إلى جنوب اليمن المنكوب
سند الصيادي
لا يمكن للمراقب توصيفُ ما يحدُثُ في المحافظات الجنوبية تحتَ أيِّ مشروع استقلالي مهما كانت عناوينه أَو هُــوِيَّته، فلا مشروعَ لدولة يمنية مستقلة ولا مشروع دولة حتى لما يسمى جنوباً عربياً حاضرة في هذا المعترك، بل ثلة من الوحوش المستعرة تلهثُ فوقَ فريستها وَتسعى لالتهام السمين، وَرمي ما بقي من الغث على قارعة الطريق.
وإذا ما تنبَّهنا إلى حقيقةٍ متقادمةٍ مفادُها أن الغازي على مَرِّ التاريخ لا يعلنُ عن نفسه غازياً بشكلٍ مُجَـرَّدٍ دون أن يُقدِّمَ جُملةً من الأسباب والمبرّرات والذرائع الفضفاضة تجاه الأرض التي يغزوها وَالإنسان الذي يستعبده، فَـإنَّنا سنعرفُ أن ما يحدُثُ في الجنوب هو احتلالٌ كاملُ الشواهد مجزَّأُ المخطّطات التقسيمية، عجز المحتلُّ أن يكون حصيفًا أمام تمرير مشاريعه تلك في تحسين صورة احتلاله التي كان من الممكن أن تُحدِث جدلًا في أوساط من يحتل أرضهم ومقدراتهم ويبقي له جمعاً من مناصرين.
وقبل الحديث عن كذبة الجنوب العربي وَالسعي لتأصيل هذه المفردة من قبل الغزاة وأدواتهم، رغم عدم وجود أي ماضٍ لها ولو حتى في هامش التاريخ اليمني الخالص لهذا الامتداد الجغرافي وَالاجتماعي والعرقي والثقافي للهُــوِيَّة اليمنية، يجب علينا أن نعرفَ من هم هؤلاء الأدعياء، وَالبيئة التي أتوا منها وَمستوى التنكّر لقيم وَطموحات وَثقافات الأرض التي يتحدّثون بلسانها، وَحينها سنعرف أن الغازي والمحتلّ ليس شرطًا أن يكون أجنبي اللون واللكنة والعرق حتى نسميه غازياً، وإنَّما قد يكون محسوبا على الأرض وجزءًا من نسيجها المجتمعي، غير أنه قد باع نفسه للمعتدي وَبات تحت فراغ كرامته وَامتلاء جيبه بفتات المال مسكونا بالتبعية العمياء التي لم يعد له منها مناص.
من هنا ينبغي توصيفُ ما يحدث في جنوب الوطن الحبيب، وقراءته بعيون أهله السليمة وَغير المصابة برمد الطيش وَعوار الضياع، وَلا خوف طالما هؤلاء الأحرار والشرفاء حاضرين بيننا يعمّدون الواقع بالدلائل وَينصفون الأرض وأهلها في زمن تعالى فيه صوتُ النكرة على صوت الرجال.
قالها بن حبتور في ذكرى نوفمبر المجيدة، هم مُجَـرّد مرتزِقة يفتقدون لأبسط قراءة للتاريخ اليمني وأسباب الاستقلال ونجاح ثورة أُكتوبر، وهم عارٌ على الأرض التي أنجبت من أجبروا بريطانيا العظمى على طي أوراق أمانيها وَسحب ما بقي من فلولها في ذلك اليوم الأغر.
وَبحسرة لم يستطع أن يخفيَها حتى الأنبياء على من كفروا من أهلهم، تساءل بن حبتور عن الموجودين في أبو ظبي والرياض وإسطنبول، وتحت أقدام المحتلّ، عن وقع هذا الذكرى على نفوسهم، وما سيقولونه لأنفسهم وللأجيال والتاريخ، وَهو يتساءل عن من قد طبع اللهُ على وجوههم وأفئدتهم وباتوا عملاً غيرَ صالح، وَلو كان اللهُ يريد فيهم خيراً لاستفزت نفوسهم حمية وغيرة على ما يحدث في ثغر اليمن الباسم عدن وَعروس المحيط الهندي سقطرى، وَسواحل ووديان حضرموت والمهرة وَشواطئ أبين وَقيعان لحج الخضيرة.
غير أن هذه الأرض المنكوبة بالنكران وَمقلتيها الغارقة بالدمع، باتت ترنو إلى شقيقات البطن شمالاً، مخاطبةً الأُمَّ صنعاء أن جَدِّدِي العهدَ، واحتضني الوعد، وَسارعي بالنفاذ، وَما أضيق العيشَ لولا عزائم الصادقين مع الله وَمع شعبهم، من ينتظرون توجيهات القيادة، والذين لن يهدأ لهم بال ولا يسترخصون ذرة تراب من أرضهم المحتلّة إلَّا وقد صالوا عليها وجالوا، منطلقين من إيمانهم العميق بالله وَبأهداف ومبادئ ثورة 21 سبتمبر وكل الثورات اليمنية، هكذا طمأن بنُ حبتور الأرضَ المسلوبة، وَأضافت صنعاء: صبراً جميلاً.. واللهُ المستعان.