المنظومة العدلية والأُمناء والنظام والقانون
مطهر يحيى شرف الدين
تسعى المنظومةُ العدليةُ في الآونة الأخيرة إلى تكثيف الرقابة والإشراف على الأمناء وتقييمهم والتحرّي من حصولهم على التراخيص الممنوحة لهم من وزارة العدل، ومدى إلمامهم بالأنظمة والقوانين وما يقومون به من كتابة المحرّرات والتصرفات وفق الشرع والقانون والنظام، وذلك إدراكاً من المنظومة بأهميّة هذا الجانب الهامِّ وتحملها للمسؤوليات والواجبات الدينية والوطنية ودورها في خلق مجتمع آمن وَمستقر خالٍ من الخصومات والنزاعات الناشئة بين أطراف العقود والمحرّرات المتعلقة بالعقارات والتي تملأ أروقة المحاكم ويطول أمد الفصل في كثيرٍ منها؛ بسَببِ آثارها السلبية الكارثية على المجتمع والناتجة عن مخالفات وتجاوزات يقوم بها بعضُ الأمناء والموثقين.
وبالتالي تؤرق القضاة وتؤخر إنجازهم للقضايا، وَتحول دون توفير حماية حقوق المجتمع ومصالحه؛ ولذلك نرى القيادة السياسية اليوم تولي اهتماماً كَبيراً بأعمال وواجبات الأمناء والموثقين؛ باعتبَار ما يقدّمونه من خدمات شرعية وقانونية للأفراد وللمجتمع وللقضاء وللدولة بشكلٍ عام في التأثير إيجاباً في توفير العدالة وعلى النمو الاقتصادي واستتباب الأمن والاستقرار والتخفيف على المحاكم من ازدحام القضايا وتردّد أطراف النزاع وأصحاب المصالح والحقوق عليها.
إنَّ ما يقوم به الأمناءُ من كتابة المحرّرات وبالذات المتعلقة منها بالعقارات، وكذلك تحرير العقود والوكالات والتصرفات وما ينشأ عنها من بيع وشراء بحاجة إلى أن يكون الأمين الشرعي مؤهلاً وَدقيقاً في عمله، ونزيهاً في سلوكه، ومُحيطاً بصحة الأوراق والمرفقات المتعلقة بالمحرّر، وعارفاً بالإجراءات وسلامتها، ومتأكّـداً من هُوية وشخصية المُقر وحالة الشهود وَأهليتهم.
وكل ذلك؛ بهَدفِ حفظ الحقوق وحماية الممتلكات وصون الأعراض والحيلولة دون الوقوع في خلافات وخصومات مستقبلية؛ بسَببِ المحرّرات المشبوهة.
ولذلك فالكثيرُ من القضايا المتراكمة والمتعثرة في المحاكم يرجع سببُها إلى مخالفات بعض الأمناء ومنتحلي صفة الأمين الشرعي الذي يجب أن يستوفيَ شروط الترشيح واجتيازه للإجراءات القانونية التي تجعله أهلاً للمهنة التي يعمل فيها، ومتحرياً للدقة والتثبت، وإبراءً لذمته عند التعامل مع العقود والتصرفات وأطرافها، وأن ينأى بنفسه عن أية ممارسات مشبوهة أَو سلوكيات تخالف أحكام الشرع والقانون وقواعد النظام العام والآداب العامة.
إذ أن المحاكم تواجه العديدَ من القضايا التي تكون فيها المستندات والوثائق أدلة هامة للفصل فيها، والتي يتسبّب عدم وجودها أَو النقص في بياناتها أَو عدم المصادقة عليها إلى تأخر الفصل فيها، وبالتالي إتاحة الفرصة للناهبين وَإعطاء حق لمن ليس له حق وسلب الحق من أهل الحق.
إذ أن من تلك المخالفات والتجاوزات التي يقوم بها بعضُ الأمناء، قيامهم بتحرير بصائر أراضٍ وممتلكات لأكثر من شخص، ومنهم من يتورط مع البائع في بيع أكثر مما هو موجود في البصيرة، وتعليل ذلك بوجود المراهق والأكوام والطربق التي تمثل علامات أَو حدودا أَو يقوم البعض منهم بتحرير وكالات بالبيع دون التأكّـد من جميع بيانات المحل والأطراف وهُوياتهم ومصلحتهم، مما تتسبب كُـلّ أَو بعض تلك التصرفات في حدوث مشاكل وخلافات وفتن لا تحمد عقباها، وظهور آثارها وأبعادها التي تظهر بعد أن يبدأ المشتري في البناء على أرضه.
الأمر الذي ينبغي على الجهات المعنية بتوثيق المحرّرات والمصادقة عليها، وبالذات العقارية منها والمسؤولة بالرقابة والإشراف على هذه المهنة، أن تُفعل وَتعزز من مهامها ومسؤولياتها في تحقيق التكامل فيما بين أجهزة المنظومة العدلية، وأن تقوم بالتنسيق فيما بينها؛ وذلك للقضاء على الفجوات بين الجهات المعنية بالتوثيق والسعي نحو تحقيق الانسجام التام بين المحاكم وَالأمن وَالسجل العقاري.
وتجدر الإشارةُ إلى ما اعتبره الأُستاذ محمد علي الحوثي -عضو المجلس السياسي الأعلى، رئيس المنظومة العدلية- في إحدى اجتماعاته بقيادات السلطة القضائية والأمنية وعدد من منتسبيها، من أن متابعة وكشف الأمناء المتلاعبين والمزورين يعتبر معركةً أمنيةً واقتصاديةً ترتبط بالتلاعب بالقيمة والأصول العقارية التي تمثل رافداً اقتصاديًّا مهماً للمجتمع وللدولة.