انفلات أمني متصاعد ومعتقلات سرية وابتزاز للمسافرين المحافظات الجنوبية اليمنية في ظل الاحتلال.. بيئة طاردة للحياة!
المسيرة- خاص
تحوَّلت المحافظاتُ الجنوبيةُ اليمنية في ظل سيطرة الاحتلال الإماراتي السعودي إلى بؤرةٍ للفوضى والنزاعات والانقسامات، والاقتتال الداخلي المدعوم من كلا النظامين الإماراتي والسعودي.
وتغيب في تلك المدن أيةُ معالم للنهضة الحضارية أَو تطور في أي مستوى سواءٌ أكان صحياً أَو تعليمياً أَو ثقافياً وغيره، في واقع مرير وعصيب على كافة أبناء المحافظات الجنوبية هناك، بل إن الاحتلال السعودي الإماراتي حوّل عدنَ وبقيةَ المحافظات الجنوبية إلى ساحة حرب، يتم فيها استخدامُ المرتزِقةِ كوقود لها، والشعب الجنوبي هو ضحية هذا الصراع.
ماراثون الاستقطاب والفرز وإعلان الانشقاقات والتخندق يستمر بوتيرةٍ عالية بين مليشيا المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات ومليشيا الفارّ هادي المدعوم من السعودية في تفاعلات استبقت الحلول الملغومة لتحالف العدوان بانتقال عدواها إلى المحافظات المجاورة لعدن لتتضاءل معها فرصُ الحل السلمي، وسط مخاوفَ جدية من خطر انزلاق المحافظات الجنوبية كلها في نفق الحرب الأهلية.
وبحسب تقرير للمركز الإعلامي للمحافظات الجنوبية فَـإنَّ أكثر من 212 جريمة رُصدت خلال الشهرين الماضيين (أُكتوبر- نوفمبر) في الجنوب؛ نتيجةَ الانفلات الأمني، ومن بين هذه الجرائم 32 جريمة اغتيال، و27 جريمة اعتداء مسلح على المواطنين وَ23 جريمة ابتزاز بقوة السلاح.
ولعل الانفلاتَ الأمني هو الهاجسُ الأكبر الذي يؤرق سكان المحافظات اليمنية، ولا يكاد يمر يوم دون تسجيل جريمة اغتيال أَو اعتداء مسلح، في عمل ممنهج يقف وراءه الاحتلال الإماراتي السعودي.
ويتبادل وكلاءُ العدوان الاتّهامات فيما بينهم حول ما يحدث من اغتيالات في الجنوب المحتلّ، فالناشطون المحسوبون على حزب الإصلاح يؤكّـدون أنه لا يمكن الفصل بين خطابات ما يسمونه بـ “بلاطجة الانتقالي” أصحاب السوابق الذين قلّدتهم الإمارات الرتب والسلاح، وما يجري في عدن من فوضى وتصعيد واغتيالات، في حين يحمل ناشطون في ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي الفارَّ هادي والأجهزةَ الأمنية التابعة لها، فشلَ القبض على المنفذين، خُصُوصاً وأن العمليات وقعت في مناطقَ قريبة من مقرات أمنية.
ورسالةُ هؤلاء الواضحة هي أن الأمن في جنوب اليمن كالعادة لم يُلقِ القبضَ على أحد، وأنه أفشل أمنٍ في العالم.
وخلال السنوات الماضية، اغتيل العشرات من مشايخ التيار السلفي، والبعض منهم ينتمي إلى حزب «التجمع اليمني للإصلاح» المرتزِق، كما تم نفي العشرات من الدعاة وأئمة المساجد إلى الرياض، ومنعتهم السلطات السعودية من العودة إلى عدن، في خطوة يعتبرها محللون تصفية للساحة الجنوبية من التيارات المناهضة للتيار السلفي الذي تدعمُه أبوظبي، ويقوده الشيخ السلفي، نائب رئيس «المجلس الانتقالي»، المرتزِق هاني بن بريك.
ونتيجة لهذا الوضع المزري، يؤكّـد المركز الإعلامي للمحافظات الجنوبية أن مدينة عدن لم تعد آمنة للاستثمارات المحلية، في ظل تصاعد الانفلات الأمني والابتزاز المالي اليومي من قبل مليشيات العدوان، مُشيراً إلى أنه تم رصد عدد كبير من جرائم الاعتقالات والاختطاف ومداهمة المنازل والسطو على الممتلكات بالقوة من قبل مليشيات العدوان في عدن، حَيثُ تم رصد 11 سطوا مسلحا على أراضي وممتلكات المواطنين بقوة السلاح في عدن بنسبة 5.1%، كما تم ارتفعت خلال الفترة ذاتها الاشتباكات المسلحة إلى 21 عملية وبنسبة 9.4%، وسجلت جرائم الاختطاف 20 جريمة وبنسبة 9.4%، وتم رصد 18 جريمة قتل وتصفيات داخلية بين قوى العدوان.
ويؤكّـد المركز أن جرائمَ الابتزاز تصاعدت بقوة السلاح في النقاط والطرقات العامة لسائقي الشاحنات العاملين في نقل البضائع من ميناء عدن إلى المحافظات الحرة إلى أعلى المستويات.
