وفاة الأُستاذ محمد المنصور.. خسارة كبيرة
حسن حمود شرف الدين
في تشييع رسمي للأُستاذ محمد المنصور، تم الصلاة على جثمانه في جامع الشعب، هذا الجامع الذي يشهد كُـلّ يوم تقريبًا خروج عدد من مواكب الشهداء الأحرار.
كثير يعرف قصة بناء جامع الشعب، حين وصل علي صالح إلى مرتبة عالية من الكبر والغرور، دله شيطانه بأن يبني صرحا فخما يباهي به قيادات العالم العربي والإسلامي، وليكن صرحا تحوطه الأشجار والورود، إضافة أن يكون هذا الجامع الذي أسماه باسمه منطلقا لتشييع رسمي لجنازته بعد وفاته، لكن الله سبحانه وتعالى يأبى ذلك، فيخرج من هذا الجامع الذي بُني من أموال الشعب جثمان الرئيس الشهيد صالح الصماد، وجثامين المئات من شهداء الواجب الديني وأحرار اليمن، ومنهم جثمان فقيد الأُمَّــة الأُستاذ محمد المنصور، الذي كان ينظر إلى ذلك الجامع ولمن بناه نظرة العداء لما يمثله من نظام فاسد وغير مستقيم.
شهد تشييع الأُستاذ محمد المنصور لوحة متكاملة من الوفاء والتقدير والاحترام ورد الجميل من أهله وأصدقائه وأقربائه وتلامذته وزملائه، من أدباء ومثقفين وسياسيين وإعلاميين ومن عامة الناس بمختلف توجّـهاتهم وانتماءاتهم السياسية، نادرا من تتشكل هذه اللوحة التي اتسمت بها مراسم تشييع الأُستاذ المنصور.
لمن لا يعرف الأُستاذ محمد يحيى المنصور، هو من مواليد محافظة العلم والأدب والثقافة والشعر، محافظة حجّـة مدينة المحابشة العام 1965م، نهل من علوم علمائها ومثقفيها وأُدبائها مختلف العلوم الشرعية حتى أصبح من رجالات العلم والأدب والثقافة الذين يشار إليهم بالبنان، وفي ريعان شبابه خاض غمار التربية والتعليم ثم غمار السياسة في حزب الحق، وغمار الإعلام في صحيفة الأُمَّــة ثم صحيفة الثورة، وأخيرًا في وكالة سبأ للأنباء حتى وفاته.
فقيدنا الأُستاذ محمد المنصور إذَا رأيته من نافذة الجانب الاجتماعي فهو ذلك الرجل الخلوق المحسن يتعامل مع الناس بأرقى مستوى من الاحترام، وإن رأيته من نافذة العلم والعلماء فهو ذلك العالم الزاهد العصامي، وإن رأيته من نافذةِ السياسة فهو السياسي والمفكر المخضرم لا ينازعه إلا من كان يحمل نفس صفاته ومعرفته، وإن رأيته من نافذة الثقافة والشعر فهو ذلك الشاعر والمثقف الكبير له عدد من الإصدارات الشعرية والثقافية والنقدية، وإن نظرت إليه من نافذة الصحافة والإعلام فهو ذلك القلم الرشيق والكلمة الصادقة فقد ترأس رئاسة تحرير صحيفة الأُمَّــة الناطقة باسم حزب الحق وترأس رئاسة تحرير صحيفة الثورة، ثم رئاسة تحرير وكالة الأنباء اليمنية سبأ، ونادرا نجد شخصية مثل الأُستاذ محمد المنصور جمعت بين العلم والأدب والشعر والسياسة والإعلام، أمثاله لا بد أن تخلّد أسماؤهم وأن تحفظ إنتاجهم الفكري والأدبي والإعلامي في مصنفات علمية وتدرس للأجيال ليكونوا نماذج وقُدوة تقتدي بها الأجيال القادمة.
وما تميز به الأُستاذ محمد المنصور عن غيره من أقرانه هو جهاده في سبيل الله ووقوفه ضد الباطل بجميع صوره وأشكاله خلال العقود الماضية، وقد دفع ضريبة جهاده الإقصاء والتهميش والنسيان خلال عقود حياته، وحين أعلن الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي المشروع القرآني والمتمثل في المسيرة القرآنية كان من أوائل من التحق بها وطبقها بكل نية صادقة مؤمنة بالله ورسوله وأوليائه.
المنصور الفقيد مدرسة فريدة تخرّج على يديه العديدُ من الأدباء والمفكرين والإعلاميين الذين هم اليوم رموز وأقلام تواجه العدوان بكل ما لديهم من فكر واطلاع ودراية استقوها من فكر الأُستاذ المنصور، في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي على بلادنا منذ أن دشّـنت قوى العدوان عدوانها في 26 مارس 2015م.
البعضُ يعيبُ على الفقيد المنصور آراءه المتشدّدة، والحقيقة إذَا ما راجع هؤلاء البعض توجّـهات وقرارات وآراء الأُستاذ المنصور سيجدها متوافقة تماماً مع الحقِّ والمسيرة القرآنية التي لا تعرف في الحق أحداً ولا تجامل أحداً، فكلُّ مواقفه كانت من منطلق العداء للعدوان الإسرائيلي والعدوّ الأمريكي، إذ يعتبر المنصور هذا العدوان أَسَاس كُـلّ الخلافات والصراعات التي تعيشها الأُمَّــة العربية والإسلامية، وحتى يعلم الذين لا يعلمون من هو الأُستاذ محمد المنصور، أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة في الوجدان الثقافي والسياسي والإعلامي للفقيد الراحل، حَيثُ تجد مواقفه الواضحة في كتاباته وتحليلاته وآرائه المكتوبة والمتلفزة.
رحم الله تعالى فقيد الإعلام والسياسة الأُستاذ محمد المنصور، وعزاؤنا لنجله الأخ أحمد محمد المنصور وأهله وذويه وكافة الزملاء، نسأل الله تعالى للفقيد الرحمة والمغفرة وأن يتقبله مع الأنبياء والصديقين والشهداء، وأن يلهم أهلَه وذويه الصبر والسلوان، وأن يرحم الشهداء ويشفي الجرحى وأن ينصر اليمن والأمة الإسلامية على أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء أوليائه.