ما مدى إمْكَانية نشوب حرب إقليمية شاملة؟ ومدى جهوزية الأطراف لخوضها؟!
رؤية تحليلية:
المسيرة| قسم الدراسات الاستراتيجية:
تثيرُ الكثيرُ من التقارير والدراسات هالةً من الجدل، حول إمْكَانية اندلاع حرب عسكرية شاملة، بين قوى محور المقاومة التي تقودها إيران في المنطقة، وبين قوى التحالف الإمبريالي الذي يقودها الكيان الصهيوني في المنطقة ومن خلفه أمريكا، وحول قدرة الكيان الصهيوني على مواجهة هذه الحرب.
من الواضح أن العملية الإرهابية ضد عالم عسكري ونووي إيراني، تشير مرةً أُخرى بأصابع الاتّهام إلى الصهاينة، بعد أن استند هذا الاتّهام الموجَّه إلى تل أبيب إلى تاريخ الكيان في اغتيال الباحثين والعلماء النوويين الإيرانيين عبر وسائط إرهابية غير مباشرة، وكذلك إشارة مسؤولين صهاينة في السنوات الأخيرة إلى اسم “فخري زاده” كعالم نووي تم اغتياله.
قبل عامين، أشار بنيامين نتنياهو إلى “فخري زاده” على أنه عالم نووي إيراني، وقبل ذلك ذكر رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق إيهود أولمرت اسم هذا العالم النووي الإيراني أَيْـضاً، وفي ظل هذه الظروف المشحونة، وبعد هذا العمل الإرهابي الذي استهدف العالم الإيراني، فَـإنَّ آثار أقدام الصهاينة في هذا العمل العدواني واضحة للغاية، ولا توجد أيةُ شكوك في هذا الصدد.
ولعل المتتبع سيلاحظ، كيف رفع الصهاينة مستوى التحذير لرعاياهم، وأصبحت المخاوف في فلسطين المحتلّة من نشوب نزاع عسكري مع إيران أكبر بكثير من أي وقت مضى، ولكن إلى أي مدى وصلت جاهزية تل أبيب لخوض حرب شاملة ضد إيران ومحور المقاومة عموماً؟.
في المنظور العسكري التحليلي، يمكن وصف عمليات الاغتيالات التي تقوم بها أية قوةٍ ما ضد أُخرى، على أنها علامة على عدم القدرة من المواجهة في الميدان، وعلى خوض الحرب معها، ووفق تقييم القوة العسكرية للصهاينة، يمكنها أن تشير إلى عملهم الإرهابي الأخير، وبشكلٍ عام على أنهُ وبحد ذاته يُعتبر عجزاً في مواجهة حرب شاملة مع إيران، وذلك لسببين رئيسيين.
الأول: يهدف الصهاينة ومنذُ وقتٍ مبكر إلى إيقاف برنامج إيران النووي، الذي هم قلقون منه جِـدًّا، فعلى الرغم من مزاعم المسؤولين الصهاينة، بمن فيهم نتنياهو، بوجود بصماتهم في عمليات تخريب المنشآت النووية الإيرانية، إلا أنهم يدركون جيِّدًا أن ليس لديهم القدرة على الاستهداف المباشر أَو القيام بعملٍ عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية؛ لأَنَّ ذلك قد يشعل فتيل حرب إقليمية شاملة.
وفي الواقع، إن الخوف من مواجهةٍ عسكرية مع إيران قد دفع الصهاينة إلى اللجوء إلى عمليات الاغتيال، وبما أن تل أبيب غير قادرة على شن حرب عسكرية واسعة النطاق أَو تنفيذ مزاعمها باستهداف المنشآت النووية الإيرانية؛ لذلك فَـإنَّهم اختاروا مشروعَ الاغتيالات واستهداف الباحثين والعلماء النوويين الإيرانيين، إلى جانب الشخصيات المؤثرة كأمثال الشهيد قاسم سليماني.
لقد تابع الصهاينة مشروع اغتيال الشخصيات العلمية لبرنامج إيران النووي في السابق خلال سنوات 2009م إلى 2011م، والذي ترافق مع رد فعل عالمي سلبي وتكاليف باهظة تكبَّدوها، مع ذلك، فَـإنَّ استئنافَ العمليات باغتيال عالم نووي في إيران، يظهر أن مشروع الاغتيالات السابق في إيران قد فشل في تحقيق أهداف الصهاينة بوقف برنامج إيران النووي وشلّ القدرات النووية الإيرانية، وبالتالي فقد لجأت تل أبيب مرةً أُخرى وعلى الرغم من التكلفة السياسية الباهظة، إلى اغتيال الأشخاص المؤثرين في برنامج إيران النووي، ويتبقى لدى الكيان تعزيزُ تحالفه مع كيانات عربية خليجية تقومُ عوضاً عنه بخوضِ أيةِ مواجهةٍ محتملة مع إيران.
السبب الثاني: يكمن في صعوبات وتبعات الحرب الإقليمية الشاملة على حكومة الكيان في أية حرب محتملة؛ لأَنَّ التهديدات التي ستطال الكيان الصهيوني ليست فقط من داخل حدود إيران، بل ستواجه (تل أبيب) شبكةً صلبة ومتحفزة من فصائل المقاومة في المنطقة، تمتد من السواحل اليمنية على البحر الأحمر إلى سواحل فلسطين المحتلّة ولبنان، إلى العمق الاستراتيجي لمجموعات المقاومة في العراق وسوريا.
وحتى مع وجود أمريكا وبعض الدول الغربية والخليجية المساند والعاملة لمصلحة الصهاينة في أية حرب محتملة، فَـإنَّ شبكةَ المقاومة المتحالفة مع إيران في المنطقة واسعة جِـدًّا وتنتشر في جميعِ أنحاء المنطقة، بحيث لن تتركز المعركة المحتملة على جزء أَو نقطة محدّدة، بل ستفتح جبهات مختلفة ومساحات شاسعة، فشبكة قوى محور المقاومة المتشكل على أرض الواقع لم يعد في محلية إيران، بل يشمل الحلفاء الإقليميين في اليمن والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان، وأي صراع محتمل مع الكيان الصهيوني سيتحول إلى حربٍ إقليمية شاملة، وليس من المتوقع أن يتمكّن الكيان الصهيوني الذي يمتلك مساحةً صغيرةً ويفتقر إلى العمق الاستراتيجي، من التعامل مع ساحات القتال المختلفة في المنطقة.
أخيرًا يمكن القول بأن حكومة الكيان الصهيوني اليوم تعاني الكثير من نقاط الضعف الهيكلية والبنيوية التي تعزز سيناريوهات هزيمتها في أية حرب محتملة، والتي باتت قوى محور المقاومة تدركُها جيِّدًا، ويبقى فقط أن تستغلَّها في إحراز النصر القادم.