جريمة اغتيال العالم النووي الإيراني.. أبعادٌ وتداعيات
هل ستفتح كُـلّ الملفات العالقة؟
المسيرة / عبدالقوي السباعي
الدكتور محسن فخري زادة مهابادي مواليد عام 1957م، هو من علماءِ الصف الأول، ورئيسُ منظمة البحث والتطوير في وزارة الدفاع الإيرانية، وهي منظمةٌ معنية بتطوير الأسلحة في وزارة الدفاع الإيرانية، وهو ضابط في حرس الثورة الإيراني وأُستاذ الفيزياء بجامعة الإمام الحسين في طهران.
والذي قامت مجموعةٌ إرهابيةٌ بالهجوم بعد ظهرَ يوم أمس الأول، على سيارته، وأثناء الاشتباك بين فريق حمايته والإرهابيين، أُصيب “زاده” بجروحٍ خطيرةٍ نُقل على إثرها إلى المستشفى، وللأسف لم ينجح الفريقُ الطبي في إنقاذه، وبعد دقائقَ من إسعافه استشهد وأعلنت وزارة الدفاع نبأ استشهاده بعد سنواتٍ من الجهود والنضال.
هذه الحادثة لم تمر مُرورًا عابراً فقد أثارت موجة من السخط العارم والعديد من ردود الأفعال الغاضبة في الداخل الإيراني وفي المنطقة والعالم أجمع، ويمكن القول إن الحادثة، بما تحمله من أبعادٍ وتداعيات، سوف تشكل نقطة مفصليّة في الصراع الحساس الذي تعيشه المنطقة وربما العالم، غير أنها وكما هو المتوقَّع تنحصرُ حَـاليًّا بين الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها “إسرائيل” من جهة وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهةٍ أُخرى.. فما هي أهميّة وحساسيّة هذا الفعل الإجرامي؟ وفي هذا التوقيت الحساس؟ وماذا يمكن أن يحمل من تداعيات على المنطقة والعالم؟
استناداً إلى معطياتٍ واقعيةٍ عدة، تفيد الظاهرة منها بأن حساسية التوقيت الذي يواكب جريمة الاغتيال تعكس نوايا إدارة الرئيس الأمريكي المهزوم ترامب التي تأتي في إطار سلسلة من التحَرّكات التي تمت خلال الأسابيع النهائية من ولاية ترامب، وتهدفُ إلى زيادة صعوبة مهمة بايدن المتعلقة بإعادة التواصل مع إيران، ليقودَ جو بايدن المرحلة القادمة بتركتها المثقلة بالأخطاء والأزمات، وبالنظر إلى معطيات موقف رئيس حكومة العدوّ الصهيوني نتنياهو، والذي كان قد ذكر في أحد مؤتمراته العالِم الشهيد “فخري زادة بالاسم علناً عام 2018م “، وقد أعلنت وسائل إعلام عبرية سابقًا أن “خطةً قد رُسمت لاغتياله قبل أعوام لكنها فشلت”، وعقب عملية الاغتيال صرح بأن الوقت غير ملائم للحديث عن الترتيبات التي أجراها خلال أسبوع منها في تلميحٍ لدور الموساد فيها، ونظراً إلى المعطيات المرتبطة بدَور وأهميّة الموقع العلمي لفخري زاده، ودوره بتطوير قدرات إيران العسكرية فَـإنَّ أصابعَ الاتّهام في عملية الاغتيال، تشيرُ بوضوحٍ إلى “إسرائيل” وربما برعايةٍ أَو حمايةٍ ومساعدةٍ أمريكية.
وبما أن المساهمةَ الأمريكيةَ المفترضة تأتي انطلاقاً من البُعد الخطير لهذا الاغتيال، إذ لن يكون لـ”إسرائيل” القدرة الذاتية على تحمل تداعيات أية عملية ضد إيران وحدَها، من دون موافقةٍ أمريكية مسبقة، حَيثُ لا يمكن لأحدٍ التكهن بردة الفعل الإيرانية وميدانيًّا، وما يمكن أن ينتج عنها من احتمال كبيرٍ لمواجهةٍ خطيرةٍ قد تتوسع إلى حربٍ واسعة، إذن لا يمكن القيام بهكذا عملية من دون الوقوف معها أمام ردة الفعل الإيرانية المنتظرة.
