مقايضة الأمن بالأمن.. معادلة اليمنيين للسلام
سند الصيادي
اعترفت وزارةُ الدفاع البريطانية قبل أَيَّـام بنشر قواتها في السعودية لحماية المنشآت النفطية السعودية من هجمات الردِّ اليمنية، بالتزامن مع تصريحات صدرت من مجلس الأمن الأمريكي تزعم عدم استجابة صنعاء لدعوات وقف إطلاق النار، وَخلف هذا الاعتراف والتصريحات تتكشف النوايا الدولية وَحالة التموضع الراهنة في قضية العدوان المستمرِّ على اليمن.
وَالصورة التي تشكلها هذه التحَرّكات والتصريحات واضحةً ملامحُها، فالعدوّ بشقيه المعلن والمتخفي لا زال يؤجل وَيميّع كُـلَّ فرص السلام التي توفرها صنعاء منذ السنة الأولى للعدوان عليها، وَيستمر في تزييف الحقائق سياسيًّا وإعلاميًّا، في الوقت الذي يواصل عملياته العدوانية على البلاد وَتحَرّكاته العسكرية في المنطقة.
وَبالتأمل في قائمة المعطيات لدى التحالف العدواني وَتوجّـهاته الواضحة نحو استمرار التصعيد في اليمن والمنطقة عُمُـومًا، سنجد أن القرارَ وَالدوافعَ المسيطرة على المشهد بريطانية أمريكية إسرائيلية بالدرجة الأولى، وَليس في متن سطورها أَو حواشيها أية أجندة أَو حسابات اقتصادية وَعسكرية وأمنية وسياسية، خَاصَّة بالتحالف المعلن والمتمثّل بالسعودية والإمارات، وَكأن هاتين الدولتين وَنظاميهما مُجَـرّد جغرافيا حرب وَساحة صراع متقدمة مليئة بالعروض المجانية المغرية التي لا يمكن أن تتوفر في أيّة بقعة أُخرى على وجه الأرض.
فهاتان الدولتان أَو بالأحرى هذه الجغرافيا المنزوعة السيادة والقرار، وفرتا أرضيةً مناسبةً جِـدًّا لتمرير المشاريع التآمرية الدولية، وَتكفلتا بإعلان الحرب وَتمويلها وَالتجنيد لها وَارتكاب مجازرها وَجرائمها إلى جانب المخاطر التي تتعرض لها مقدراتها المادية والبشرية من جهة شعب اليمن المعتدَى عليه، وَبالتالي فَـإنَّ فاتورة الخسائر التي تتكبدها أمريكا وبريطانيا ومن خلفهم الكيان الصهيوني مقابل سعيهم لتحقيق أطماعهم تمثل صفرا، ناهيك عن ميزةٍ مُضافةٍ أُخرى بأن امتلأت خزائنهم بأموال صفقات السلاح والخدمات العسكرية وَالابتزاز الذي يمارسونه تجاه هذين النظامين الأحمقين سياسيًّا وإنسانيًّا.
من هذا الواقع الذي ترزح تحته المنطقة وَالصمود الأُسطوري الذي يواجه به اليمنُ المعتدين عليه، جاءت تحذيراتُ رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام والتي يخاطب فيها الرأي العام وَينتصر فيها للمنطق المعدوم لدى تلك الأنظمة، وفي مقدمتها النظامُ السعودي بعدم جدوائية هذه المحاولات، وبأن السلاح الأمريكي والبريطاني الذي يتم تحشيدُه لحمايتهم لن يمثل حلا راهنا أَو بعيد المدى لعودة أمنهم المفقود، وإنما وقف العدوان ورفع الحصار على اليمن.
مقايضة الأمن بالأمن، معادلة نجح اليمنيون بحكمةِ قيادتهم وحنكتهم في اكتمال عناصرها، وَباتت تمثل توازنا وَبرنامجَ عمل ضامن لإنهاء الصراع اليمني السعودي في محيطه الجغرافي، وَلكن انعدام الأهلية الكافية لاستيعاب فرضياتها والتحَرّك من خلالها من قبل هذه الأنظمة الفاقدة للقرار، يزيد من حالة النزف الذي سينهكها وَيدفع بها إلى الانتحار على حبال المشانق التي نصبها اليمنيون بعد أن سئموا الصبر على مساوئ وَأحقاد هذا الجار الأرعن.
لقد استوعب اليمنيون مبكّرا حقيقة الصراع، وحذروا من خطورة وأبعاد ما يُدار وراء كواليسها، وَأسقطوا تباعاً الأقنعة التي كان يتستر خلفها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وَلم يعد أمام السعودية والإمارات وَأدواتهما في الداخل اليمني من حجّـة يمكن أن تُقام لاستمرار هذه السياسات إلّا أن الله قد طبع على القلوب وَقضى بأمرٍ كان مفعولا.