السفير اليمني لدى سوريا في حوار مع عدد من الإعلاميين العرب:
- لولا الصمود الشعبي وأداء الجيش واللجان الشعبيّة وحنكة القيادة السياسية والثورية ممثلة في السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي لانهارت الدولة في أسبوع
- مسألة الحسم العسكري بالنسبة للعدو ميؤوس منها واستمرار العدوان هو خسارة للسعودي والأمريكي
المسيرة – خاص
نظمت الرابطةُ الدوليةُ للخبراء والمحللين السياسيين قبل أَيَّـام حواراً مع سعادة سفير الجمهورية اليمنية لدى سوريا، عبد الله علي صبري، عبر الفضاء الافتراضي.
وتطرق اللقاءُ إلى عدد من الموضوعات المتعلقة بالشأن اليمني، ومسألةِ قُرب وقف العدوان على اليمن، حَيثُ شارك في الحوار إعلاميون من لبنان والعراق وفلسطين والبحرين.
إلى نص الحوار:
– للعام السادس على التوالي يستمرُّ العدوان والحصار على اليمن.. ما سبب استمراره وكيف تمكّن اليمنيون من الصمود طيلةَ هذه الفترة؟
العدوانُ والحصارُ على اليمن ما كان يمكن أن يستمرَّ لولا يأسُ المنخرطين فيه من إيجاد قوة عميلة تابعة للمشروع الصهيو أمريكي في المنطقة، وتساير السياسات التي تأتي على حساب القضايا الأصيلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
لقد حاولوا تركيعَ اليمن وإخضاعه، واعتقدوا أن الحرب ستكون سريعة وخاطفة، على اعتبار أن اليمن خرج بعد العام 2011 من أزمة سياسية أَدَّت إلى تفتيت الجيش اليمني، وعمّقت الانقسامَ بين القوى السياسية بشكل عام، واليمن في نظرهم دولةٌ فقيرةُ الموارد والإمْكَانات.
وكان بإمْكَانهم في مثل هذه الظروف حسم المعركة على اعتبار أنهم بما يمتلكون من عتاد وسلاح وغطاء سياسي من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أَيْـضاً، لقد توقعوا كذلك أن تكونَ الحربُ نُزهةً بالنسبة إليهم، ولن تستمر وفق حساباتهم شهرًا، أَو شهرين، وثلاثةً على الأكثر، لكن ها نحن اليوم في العام السادس، وعلى مشارف العام السابع، وقد تغيرت كُـلُّ المعادلات في هذه الحرب، والشعب اليمني والقوى الوطنية المناهضة للعدوان اليوم أقوى وأشد عوداً وصلابة؛ لأَنَّ زمام المبادرة في الكثير من الجهات بات في يدها، سواء على الجانب العسكري، أَو السياسي والإعلامي، ولا يزال المعتدون يحاولون استثمار الوضع الاقتصادي، وتشديد الحصار البحري والبري والجوي على بلادنا.
في المقابل، هناك نجاحاتٌ كثيرة في الفترة الأخيرة ومحاولات حثيثة لاختراق هذا الحصار، فالشعب اليمني والقوى الوطنية، وعلى الرغم من كُـلّ ما يحدث وحدث، لا يزال متمسكاً بالبُوصلة التي ظلت واضحةً عنده، بُوصلة المقاومة والانتصار للقضايا العربية والقضية الفلسطينية، ومع مسار التطبيع والخيانة كانت اليمن تسجل تأكيداً وحضوراً بأن الحق المغتصَب، لا بد أن يعودَ إلى أهله، وأنه لن يضيع حق وراءه شعوبٌ مقاوِمةٌ.
العملياتُ النوعية، ابتداء من عملية نصر من الله، وإلى عملية البنيان المرصوص، والقوة الصاروخية ووصولها إلى عُمق العصب الاقتصادي لمملكة العار في ضربة بقيق واستهداف شركة أرامكو، كُـلُّ هذا يؤكّـد أننا أمام يمنٍ ناهِضٍ في المجالات كلها، واليمنُ إضافةٌ نوعيةٌ لمحور المقاومة.
