الجنوب على هاوية النار
غالب المقدم
بات أيُّ مراقب للوضع في المحافظات الجنوبية، وما تمر به من حرائق، يجد نفسه يقف أمام فوهة بركان، تنذر بالانفجار الكبير قريباً، أَو يمشي وسط حقل مليء بالألغام، وكلُّها طرق تؤدي للموت والهلاك، وليس للنجاة والحياة.
فقد تحوّلت المدن الجنوبية، إلى ساحة للأطماع والمطامع الاحتلالية الساعية للخراب، والتي استطاعت إشعالَ فتيل الفتنة، وإذكاء نار الصراعات، والنزاعات، والانقسامات، والقتل، والاقتتال، والتدمير والخراب، على يد أبناء المدن نفسها، والتي استخدمها المستعمرُ الصهيونيُّ كأدوات لتنفيذ وتمرير مشاريعه التي يهدف إلى السيطرة والاستحواذ على كُـلّ مقدرات وثروات المحافظات الجنوبية عبرها.
اليوم يعاود الغربُ الاستعماريُّ احتلال ما كان محتلًّا من جديد، بقيادة أمريكا، بعدما أرسى مشاريعه وخططه الاستراتيجية، بعد رحيله عبر أدواته، والتي تهدف إلى إمْكَانية تحقيق أطماعه في كُـلِّ أرجاء الوطن العربي عُمُـومًا، واليمن خُصُوصاً؛ لما له من أهميّة تاريخية وجغرافية، وبالذات المحافظات الجنوبية، التي كانت وما زالت محطة أطماع الغزاة العابرين على مر التاريخ.
فقد كثّـفت جهوده لأن يجعل المدن الجنوبية بيئة خصبة، وحاضنة للصراعات الأثنية، والإرهاب والدمار والخراب، وليس للأمن والبناء والحياة، على يد أدواته دولتي الاحتلال “السعودية والإمارات”، التي استطاعت أن تستخدم كُـلّ المعنيين السابقين والحاضرين، وتحاول تهيئة المستقبليين، كأدوات مسخرة لخدمة تلك المشاريع الهادمة للوطن، أرضاً وإنساناً، وبالدرجة الأولى بمحاولة سلخ الشعور اليمني الموحد، مما يجعلها قادرةً على التدخل والتوغل ومد النفوذ وإحكام السيطرة، ونهب الثروات، كخطوة أولى، ومن ثم يسهل عليها تنفيذُ مهامها الأُخرى، لتبقى المناطقُ التي تقع تحت سيطرتها، إما عبارة عن كانتونات، أَو مربعات ومجاميع يسهل اختراقها وتجنيدها لأجنداته التي تخدم بالمقام الأول الكيان الصهيوني والعدوّ الأمريكي والبريطاني تحت مسميات عدة، كمحاربة الإرهاب أَو محاربة المد الإيراني، وغيرها من العناوين البراقة المسمومة.
ومع اتّضاح صورة المشهد المرعب في الجنوب، الذي يبشر بنزيف الدم وسفك الأرواح، ومضاعفة المعاناة، وتغييب أية معالم للعيش، والاستقرار، سواءٌ أكان صحياً أَو تعليمياً أَو ثقافيًّا وغيره، في واقع مرير وعصيب على كافة أبناء المحافظات الجنوبية، بل إن العدوان السعودي الإماراتي، حوّل عدنَ وبقيةَ المحافظات الجنوبية إلى مستنقع حرب، يتم فيه استخدام المرتزِقةِ كوقود لها، والشعب اليمني في الجنوب هو الوحيد ضحية هذا الصراع الكارثي بين تلك الأدوات.
الكارثة هنا تكمن في أنه ما يزال الكثيرون من قيادات المرتزِقة حتى الآن، يحاولون المشي في نفس المسار الذي يجرفهم إلى هاوية النار التي ستظل تحرقهم باستمرار، ولا خلاص لهم منها إلّا بالتخلص من هذا الاحتلال وأدواته القذرة (السعودية والإمارات)، والعودة إلى صف الوطن، والوقوف بوجه الطغاة، ولكن يظل سؤالُ الإنسان اليمني عامة والجنوبي خصوصاً: كيف الخروجُ من هذا كلِّه مع وجود هوامير الفساد وتجار العمالة والحروب، ومهووسي سفك الدم، الذين استفحل فيهم داء العمالة، حتى أصبح مسألةً صعبةَ التّشخيص وصعبة العلاج؟!