جندي الله المجهول
مصطفى العنسي
الشهيد القاضي العلامة المجاهد حسن عبدالكريم أحمد محمد يوسف العنسي -رحمةُ الله تغشاه-، الذي استشهد أثناء أداء واجبه الديني والوطني وهو في عمله مرابطا لم يمنعه مرضُه ولا ضعفه الجسدي ولا آلامه المرضية من تحمل مسؤولياته الجهادية، حَيثُ لم يمل ولم يهن ولم يشعر بالضعف يوماً، بل كان قُدوةً في عمله مخلصا لا يريد شهرة ولا مقاما، ينتج الكثير من الأعمال ويثري العمل الثقافي بأعماله، فكثير من المناهج والخطط التعليمية في الدورات الثقافية والخَاصَّة هي من بحوثه وإعداده وتأليفاته رغم أنها ليست باسمه، ولكن 80 % من إخراج الدائرة الثقافية الجهادية هو من يصيغها بتعبير لسانه وبكتاباته وأنامله يثري العمل الثقافي على ضوء ملازم الشهيد القائد.
حرص على ربط جوانب الأعمال الجهادية بالمنهج المتمثّل بملازم الشهيد القائد، فعلى سبيل المثال في فترة موجزة من فترات حياته الأخيرة طلب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي من الدائرة أن يخرجوا منهجا لتحريك المجتمع، وكذَلك لتحريك الجانب النسائي، فقام في فترة ما يقارب الشهر رغم أنه لم يتم تكليفه بذَلك، بل إضافة لأعماله الأُخرى قام بتأليف:
1- أسس التحَرّك الاجتماعي والتعبوي الناجح.
2- دور المرأة في الإسلام.
3- العقيدة العسكرية.
كانت تعتبر هذه المجلدات حجرَ أَسَاس لكل العاملين والمعنيين، اجتماعيين وثقافيين وعسكريين وَأَيْـضاً في جانب التعبئة العامة والجانب النسائي، واعتبرها السيّد القائد بمثابة رؤية عملية لما تحويه من أسس وموجهات منتقاة ومستوحاة من ملازم الشهيد القائد ومحاضرات السيد القائد -يحفظه الله-، وكانت لا تعطى إلّا لمعنيين محدّدين؛ لكونها من الأعمال الخَاصَّة والخطط الاستراتيجية الداخلية فقط.
كذَلك كان ينجز أعمالَه التي تُوكل إليه، ويعطيه المعنيون فترة شهر لتجهيزها، كان يقوم بتجهيزها وإعدادها وإخراجها خلال يومين فقط، وهذه بركة إلهية انفرد بها عن غيره لحبه الشديد للهدى، فقد كان عاشقاً للهدى كثير الاستماع للقرآن والمحاضرات، كان يستمع يوميًّا محاضرة للشهيد القائد صوتية، وكذَلك محاضرة للسيد القائد مرئية وأجزاء من القرآن، أما البرنامج الذي يقرّر يوميًّا من ملزمة الأسبوع فقد كان يستمعه ثلاث مرات باليوم بعد الفجر والساعة الثالثة عصرا والساعة الرابعة عصرا، وكان كَثيراً ما يوصينا بأن نُكثرَ من الاستغفار والتسبيح، ففي آخر أَيَّـام حياته كان ينام من الساعة 9 مساء حتى الساعة 1 بعد منتصف الليل ليقوم بعدها متهجدا مستغفرا، تارة يقرأ القرآن وتارة يتهجد وينهش بالبكاء متذرعاً بين يدي الله بعيدًا عن الناس ينام لمفرده منعزلا عن الآخرين حتى لا يراه أحد وحتى لا يكون للرياء سبيلٌ إليه، وإنّما تسللت في إحدى الليالي لأراه على ذَلك النحو متبتلاً أوَّاباً.
كان من العلماء الربانيين قوي الارتباط بالله عظيم الثقة به، كان زاهدا في أكله وملبسه ورعا متورعا عن مال سبيل الله، وكان ينصحنا دائماً بأن نكون خفيفي المؤنة على سبيل الله، وأن لا نعتبر العمل في سبيل الله مغنماً، كان يحرص على أن يكون نزيها من التلوث بأية أموال حتى عندما يهدى شيئاً من أحد كان يحرص على أن يعرف مصدر الهدية حتى لا يكون من المال العام أَو من مصادرَ مشبوهة.
كان كثير التأمل في آيات الله، وكثير الاطلاع والمتابعة للأحداث؛ لذَلك كان رهيف الحس مشرعب البال واسع الفكر عميق الرؤية بعيد النظرة.
يتعظ من الماضي وتبعاته، ويفهم الحاضر ومجريات الأحداث فيه، ويتطلع للمستقبل بكل توقعاته، فلا تخيب والله توقعاته ولا تتغير قناعاته؛ لأَنَّ كُـلّ حساباته تستند إلى براهين آيات الله في كتابه ومعطيات الأحداث في واقع الحياة من حوله.
ومما تميّز به ولاؤه العظيم للشهيد القائد وللسيد القائد، ولا يجامل أحداً في الولاء، بل نراه قاسياً مفعماً ومحمرَّ الوجه عندما يتناقش مع أحد العلماء غير المقتنعين بأعلام الهدى، كان يوالي من يواليهم ويعادي من يعاديهم.
هذه الشخصية الفريدة التي تميّزت بالإخلاص لله درس على يد عدد من العلماء في صعدة، منهم السيد العلامة يحيى راوية -رحمه الله-، والسيد العلامة المجاهد بدر الدين بن أمير الدين الحوثي، ورافقه قرابة العشر سنوات، وتعرض للمضايقات من النظام السابق في 94 أثناء الحرب على الجنوب وطُورد هو ووالده، وسجن أخوه محمد واستشهد بعد خروجه من السجن متأثرا جراء التعذيب الذي لاقاه في السجن بدون أي مبرّر إلّا لعلاقاتهم ومواقفهم المؤيدة للسيد حسين بدر الدين الحوثي الرافض للحرب؛ ولأَنَّ الشهيدَ المجاهد القاضي حسن عبدالكريم العنسي كان على صلة وثيقة بالشهيد القائد فلا زالت بمكتبته كتب أهداها له الشهيد القائد.
وهذا الذي أزعج النظام السابق المتمثل في عفاش وأزلامه، وكان يرسل عفاش بشخصيات لا أحب ذكرَها ليراجعوا الشهيد القاضي حسن بأن يتراجع عن موقفه المناهض للنظام.
ولكنه رفض في السر مغريات من عفاش، عرض عليه وزارة الدفاع أَو العدل أَو أية وزارة يختارها، فرفض أُستاذنا ومعلمنا، وقال والله لن تجدوني إلّا حَيثُ تكرهون، فسلام الله على روحه الطاهرة.