– كيف تنظرون إلى قرار تعيينكم سفيراً لليمن لدى سوريا؟
يأتي تعييني سفيراً في دمشق ليعزِّزَ العلاقةَ بين محور المقاومة، خَاصَّةً أنه تم قبل ذلك بعام تعيين سفير لليمن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقبل أسابيع وصل سفير الجمهورية الإسلامية إلى صنعاء في اختراق نوعي، على الرغم من الحصار المطبق، وهذا انتصار دبلوماسي، وسنشهد في الأيّام القادمة انتصاراتٍ دبلوماسيةً.
– كيف تعلِّقون على ما ورد في وكالة رويتزر والتي قالت إن الرياض وافقت على وقف العدوان مقابل إقامةِ منطقة عازلة على الحدود مع اليمن؟
في الحقيقة، إننا نسمع بدعوات السلام، لكنها مخادعة ومضللة، ومنطلقُها عجزُهم عن الاستمرار بهذه الحرب؛ لأَنَّهم عجزوا وفشلوا، ونتيجة هذا العجز يريدون إدخَالنا في مسار جديد عنوان السلام، لكنه مسارٌ يُرادُ منه أن يكونَ مساراً للتأزيم، ولمزيد من إذكاء الصراع بين الأطراف اليمنية، وربما هي محاولة بائسة لكي يخرج منها السعودي والأمريكي، وليقولوا بأن ما يحصل في اليمن مُجَـرّد صراع داخلي وحرب أهلية، لكن القوى الوطنية ترقُبُ وتتابع هذا المشهد، وتفرض على العدوّ عدمَ الدخول في أي مسار سوى مسار وقف العدوان تماماً، ورفع الحصار، وفتح مطار صنعاء، وإعادة توحيد البنك المركزي، وترتيبات إنسانية يمكن أن نقبل بها في إطار بناء الثقة، بعد ذلك يأتي الدخول إلى المفاوضات.
– كيف تقيِّمون الواقعَ الميداني والعسكري حَـاليًّا في اليمن؟
بعد ثورة 21 سبتمبر، أمكن للثورة الشعبيّة أن تبسط سيطرتها على ما يزيد عن 80% من مساحة اليمن، وبما في ذلك الوصول إلى عدن وباب المندب، وعندما بدأ العدوان ركّز بشكل أَسَاسي على استعادة باب المندب وعدن.
ومن المعروف أن المناطق الساحلية مناطقُ رخوةٌ في المواجهات، وكان العملُ برياً وبحرياً وجوياً وهجوماً كَبيراً من الجهات كلها، وكانت حرباً شعواءَ بكل ما تعنيه الكلمة، وكان يمكن أن تنهارَ الدولةُ في بضعة أسابيع، لولا الصمود الشعبي وأداء الجيش واللجان الشعبيّة وحكمة وحنكة القيادة السياسية والثورية ممثلة في السيد عبد الملك الحوثي.
واليوم نحن على مشارف الانتصار الكبير، فيما يقارب من 90% من جغرافيا المحافظات الشمالية هي في يد الجيش واللجان الشعبيّة، فيما لا تزال المحافظات الجنوبية تحت الاحتلال الأجنبي السعودي والإماراتي.
في الشمال، الجيش واللجان الشعبيّة على تخوم مأرب، ومن يسيطر على صنعاء (وتسمى منطقة الهضبة) تاريخيًّا بالنسبة إلى اليمن دائماً هو الذي يحكم اليمن، بدليل أن المرتزِقةَ وعلى مدى أكثر من 5 سنوات وعلى الرغم من كُـلّ الإمْكَانات الدولية المتاحة لهم فشلوا في الاستقرار، أَو التمركز في أية مدينة من مدن الجنوب، كما عجزوا عن العودة إلى عدن، وحضرموت وشبوة، ولم يتمكّنوا من تحريك مؤسّساتِ الدولَة في هذه المناطق التي لا تزال تخضعُ للاحتلال على عكس المناطق التي تسيطر عليها القوى الوطنية، ممثلةً بأنصار الله والأحزابِ المناهضة للعدوان، فهي تعيش حالة من الاستقرار والهدوء.