فالتصور الأول لعملية الاغتيال يشير في الواقع إلى العدوّ الصهيوني، فليس جديدًا أن تقوم “إسرائيل” وعبر أذرعها الإرهابية المباشرة كالموساد، أَو غير المباشرة كالمجموعات الإرهابية الأُخرى مثل منظمة “خلق” أَو غيرها والتي تشغلها أجهزة الموساد، باغتيال العلماء الإيرانيين، النوويين أَو غير النوويين، أَو باغتيال غيرهم من علماء محور المقاومة، كمهندسي الصواريخ أَو الطائرات المسيّرة الفلسطينيين أَو العرب، وقد دأبت تل أبيب دائماً على اتِّباع هذه الاستراتيجية في مواجهة القدرات البشرية والفكرية لمحور المقاومة، بعد أن عجزت عن مواجهة أَو عرقلة إنجازاتهم أَو الحد منها.
التصور الثاني لعملية الاغتيال، يمكن أن نضعها في خانة العمل أَو الإجراء المنتظر من نتنياهو ومن ترامب، وما رشح عن قرار أمريكي تمّ العدول عنه في اللحظة الأخيرة لتنفيذ عملية استهداف نوعيةٍ لواحدةٍ من المنشآت النووية الإيرانية أَو أكثر، هذا الاغتيال الحساس يجمع أكثر من بُعدٍ، استهدفه الأمريكيون والإسرائيليون، ويرتبط باستهداف رئيس منظمة البحث والتطوير العلمي في وزارة الدفاع الإيرانية المسؤول عن مناورة تطوير القدرات النوعية، والتي طالما رأت فيها واشنطن وتل أبيب نقطة الارتكاز الأَسَاسية للقدرات الإيرانية في المواجهة الاستراتيجية ضدها.
التصور الثالث الذي يمكن وضع هذا الاغتيال ضمنه أَيْـضاً، يرتبطُ بسعي مباشرٍ من الرئيس ترامب شخصيًّا ومن نتنياهو أَيْـضاً، للقيام بعملٍ استثنائيٍّ؛ بهَدفِ عرقلة عملية إعادة التوازن إلى العلاقات الدولية في المنطقة، والمرتبطة بالاتّفاق النووي الإيراني، والتي من المرتقب أَو المرجح عودتها مع الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس المنتخب جو بايدن، والتي لن تحظى حتماً بموافقة نتنياهو.
من هنا، وعبر هذه التصوراتِ الثلاثة، جاءت عمليةُ الاغتيال للعالم الإيراني محسن فخري زادة، وذلك وفق قراءة تحليلية للمنظور الأمريكي والصهيوني، ولكن كيف تنظر طهران إلى هذا الاغتيال؟ وكيف يمكن توقع ردة فعلها عليه؟
تاريخيًّا يمكن القول بأن مسلك إيران في التعامل مع أوضاع مماثلة معروفٌ وثابت، ويمكن وضعه في خانة حقيقتين ثابتتين بمواجهة عملية اغتيالٍ حساسة لأحد كبار علمائها ورجالاتها المؤثرين.
الأولى، لن تسكت عن عملية الاغتيال، وحتماً سوف تقوم بعملٍ يوازي أَو يضاعف هذه العملية ضد المسؤول عن الاغتيال، سواءٌ أكان فاعلاً أَو محرّضاً أَو متدخلاً أَو مساعداً.
الثانية، من الطبيعي أن إيران لن تقوم بردة فعل متسرعة، بل سوف تأخذ وقتاً مناسباً لدراسة الردّ من كافة جوانبه، لكي يأتي قاسياً وعادلاً في آنٍ واحد.
وعليه، لا يمكن التكهن في الوقت الراهن عمّا ستؤول إليها النتائج والمترتبات، وما يمكن أن تتمخض بها الأحداث، فهل ستكون المنطقة بعد عملية الاغتيال على موعدٍ ملتهب ومع وضعٍ مختلفٍ بالكامل عمّا شهدته في الفترة التي سبقت الاغتيال؟ بحيث تنتقل من حربٍ باردة كانت تتخللها من وقتٍ لآخر بعض المناوشات أَو المواجهات المحصورة أَو المضبوطة، إلى تطوّر دراماتيكي، لن يكون حتماً بأقل من مواجهةٍ واسعةٍ، وشعاعها لن يكون محصوراً في الخليج، بل سوف يمتد إلى أكثر من دولةٍ وكيانٍ على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي.