرابة أسبوعين عن “اتِّخاذ خطوات تصعيدية” في العمق السعودي، وتحذيره للشركات الأجنبية وسكان المملكة، وهو التحذير الذي جدده سريع، أمس، في إشارة واضحة على استمرار هذا “التصعيد”.

أما الهدفُ فكان محطة توزيع تابعة لشركة “أرامكو” في مدينة “جدة”، وبالتالي فهي ضربة جديدة موجهة إلى قلب اقتصاد النظام السعودي في الوقت الذي يعيش فيه أزمة اقتصادية متصاعدة؛ بسَببِ تراكم تأثيرات الفشل وتداعيات عمليات الردع اليمنية، مع انخفاض أسعار النفط، الأمر الذي يجعل أثر هذه الضربة موازيا لأثر ضربات أكبر وجهت إلى منشآت المملكة الاقتصادية في ظروف أفضل من هذه.

لم يكن هناك وقت أمام محاولات النظام السعودي للتشويش على العملية إعلاميا، إذ كانت هذه واحدة من تلك العمليات “المشهودة” التي سرعان ما تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو توثق نجاحها من أكثر من جهة، وهو ما حدث فجر أمس، إذ التهمت مشاهد ألسنة اللهب المتصاعدة من المحطة المستهدفة كُـلّ محاولات النظام السعودي و”ذبابه الإلكتروني” لإنكار الضربة أَو التقليل من حجمها، ووثقت استنفار سيارات الإسعاف للوصول إلى المحطة، ولاحقًا، نشر موقعُ “أورورا انتلجنس” العبري، صورًا ملتقطةً عبر الأقمار الصناعية تظهر آثارَ القصف على أحد خزانات المحطة، حَيثُ بدا الخزان متضررًا وبجانبه رغوةُ إخماد الحرائق.

حملت الضربةُ رسائلَ سياسية وعسكرية عدة، إذ جاءت مؤكِّـدةً مصداقيةَ تهديد القوات المسلحة قبل أَيَّـام بـ”تصعيد جديد” ردَّا على استمرار العدوان والحصار، لتجعل هذا التهديد أكثر وضوحًا في الحديث عن توجُّـهٍ عملي نحو مرحلة ردع جديدة يعرف العدوّ أنها ستأتي ضمن “المسار التصاعدي”، وبالتالي أنها ستكون أشد وأقسى من المراحل السابقة، وبعبارة أُخرى: حملت الضربة تأكيدًا جديدًا على أن كلفة استمرار العدوان مستمرة بالارتفاع، وهو الأمر الذي يمكن في ضوئه التقاطُ رسائلَ سياسية واضحة تعيد طرحَ “شروط السلام” المعلنة من قبل قيادة صنعاء الثورية والسياسية على العدوان، ولكن مع تنبيه عملي بأن التأخر في التعاطي مع تلك الشروط، واستمرار المراوغة تحت أية ذرائع، لن يفيد في “تعليق” الردع، أَو حتى إبقائه في مستوى معين.

هذا ما أكّـده أَيْـضاً ناطقُ أنصار الله ورئيس الوفد الوطني، محمد عبد السلام، في رسالة هامة جاءت ضمن مداخلة تلفزيونية، أمس، أوضح فيها أن اليمنَ سيمارس الرد المشروع طالما استمر العدوان والحصار، ولو حتى بمستوى “غارة واحدة” أَو “محاصرة شخص واحد”، وأن طبيعة هذا الرد خاضعة “لما تقرّره القيادة العسكرية والسياسية”، وبالتالي لا يمتلك العدوّ السعودي أيةَ ثغرة للتحكم في هذا الأمر، وليس أمامه سوى مخرج واحد يعرفُه جيِّدًا.

رسالةُ “قوة” ترسلُها القواتُ المسلحة في مختلفِ عملياتها النوعية، وقد كانت واضحةً جِـدًّا أَيْـضاً في هذه العملية، لا سِـيَّـما أنها تأتي في ظل إنجازات عسكرية متصاعدة ومهمة، أبرزها ما أشار إليه ناطق القوات المسلحة في حديثه عن “تقدم عسكري كبير في مأرب” من عدة جهات، الأمر الذي يجعل مشهد “فرض المعادلات” متكاملًا على المستويين الداخلي والخارجي.

رسالة عملية مباشرة إلى الإدارة الأمريكية الصهيونية

بالحديث عن المشهد الخارجي، انفردت ضربة الأمس بميزة خَاصَّة؛ بسَببِ تزامنها مع لقاء “سري” جمع بين نتنياهو وبومبيو وبن سلمان في مدينة نيوم بحسب وسائل إعلام العدوّ الإسرائيلي.. لقاءٌ يبدو بوضوحٍ أنه يأتي في إطار التصعيد الأمريكي الصهيوني الجديد في المنطقة والذي تعتبر موجة “التطبيع” المعلَن أحد انعكاساته.

بدا أن التزامُنَ بين الضربة اليمنية واللقاء الثلاثي لم يكن مُجَـرّد صدفة، خُصُوصاً وأن الضربةَ حملت إشاراتٍ صريحةً تحملُ إلى جانب كونها ردًّا على استمرار العدوان والحصار، رسالةَ تحَدٍّ ومقاومة للصلف الأمريكي الإسرائيلي المتفاقم في المنطقة، إذ رأى محللون أن الكشفَ عن صاروخ “قدس2” عبر عن هذه الرسالة بشكل رمزي وعملي، كما خلق مقارنةً ملفتة بين “الحماية” الإسرائيلية الأمريكية التي يتسولها النظام السعودي، والقوة اليمنية الذاتية، والحاملة لقضايا الأُمَّــة المصيرية والتي استطاعت اختراق تلك “الحماية” بشكل مدهش.

كُلُّ هذا جعل العمليةَ تتجاوزُ حدودَ جغرافيتها الحربية الأصلية لتحظى بصدًى إقليمي واسعٍ تبلورت في إطاره كتحَرّك يمني، لكن في نفس الوقت يحمل هوية عربية وإسلامية جامعة، في اتّجاهِ مقاومة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، بل إنه سلّط الضوءَ على الموقع “القيادي” والمهم لليمن في محور هذه المقاومة، وهو موقع بدأت راياته يلوح في الأفق بوضوح مؤخّراً وبالذات بعد احتفالات المولد النبوي التي تميَّزَ اليمنُ فيها على الساحة الإسلامية من حَيثُ حجمها ورسائلها.

وفي إطار ذلك أَيْـضاً تجاوزت هذه الضربة الواجهة “العربية” للعدوان على اليمن، لتحملَ رسائلَ القوة إلى إدارته الحقيقية في “تل أبيب” وَ”واشنطن” وهي الإدارة التي تقفُ مباشرةً وراء استمرار هذا العدوان وتملك قرارَ وقفه، فلا داعيَ لأن يهرعَ “بن سلمان” إلى مشغليه الأمريكيين والصهاينة ليبلغَهم بمدى سوءِ الوضع؛ لأَنَّهم الآن يرَون المشهدَ مباشرةً.