ويمكن قراءةُ هذا الواقع من زاوية ثانية، إنها خارطةُ استقرار في الشمال، وخارطة صراع داخلي وخارجي في الجنوب، ففي المحافظات الجنوبية وعلى الرغم من أنها تخضع للاحتلال إلا أن هناك صراعاً سعودياً إماراتياً على هذه المحافظات، فالإماراتُ تتمركز في عدن في الجنوب، والسعودية في أبين وشبوة، وهذا الصراعُ في جغرافيا الجنوب يهيِّئُ للقوى الوطنية أن تستعيدَ هذه المناطق في أية لحظة، خَاصَّةً أننا متواجدون من الجانب العسكري على مشارف الجنوب، وقد عمل العدوّ وتحالفاته الكبيرة مع الأمريكيين وغيرهم كَثيراً؛ مِن أجلِ استعادة باب المندب الذي يسيطرون عليه، فقط أطلقوا حرباً كبيرةً على السواحل، وحاولوا الوصولَ إلى الحديدة، لكنهم لم يتمكّنوا؛ نتيجةَ صمود الجيش واللجان الشعبيّة في هذه المدينة التي تعتبر الآن الشريانَ الرئيسَ لاقتصاد اليمن، وفي المحافظات الشمالية بالذات.
والواقعُ أن العدوَّ اليومَ لديه شُغلٌ وعملٌ إعلامي وسياسي وحرب نفسية لاستثمار الاشكالات التاريخية ذات الطابع المناطقي والطائفي، ومعروفٌ أن عُمقَ اليمن وهُــوِيَّته يتسم بالتنوع، فهي هُــوِيَّةٌ زيدية شافعية في العمق التاريخي، وعلى مدى ألف سنة لم يكن هناك صراعٌ مذهبي حقيقي في اليمن، بل إن التعايش هو السمة الطبيعية بين أبنائه، كما حاول إعلام العدوّ في الفترة الأخيرة استثمارَ “الفزاعة الإيرانية” و”الفزاعة الطائفية” في المنطقة؛ ليوحيَ للعالم بوجود إشكالية طائفية، وأنهم يحاربون إيران في اليمن، ويوماً بعد يوم تتكشفُ الحقائقُ بأن الحرب على اليمن هي حربٌ على موقع اليمن الاستراتيجي وموارده ونفطه وموانئه، وهي حربٌ؛ مِن أجلِ استعادة الوصاية على اليمن؛ لأَنَّ السعودية على مدى 50 عاماً كانت الآمرَ الناهيَ في اليمن، وكل القوى السياسية التي تعاقبت على الحكم في صنعاء كانت تدرك هذه الحقيقة، وكانت تقدم الولاءَ والطاعة إلى الرياض دائماً، إلى أن جاءت ثورة 21 سبتمبر التي أخرجت اليمنَ من الوصاية السعودية، وهي في صدد إعادة بناء اليمن الحر المستقل ذي السيادة، الأمر الذي أزعجَ السعودية مدعومة من الأمريكي، ويوماً بعد يوم نقول: إن اليمن يستعيدُ مكانتَه التاريخية وسيادتَه واستقلالَه، وفي النصرِ المرتقب بإذن الله تعالى نكون قد أسّسنا للنهضة اليمنية من جديد.
– وماذا بشأن الدور الروسي في العدوان على اليمن؟
ربما يمكنُ القولُ بوجود علامات استفهام حول الدول الروسي في اليمن، ونحن كنا ولا نزال نعول كَثيراً على دور متقدم لروسيا، سواء لوقف الحرب، أَو رفع الحصار على الشعب اليمني أَو مساعدة اليمنيين فيما بينهم، ومع ذلك نستطيع القول إن روسيا كانت إيجابيةً إلى حَــدٍّ ما في المِـلَـفِّ اليمني، على اعتبار أنها امتنعت عن التصويتِ عن القرار 2216 في مجلس الأمن الذي كان قراراً يشرعن للحرب والحصار، واتخذت منه دول التحالف مرجعيةً للعدوان على اليمن، وحاولت روسيا الإبقاء على التعاون مع القوى الوطنية في صنعاء، وبقي السفير الروسي مقيماً في صنعاء حتى نهاية العام 2017، لكن أواخر العام 2017 شهدت صنعاءُ فتنةَ الرئيس السابق علي عبد الله صالح التي كانت الأخطرَ على الداخل اليمني، وربما كانت قوى الخارج تتعاملُ مع هذه الورقة؛ باعتبَارها “الجوكر” وأرادات إرباكَ المشهد الداخلي، بل وصُنع حرب داخلية في صنعاء نفسها.
