ومن (الغباء) ما قتل!
عبد المنان السنبلي
أن تفشلَ في تقديرِ قوةِ خصمِك ومعرفة مكامن قوته ونقاط ضعفه فهذا ضربٌ من الغباء، أما أن تستخفَّ وتستهترَ به؛ كِبراً منك وغطرسةً فهذ هو الغباءُ بحد ذاته الذي يقودك حتماً في معركتك معه في آخر الأمر إلى المجهول، هذه في الحقيقة هي المعادلة التي عجز عن فهمها واستيعابها التحالف (العربي) الذي تقوده السعودية في عدوانه الغاشم على اليمن!
أكثر من خمس سنوات وهو ينظر إلى الحوثيين نظرةً دونيةً على أَسَاس أنهم مُجَـرّد جماعة انقلابية متطرفة لا تمتلك أيةَ حاضنة شعبيّة ولا يمكن أن يتجاوز عدد منتسبيها في أحسن الأحوال بضعة آلافٍ من المنتسبين فقط!
أكثر من خمس سنوات وهو يتظاهر أنه قادر على سحقهم واستئصال شأفتهم في ساعاتٍ محدودة!
أكثر من خمس سنواتٍ وهو ما فتِئ يستهتر بهم ويقلل من شأنهم وقدرتهم على المواجهة والتحدي والصمود أمام جيشه العرمرم العظيم بحسبه!
أكثر من خمس سنواتٍ وهو ما فتِئ يستكثر عليهم حتى مُجَـرّد التفكير في أن يصلوا إليه فما بالك في أن يصيبوه في العمق!
قصفوا قاعدة الملك خالد في خميس مشيط ودمّـروها وقالوا أنى لمثل هؤلاء (المبردقين) أن يفعلوا ذلك وحرفوا أنظارهم واتجهوا باتّهاماتهم صوب إيران!
اجتاحوا مدينة الربوعة وما حولها فقالوا وهل يجرؤ هؤلاء القادمون من (الكهوف) أن يقدموا على ذلك لولا تدخل ومساندة عناصر الحرس الثوري الإيراني!
ضربوا مواقع عسكرية سعودية في مدينة جدة الساحلية فقالوا صواريخ إيرانية قادمة من اليمن تستهدف مكة المكرمة!
استطاعوا أن يوصلوا صواريخهم وطائراتهم المسيرة إلى الرياض والدمام وبقيق ويستهدفوا مواقع عسكرية واقتصادية حساسة جِـدًّا وما زالوا مع ذلك في نظرهم مُجَـرّد شوية (مبردقين) وَ(متخلفين) لا علم لهم بقتال لولا إمدَادهم بالخبراء والصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية!
يعني ناس أثبتوا للعالم أجمع أنهم أصحاب مشروع وإرادَة صلبة وإصرار عجيب على الصمود والمواجهة لدرجة أنهم لم يدعوا طريقةً ولا حيلةً إلا وجاءوا عدوهم بها ومن خلالها وأصحابنا هناك أشبعوا العالم عويلاً وصراخاً وتحريضاً على إيران وأم إيران واللي خلفوا إيران زعماً منهم طبعاً أنها هي من تزود الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة والخبراء ووووو..!
ولنفرض جدلاً أن الحوثيين لم يصنعوا ولم يطوروا أسلحتهم كما يقولون وأن إيران هي من تمدهم بذلك، فمُجَـرّد دخول ووصول هذه الأسلحة إليهم في ظل حصاركم المطبق عليهم يعد بحد ذاته إنجازاً يحسب لهم وليس عليهم!
وماذا يعني – إن صحت رواياتكم – أن يتلقى الحوثيون المحاصرون سلاحاً أَو تجهيزاتٍ عسكرية من إيران المحاصرة أَيْـضاً أَو من موزمبيق أَو نيكاراغوا أَو حتى من بلاد واق الواق لا تعادل في الأصل في مجموعها 1% أَو أقل من أصغر صفقة أسلحة تعقدونها مع أصغر دولة مصدرة للسلاح؟
أليست معظم تجارة العالم من الأسلحة الحديثة والمتطورة وصفقاتها تذهب إليكم بما يعادل قيمتها مئات المليارات من الدولارات سنوياً؟
أليست أمريكا وبريطانيا وفرنسا وحتى إسرائيل يزودونكم بأحدث ما ابتكرته أيادي الإنسان من أسلحةٍ بمختلف أنواعها، أم تريدون أن تفهمونا أنكم أنتم من تصنعون أسلحتكم وتطورونها بأنفسكم؟
سأقولها لكم وبكل صراحة أنكم فشلتم، فشلتم ليس في تقدير قوة وباس وعزيمة خصومكم فحسب ولكن حتى في إدارة الصراع والتحكم بمجرياته ثم بعد ذلك تستخسرون وتستكثرون على مثل هؤلاءِ (الحفاة العراة المبردقين والقادمين من الكهوف) مُجَـرّد الاعتراف بهم وبأنهم لقنوكم درساً لن تنسوه في البطولة والتفاني والصمود وتذهبون تَعْزُون ذلك كله جهالةً ولؤماً إلى إيران!
ليس ذلك فحسب، ولكنكم فشلتم أَيْـضاً حتى في إقناع الشارع اليمني وتأليبه على الحوثيين رغم امتلاككم لواحدة من كبريات الإمبراطوريات الإعلامية العظمى في العالم في الوقت الذي نجح فيه الحوثيون بإمْكَانياتهم ووسائلهم البسيطة والمحدودة في استقطاب معظم الشارع اليمني والتأثير عليه حتى غدا يمتلك اليوم حاضنة اجتماعية وشعبيّة واسعة وقادرة على اسناده ورفده بكل ما يحتاج إليه من مقومات النصر وعوامل الصمود.
هكذا فشلتم وهكذا أصبحتم محل سخرية واستهزاء العالم بفعل استكباركم وغطرستكم الزائفة وهكذا استطاع الحوثيون أن يفرضوا أنفسهم أمامكم ويجعلوا من أنفسهم رقماً صعباً يشار إليه بالبنان في المنطقة، ثم بعد ذلك تتساءلون: لماذا لم تستطيعوا كسر شوكة هؤلاء القادمين من وراء التاريخ وغياهب (الكهوف)!
حقاً كم أنتم أغبياء!