سجون سرية ومخفيون قسرياً
وإلى جانبِ الانفلات الأمني المتصاعد في المحافظات المحتلّة، يظل مِلَفُّ الأسرى والمعتقلين والمخفيين قسراً في سجون المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال السعودي الإماراتي، من أبرز الملفات الشائكة هناك.
وأنشأ الاحتلال الإماراتي العديدَ من السجون السرية لقمع المواطنين وانتهاكات حريتهم، حَيثُ يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي دون أن تتمكّن حكومة الفارّ هادي من إنقاذ المواطنين أَو الضغط على النظام الإماراتي لإغلاق هذا السجون، بل حدث العكس من ذلك وهو أن حكومة المرتزِقة أدلت بعدة تصريحات تفيدُ بعدم وجود سرية في المحافظات المحتلّة، لتكذب قصصَ الكثير من المواطنين الذين تعرضوا للتنكيل والاعتقالات بداخلها.
وخلال عدة أشهر، ينظم أهالي المعتقلين وقفاتٍ احتجاجيةً في جولة كالتكس بالمنصورة عدن، حَيثُ شكلوا «رابطة المخفيين قسراً»، والتي جاءت بعد تسريب وفاة أحد المعتقلين تحت التعذيب في سجن الجلاء الذي كان يشرف عليه منير اليافعي.
وتزامنت الوقفاتُ مع استمرار إضراب سجناء بئر أحمد عن الطعام، والتي أحدثت تفاعلاً في الوسط الحقوقي محلياً ودوليًّا، غير أن كُـلَّ هذا يجري في ظل الصمت المطبق لحكومة الفنادق وتحالف العدوان السعودي الإماراتي.
وبحسب تقارير محلية فَـإنَّ مرتزِقة العدوان ارتكبت جرائم تعذيب بحق ثلاثة معتقلين حتى الموت، ولا تزال تخفي قسرياً 48 معتقلاً في سجون الاحتلال السرية بعدن من أبناء عدن منذ سنوات.
ابتزازُ المسافرين
ويعاني المواطنون في المحافظات الجنوبية المحتلّة والمارين منها من الابتزاز، ولا سيما المسافرين القادمين من المحافظات الشمالية، كما يحدث في منطقة العلم ومنطقة الرباط وتفرض مليشيا العدوان على المسافرين إتاواتٍ تصل 50 ألفاً على كُـلّ شاحنة تجارية مقابل السماح لها بالمرور.
ويؤكّـد تقرير للمركز الإعلامي للمحافظات الجنوبية أن الجبايات التي تفرضُها المليشيات الموالية للعدوان رفعت تكلفة نقل الحاوية الواحدة من ميناء عدن إلى العاصمة صنعاء إلى مليونَي ريال، وأدَّت إلى ارتفاع أسعار السلع والمنتجات بنسبة 20%، مُشيراً إلى أن مليشيا العدوان ترفض المساعي المحلية لفتح طريق الضالع إب وطريق “عقبة ثرة – البيضاء”؛ خشية فقدان مصالحها غير مشروعة التي تجنيها من الشاحنات.
ثورة مرتقبة
ولعلَّ الهاجِسَ الأكبرَ الذي يؤرق المواطنين في المحافظات الجنوبية المحتلّة هو تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات في كُـلّ المجالات، ما يجعل الأمور تسيرُ نحوَ ثورة شعبيّة رافضة للوجود الإماراتي السعودي المحتلّ، ولكل أدواتهما هناك.
ويرى مراقبون أن سلطات الارتزاق في المحافظات المحتلّة تحاول إصدار قرارات من حين إلى آخر، كمحاولة لامتصاص الغضب الشعبي العارم في عدن نتيجة تردي الأوضاع في المدينة، لا سِـيَّـما بعد أن توعد ناشطون جنوبيون بتنظيم مظاهرة كبرى قبل أَيَّـام يشارك فيها الجميع للمطالبة برحيل الاحتلال وتحت شعار “ترحيل السعودية والإمارات من عدن”، على خلفية تردي الأوضاع المعيشية وغياب الخدمات العامة كالكهرباء والمياه.
غير أن ما يعيق اندلاع هذه الثورة هو افتقارها للقيادة الحكيمة وخَاصَّة في ظل ارتماء القيادات الجنوبية في الحضن السعودي أَو الإماراتي، وعدم وجود قيادة تتبنى المشروع المقاوم لسياسة الاحتلال في المحافظات الجنوبية.
ومما يزيدُ من قتامة الصورة في المحافظات الجنوبية، هو الاضطرابُ المتزايد للعُملة اليمنية أمام العملات الأجنبية، واقتراب الدولار الأمريكي الواحد إلى 900 ريال يمني، وهو ما يزيدُ من معاناة وسخط الشارع الجنوبي، الذي يعيش في ضائقة مالية وانعدام للمرتبات، ووضع اقتصادي مزرٍ يمرون فيه من يوم إلى آخر.
وستؤدي هذه التراكماتُ للمِلفات الشائكة في المحافظات الجنوبية إلى اشتعالِ الغضبِ الشعبي لا محالة، لا سِـيَّـما وأن التوجُّـهَ العام للاحتلال الإماراتي السعودي هو تركُ هذه المحافظات فريسةً للجهل والتخلف وعدم النهوض، مقابل استمرارهم في نهب الثروات وخيرات الجنوب والاستحواذ على كافة الإيرادات لحين موعدِ الرحيل الذين يستشعرونه قريباً.