وعندما انتهت هذه الفتنة بمقتل علي عبد الله صالح غادر السفير الروسي صنعاء، وأصبح مقيماً في الرياض، وكأنَّ روسيا كانت منفتحةً أكثرَ على المؤتمر الشعبي، وليس على القوى الوطنية، وفي المقدمة حركة أنصار الله، وقد جرت محاولةٌ أُخرى للتقريب بين أنصار الله والحكومة الروسية، واستضافت روسيا الوفدَ الوطني، لكن الأمورَ لم تتقدم عمليًّا، كما بادرت روسيا إلى طرح أفكارٍ ومقترحات، غير أنها لم ترَ النور، وربما ثقل مصالح الدول الكبرى مع السعودية ودول الخليج جعل حساباتها أقربَ إلى الرياض من أن تكونَ إلى صنعاء بانتظار نتائج ما ستؤول إليه الأمور، وبشكل عام روسيا والصين تدعمان الحلَّ السياسي في اليمن، وتحاولان مساعدةَ الأمم المتحدة على المضي في المسار السياسي، وهذا على الأقل في ما هو معلَنٌ رسميًّا.
– هل ترون ثمة مؤشراتٍ لاقتراب الحل؟ وما رأيكم بما يُطرَحُ من إقامة منطقة عازلة بين اليمن والسعودية؟
ما هو ظاهرٌ من تفاوض الآن هو استمرارٌ لاتّفاق ستوكهولم الذي كان في نهاية العام 2018، وكان هناك اختراقٌ جيد في السويد، أوقف الحربَ في منطقة غرب اليمن في الحديدة، تحديداً، وأعطى الضوءَ الأخضر لاستمرار المساعدات الإنسانية وتبادل الأسرى، على الرغم من أننا احتجنا إلى عامين لإنجاز أول عملية لتبادل الأسرى، وقد أعطى هذا الاتّفاق بارقةَ أمل أنه في إمْكَان القوى اليمنية أن تتفاهم وتتفق على حلول ذات طابع سياسي، أَو إنساني، أَو اقتصادي، وما يقوم به المبعوث الأممي منذ بدء أزمة كورونا كان يراد أن يكون هناك حَـلٌّ إنساني فقط لليمن، وإظهار دول التحالف للعدوان بأنها منقذة للشعب اليمني من أزمة كورونا، وبالتالي يصبح الحل الإنساني عبئاً على اليمن، والقوى الوطنية، ويتحلل منه العدوّ من التزاماته تجاه اليمن، لكن القوى الوطنية رفضت أيَّ حَـلٍّ ذي صبغة إنسانية فقط، متمسكة بأن يكون الحل شاملاً سياسيًّا واقتصاديًّا وإنسانياً، وبالفعل سحبنا من يد العدوان ورقةً كان يريد استخدامها لفرض حَـلٍّ إنساني من دون أن يتحمل تبعاتِ الحل السياسي.
ولا شك أن المِـلَـفَّات متداخلة في التفاوض، ولا نستطيع القول إنه يمكن أن يكون هناك حَـلٌّ في اليمن بمعزل عن حلول في المنطقة، ورفضنا أيَّ ربط بين المِـلَـفَّات، ونركز ونؤكّـد أن المشكلة في اليمن ليست مشكلةَ فرقاء سياسيين، بل هي مشكلةُ عدوان سعودي أمريكي وقوى وطنية تواجه العدوان، وللأسف يستخدمون المرتزِقة ليقولوا بأنهم مُجَـرّد وسيط، خَاصَّةً أن السعودية وأمريكا تحاولان تقديمَ نفسَيهما كوسيط، لكن ضربة أرامكو اضطرت السعودي للتفاوض على نحوٍ مباشر من تحت الطاولة وما يزال هذا الخط مفتوحاً، وهو يفاوض على كثير من الجزئيات، ويحاول من خلال الحصار وتأزيم المعركة والوضع في اليمن، أن يفرضَ شروطَه على المفاوض الوطني، لكي نرضخ لأي نوع من الحلول، لكن ما حصل منذ منتصف العام 2019 وإلى اليوم من انتصاراتٍ عسكرية كبيرة جعلنا نفاوِضُ من موقع قوة.
