وما يلقاها إلّا كُـلّ ذي قلب (سليم)
مرتضى الجرموزي
بعيدًا عن الأهل والصحب والصديق عانى سنين الأسر والتعذيب، سنين الفرقة والشتات والتعب والمعاناة، مغيّبٌ لسنوات في غياهب الظلام والوحشية، سنوات مغيّب في سجون العدوّ ومرتزِقته لا يرى الشمس هو ورفاقه خلف القضبان الحديدية وجزاولة السجن من يفتلون عضلاتهم على الأسرى والمعتقلين.
المجاهد / سليم أحمد الجرموزي، من أبناء محافظة ذمار، بعد أن وقع في الأسر بجبهات القتال مقبلاً منكلاً بأعداء الله، عاد مؤخّراً إلى صنعاء العاصمة الأُم والشموخ في صفقة تبادل، خرّج حُرّاً وفي مطار صنعاء الدولي يسجدُ حمداً وشكراً لله من أخرجه من ظلمة السجون والتعذيب إلى نور الحرية والإيمان، عاد وكلّه عنفوان وقّاد، ازداد بريقاً في عالم المسيرة القرآنية الحقة، وهو يرى طوفاناً من البشر يستقبلونهم بكل شوق وحب وشغف إيماني وعشق خالد، لم تفصله المسافات لسنوات تجاوزت الثلاث والأربع والخمس.
هي أَيَّـام بعد عملية التحرير والحفاوة والاستقبال في العاصمة صنعاء، عاد المجاهد سليم إلى بيته تحتضنه والدته، أبوه وإخوته وجموع من الأصدقاء والأقارب، يعود مجدّدًا لسبيل العزة والكرامة يتزوّد من هدى القرآن في دورة تنشيطية قصيرة، ليعود كعادة الرجال إلى حيث العشق المحمدي العلوي، إلى حيث المكان الذي إذَا ما وطأته قدمُ عبدٍ إلّا أحبه الله واختصه بعظيم كرمه وعنايته.
وبقلبٍ سليم صافٍ طاهر ونقيّ، ها هو سليم القلب والبصيرة يعود لعشقه الدائم إلى جبهات القتال بعزيمة عجزت آلات الأسر والتعذيب وأيادي الارتزاق التابعة للسعودية وأمريكا عن إركاعه وثنيه عن الجهاد، فهَـا هو لم يلبث في بيته إلّا أَيَّـاما قليلة وهو الذي غاب عنهم ثلاثة أعوام ونيف في غياهب سجون المعتدي وأدواته المرتزِقة في مارب.
سليم تذكّر قولَه سبحانه وتعالى: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ)، وانطلق من جديد إلى جبهات الإباء والاصطفاء.
عاد لتوّه، حَيثُ المحراب المقدّس وشكل بمعيةِ ثلة قليلة ممن قال الله فيهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ثابر جاهد قتل نكل وأشفى غليله وشفى الله على يديه ورفاقه مجاهدي الجيش واللجان الشعبيّة قلوب المؤمنين قلوب المستضعفين حتى لقي الله شهيداً فائزاً ببشرى الله جنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين المجاهدين، وهي بشارة عظيمة ورابحة لمن تاجر مع الله وعاش روحيةَ المؤمن الواثق بالله ناصراً ومعينا.
وما يلقاها إلّا الذين صبروا، وما يلقاها إلّا ذو حظ عظيم، استُشهد سليم صاحب القلب السليم وحلّق بجناحيه نحو الرفيق الأعلى والرحيق المختوم، وفي ذلك فليتنافس الرجال المؤمنون الغيارى والصادقون.