السلمُ والحوارُ والثورة
عبد الرحمن مراد
لعلَّ اشتغالَ القوى السياسية على السلام وكذا الأمم المتحدة على الحوار والسلام يجعلُ كُـلَّ الأطراف المتضادَّة أمامَ مفردة “السلام” كقضيةٍ وطنيةٍ وليس كشعار، واشتغال كُـلِّ الأطراف على مبدأ السلام يُفضِي بالضرورة إلى القول بوجوبِ إعلان المصالحة مع التاريخ، ومن ثَمَّ نفي التاريخ لتبدأ مرحلة تاريخية جديدة من معالمها القولُ بالفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية) وإعادةُ بناء المؤسّسة العسكرية على أُسُسٍ وطنية، وتكونُ من ضمن مهامها حمايةُ السيادة الوطنية والانتصارُ للدستور وحماية شرعيته، بحيث تصبحُ مؤسّسةً وطنيةً محايدةً، والانتقال من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني، ومن نظام الدائرة الانتخابية إلى نظام القائمة النسبية، وإعادة هيكلة الدولة والمؤسّسات بما يتوافق والتطورات العصرية وبحيث يصبحُ الجهازُ المركزي للرقابة والمحاسبة تابعاً للسلطة التشريعية، والهيئة العامة لمكافحة الفساد تابعة للسلطة القضائية بما يحقّق حَــدَّ السلطات لبعضها البعض وتعديلَ قانون المجالس المحلية، بحيث يمنع التداخل بين التنفيذي والرقابي وفصل المجلس المحلي أَو البلدي عن المجلس التنفيذي، وبحيث يتحولُ أمين عام المجلس إلى رئيس للمجلس المحلي أَو البلدي، ويصبح المحافظ مع مكتبه التنفيذي مسئولاً أمام المجلس المحلي ومسائلاً من قبله والعمل على تطوير النظام الاجتماعي، بحيث تتحوَّلُ مصلحةُ القبائل إلى مجلسٍ للشيوخ، له فروعٌ في المحافظات وله اجتماعاتٌ دورية ومن مهامه الوقوف أمام ظاهرة الثأر ومساندة الأجهزة الأمنية في تحقيق الأمن والسكينة والإسهام في عصرنة البُنية الاجتماعية، وبما يكفل خروجَها من وعي الغنيمة إلى الوعي الإنتاجي وتطوير نظمها وأدواتها وتجديد عُرفها بما يتوافق ومظاهر العصر الحضارية وترسيخ دولة المواطنين وهو المشروع الحضاري الذي اشتغلت عليه حركة (13 يونيو)، وكانت له محاسنُه ونجاحاتُه مع ما عاناه من ضيق أُفُقٍ وقيدٍ في الحريات حسب تجليات المرحلة الزمنية ومناخاتها الوطنية والإقليمية والدولية.
إنَّ أزمةَ العقل السياسي العربي تنحصر في ثلاثة محدّدات هي: القبيلة، الغنيمة، العقيدة.. كما عبر عن ذلك الجابري في كتابه “العقل السياسي العربي” ومن الغنيمة، والعقيدة، تجلّت أزمةُ القيم التي برزت بشكل جلي وواضح منذ “السقيفة” ووصلت ذروتَها في زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان، حَيثُ انشغل الناسُ في زمنه بالدنيا وتنمية الأموال، فزاد الأغنياءُ غنىً والأقوياء قوةً، ولم تتحسن أوضاع المستضعفين، وكان لميل عُثمانَ إلى ذوي قُرباه وإيثارِه لهم في الثروة والسلطة أثرٌ في خروج عبادة بن الصامت، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر.. منكرين سوءَ الفعل ومحذرين من عاقبته التي كانت اغتيالاً أشعل فتنةً ظلت متقدةَ الأُوار في مراحل التاريخ المختلفة، وهو الأمر الذي يضعنا أمام سؤال تاريخي كبير يبحث عن إجَابَة له شافيةٍ من بين تجاعيد الأزمة السياسية الحالية التي تعصفُ بالأمة أجمع وباليمن على وجه الخصوص، وذلك في سياق من التلقي والاتصال كوسيلة تفاعل أَسَاسية بين الجماعات للتحكم بالأنظمة المادية والرمزية في سياقها التاريخي والثقافي، ومِن حَيثُ تقبُّلِ الحدث وإعادة إنتاج دلالته في وسط زمني مغاير لتشابه الأسباب والدوافع.
لذلك فالقولُ بالخروج من وعي المحدّدات الثلاث ومن ظلال المحدّدات التي أوصلتنا إلى أزمة القيم التي بدت جليةً وواضحة في جُلِّ المسلكيات وفي الخطاب السياسي الذي تفاعل مع الحدث السياسي في صورته المقروءة في الواقع المعيش يتطلب وعياً حداثياً عصرياً مغايراً.
وحين يتحقّق الوعيُ الحداثي تصبح هناك ثورةٌ ذاتُ هُــوِيَّةٍ حضارية وإيمانية وذات قيمة ومضمون وشكل، تتجاوز من خلال المضمون والمعنى والقيمة حالة الفراغ التي كان عليها المرتزِقة –أقصد ثوار فبراير- وحالة العدمية التي قدمتهم كثورةٍ مفقودةِ الأثر في ظل ظروف كُـلِّ القيم وتباعدها وتكتل اليائسين من المستقبل.