ومع انهيارِ جبهة العدوّ في نهم والجوف، وُصُـولاً إلى مأرب مع أنها مناطقُ ذات تضاريس صعبة جِـدًّا، ومع أن قطاعَ العدوّ الجوي كان يعمل ليلاً نهاراً، فقد أمكن في عملية البنيان المرصوص أن ننجزَ هذا الانتصار، بالموازاة مع ضربات الطيران المسيَّر، والقوة الصاروخية ووصولها إلى مناطق حسَّاسة في العمق السعودي، كُـلُّ هذه العوامل جعلت السعودي يقبل، ويعطي ضوءاً أخضرَ إلى حَــدٍّ ما للأمم المتحدة لتسويق ما يروِّجُ له “الإعلان المشترك لمسودة قائمة على حلول إنسانية واقتصادية”، وتمهد للتفاوض، لكن الشرطَ الأَسَاسي والمقدمة الأَسَاسية فيه هو وقفُ شامل لإطلاق النار على كُـلّ الأراضي اليمنية ورفع الحصار عن محافظة الحديدة والموانئ اليمنية ومطار صنعاء، وهذه مسألة أصبح مفروغاً منها، وهناك موافقةٌ عليها، لكن هناك تفاصيلُ لا تزال تدرس في الترتيبات الاقتصادية لم يصل بعد الفرقاء إلى حَـلٍّ، ولا يزال السعودي ينتظر المشهدَ الأمريكي، فالانتخابات الأمريكية هي التي أجّلت هذا الحل، وهذه الانتخابات ونتائجُها معروفٌ أنها مؤثرةٌ في المشهد بشكل عام، واليوم تحاول إدارةُ ترامب أن تقدمَ شيئاً في الوقت الضائع مع استخدام سياسة العصا والجزرة.
ونحن نعرف أنه كلما ارتفعت أصواتُ السلام والسخط تجاه السعودي كلما تحوّلت المسألة إلى ابتزاز وذَرِّ الرماد في العيون، ثم نفاجأ بصفقاتِ سلاحٍ من جديد.
استمرارُ الحرب هو خسارةٌ للسعودي والأمريكي، ولا يزال يحافظ على السعودي على الأقل؛ كي يحلب منه ما تبقى من حليب، فالحل السياسي إذَا توفر قد يوفر للسعودية شيئاً من التهدئة، وهي بحاجة إليها، كما أننا واثقون من أن مسألة الحسم العسكرية بالنسبة إلى العدوّ ميؤوسٌ منها، وبالتالي يمكن أن تكون هناك بوادرُ للحل السياسي، غير أن هذا لا يعني أن الحل السياسي سينهي الأزمة في اليمن، واستجابتنا لبوادر الحل السياسي يعود أولاً إلى أَنَّنا في موقف الدفاع ولم نعتدِ على أحد، وثانياً أن شعبنا يعاني من الحصار والعدوان، ومن واجب القوى الوطنية والسياسية أن تكون إلى جانب معاناة هذا الشعب والتخفيف منها شرطَ عدم التنازل عن التضحيات والانتصارات التي سجلتها على مدى الفترة الماضية.
ونحن مدركون مخاطرَ الحل المنقوص وتأجيل الأزمة اليمنية، لهذا يراجعُ المفاوِضُ اليمني كُـلّ المقترحات وأدق التفاصيل، ونحن لسنا في عجلة من أمرنا، وقد تزودنا بالصبر الاستراتيجي، وعندنا صمودٌ شعبي يدعم المفاوض السياسي، والمتغيرات من حولنا تخدم مشروعنا في المقاومة والصمود، وَأَيْـضاً قد تصل بنا إلى حَـلٍّ سياسي عادل بعض الشيء.
– كيف تنظرون إلى مواقفِ دول مجلس التعاون الخليجي تجاه ما يجري من عدوان على اليمن؟
الدورُ العُماني هو الدورُ الإيجابي مع اليمن، سواء في الشق السياسي أَو الإنساني، والوفد اليمني مستضَافٌ في مسقط ويرتب أمورَه سياسيًّا فيها، وعُمانُ حاولت مراراً وتحاول أن تدفعَ في جهود الحلول السياسية، وهذا الجهد لم يتغير مع السلطان الجديد، فالدور العماني مميز، وعندما انطلقت مفاوضات الكويت في العام 2016، كان واضحًا أن الإدارة الكويتية سحبت الشق العسكري من مشاركتها في الحرب على اليمن، وبقيت في الجانب السياسي والإعلامي، ومعروفٌ هنا دورُ السعودية الضاغط على دول المنطقة، لكن حاولت أن تقدم شيئاً في تلك المشاورات وقدمت تسهيلات كثيرة لكل الأطراف لكي تنجح، ولا تزال الكويت تعرض لتستضيفَ مشاوراتٍ أُخرى، فالدور الكويتي لا بأس به.
الدور القطري كان دوراً عدوانياً، فهو جزءٌ رئيسٌ من التحالف، وكان الإخوانُ المسلمون المدعومون من قطر من أدوات التحالف، وقد انعكست الأزمةُ الخليجية إيجابياً على الموقف القطري من اليمن في الشق الإعلامي على الأقل، ومع ذلك عندما يشتد الخطرَ على الإخوان المسلمين في الداخل اليمني تغير قناة الجزيرة خطابها مع اليمن.
إنَّ أكبرَ وآخرَ معقل للإخوان المسلمين الذين كانوا أبرز أدَاة في مواجهة أنصار الله وفي التعاون مع التحالف العدواني فهو في مأرب في الشمال، وهي مهمة استراتيجية؛ كونها منبع النفط، وهم يتكالبون عليها منذ ما قبل العدوان وهم يعيشون اليوم حالة انكسار كبيرة نتيجة المراكز والمعسكرات المتقدمة، ويرتقبون أياماً أَو أشهراً على الأكثر، ويستعيد الجيش واللجان الشعبيّة مأرب، ويرون أن مُجَـرّد وصول الجيش اليمني إلى مأرب فَـإنَّ الطريق ستصبح سالكةً أمام حضرموت وشبوة والمهرة، على اعتبار أنها مناطقُ صحراوية وليس فيها قوًى بشريةٌ يمكن أن تواجهَ الجيش واللجان الشعبيّة.
وبخصوص العلاقة مع العراق، لا نزال نأمُلُ بتمثيلٍ دبلوماسي سريع بين صنعاء وبغداد، لم يصل إلى الحدِّ الإيجابي بعدُ، ونتطلع إلى علاقة دبلوماسية مع العراق قريباً.
– وماذا بشأن الاعتبارات والفرضيات الإقليمية والدولية التي تحكُمُ أداءَ أنصار الله؟
إنَّ الاعتبارَ الإقليمي والدولي كان ضد أنصار الله بشكل عام، وربما ما يُسَمَّى بالربيع العربي المتنفس الإيجابي الذي استفادت منه حركةُ أنصار الله، إذ انخرط شبابُ أنصار الله ضمن الثورة الشعبيّة في العام 2011، وتحَرّكوا في المحافظات، وما خدم أنصارَ الله أن المبادرة الخليجية وضعت حداً لثورة الشباب، وأدَّت إلى تقاسم السلطة والقوى التي كانت محسوبةً على الثورة، وفي مقدمتهم حركة الإخوان المسلمين المتمثلةُ في حزب الإصلاح، فقد أصبحوا شُركاءَ في السلطة، وخرجوا من الساحات الثورية، بينما بقي شبابُ أنصار الله فيها رافضين مسارَ المبادرة الخليجية، والتنازل عن أهداف الثورة الشعبيّة، ثم جاءت فرصة الحوار الوطني، وتم إشراك أنصار الله كمكون سياسي إلى أن أُسدل الستار على الحوار الوطني بمقتل أبرز شخصية سياسية لأنصار الله في الحوار، الدكتور أحمد شرف الدين، فاغتياله في العاصمة صنعاء، كان إعلان حرب على أنصار الله، وحاولت القوى الجديدةُ المدعومة من الخارج تصفيةَ الحركة في صعدة بافتعال حربٍ جديدة، على الرغم من أنه كان يُفترَضُ أن هناك فترةَ توافق لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، لكنهم حاولوا تصفيةَ أنصار الله بزعم أن نظامَ علي عبد الله صالح لم يكن يحاربُها بشكل جدي، وقد انقشع غُبارُ المعركة على سقوطِ أهمٍّ قوىً تقليديةٍ في اليمن وهي آلُ الأحمر ثم سقوط عمران ومن ثم دخول أنصار الله إلى صنعاء في العام 2014، وسط ذهول الداخل والخارج.
أما الاعتباراتُ التي انطلقت منها حركة أنصار الله فهي محلية، فقد فُرضت عليها ستُّ حروب استفادت منها عسكريًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، واستطاعت أن تربط القبائلُ بمشروع المسيرة القرآنية، وتدرِّبُ الشبابَ، وانتشار الثقافة القرآنية في أماكنَ كثيرة، ولولا المشروع القرآني والمسيرة لما استطاع اليمن الصمود في هذه الحرب العدوانية.
– هناك عدة أُطروحات خَاصَّة بتقسيم اليمن.. كيف تنظرون إلى هذه الجزئية؟
لو كان هاجسُ أنصار الله التفاوُضَ فقط عن الجغرافية الشمالية لَكان مريحاً للسعودية وتحالف العدوان والأمريكي من خلفهم، فهناك عملٌ حثيثٌ لفصل الجنوب عن الشمال، لكن ما يعيق الموضوعَ هو أن ما يسمى بشرعية هادي مرتبطةٌ بالشمال والجنوب معاً، فإذا حصل انفصالٌ في الجنوب يسقط ما يسمى الشرعية ويسقط مبرّرُ وذرائعُ الحرب.
في المقابل تقول أنصارُ الله والقوى الوطنية المناهضة للعدوان مراراً وتكراراً إنه من حقنا أن نقاتلَ ونستردَ كُـلَّ شبر من الأراضي اليمنية، ولا فرقَ ما بين الشمال والجنوب، علماً بأن مقتضياتِ المعركة العسكرية أفضت أن تكونَ المعركةُ الرئيسةُ في الشمال، حَيثُ الحاضنة الجغرافية لأنصار الله، وحيث يمكن الانطلاق مجدّدًا إلى استعادة السواحل، مع الإشارةِ إلى صعوبة معركة السواحل على المقاتل اليمني الذي يقاتِلُ في سيطرةٍ كاملةٍ للعدو على الغطاء الجوي.
نحن في صنعاءَ القوى الوطنية هناك مكوناتٌ محسوبةٌ على الجنوب مصطفَّةٌ مع القوى الوطنية المناهضة للعدوان، وتؤكّـد على الوحدة وضرورة تحرير الأراضي اليمنية كافة وهذه مسألة ليست محل نقاش بالنسبة لنا في الداخل.
– أخيرًا، سعادة السفير كيف تنظرون إلى التهديدات المتواصلة لاستهداف أَو ضرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟
لو كانت هناك إمْكَانيةٌ لضرب إيران لَكانت ضربت من فترة طويلة، إنها حربٌ إعلامية ونفسية، إلا إذَا أراد ترامب خلطَ الأوراق وهو يودِّعُ البيتَ الأبيضَ وهو احتمالٌ ضعيفٌ جِـدًّا؛ لأَنَّ هذا سيخلطُ الأوراقَ على الأمريكي نفسه الذي ينسحِبُ من العراق وأفغانستان، ومن يحاول الخروج من منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن يفكرَ بالحرب مع إيران.