مكانة الاستخبارات في السياسة الخارجية الأمريكية
أنس القاضي
إدارة المخابرات المركزية -التي تتبعُ مباشرةً للرئيس الأمريكي- تحتلُّ مكانةً خَاصَّةً في آلية السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.
إن قادةَ الولايات المتحدة لا يفكرون في تحقيق برامج السياسية الخارجية لبلادهم دون اللجوء إلى التجسس والتخريب، واستخدام العنف في العلاقات الدولية، وتنشط المسارات الاستخباراتية للولايات المتحدة الأمريكية تحتَ ستار الدوائر الخَاصَّة، بما في ذلك الستار الدبلوماسي، ويوجه النشاط الدبلوماسي الأمريكي إلى خصوم الولايات المتحدة وإلى حلفائها أَيْـضاً.
ويظهر جلياً الطابعُ العدواني لإدارة المخابرات المركزية الأمريكية والهيئات التابعة لها، إذ تستند سياسةُ هذه الدوائر إلى المفهوم الخاطئ “للإرهاب العالمي”، فتحت هذا العنوان تمارس الولايات المتحدة الأمريكية أشكالاً من التدخلات التي تهدف إلى مقاوَمةِ التقدم وسلب الشعوب حقوقها وحرياتها، وقد تطور مفهومُ الإرهاب لدى أجهزة الاستخبارات الأمريكية مِن ما سُمي بالإرهاب الشيوعي سابقًا، إلى ما يُسمى بالإرهاب الإسلامي حَـاليًّا.
التدخل الأجنبي عبر القوة العسكرية والتجسس والنشاطات التخريبية والحصار الاقتصادي والحرب النفسية أبرزُ الوسائل التي تستخدمها الامبريالية الأمريكية لمحاصرة التحولات الاجتماعية في العالم وكل نضال شعبي نحو التحر والاستقلال السياسي والاقتصادي.
الأهدافُ السياسية الخارجية للإدارة الأمريكية لا تعكسُ الحاجات الوطنية للدولة الأمريكية وشعبها، وكل ما يقدمه الرؤساء الأمريكيون على أنه حاجات البلاد ليس إلا مزيجٌ من حاجات الطبقة الحاكمة والمجموعات المتسلطة في الولايات المتحدة التي تسيطر على مصادر الثروة وتملك رقابَ المواطنين الأمريكيين دافعي الضرائب.
وعلى نقيض الاحتياجات المحلية الأمريكية فَـإنَّ الإدارات الأمريكية تصيغ السياسات الخارجية بما يخدم مصالح الهيئات العسكرية داخل البلاد والشركات الاحتكارية العاملة خارجها.
ودَوماً تعبر عسكرة السياسة عن السعي الدؤوب للطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية للمحافظة على التفوق العسكري والسياسي والاقتصادي لأمريكا.
الرغبات الأنانية للمجمع الصناعي الحربي الأمريكي هي مصدرُ التخريب للعلاقات الدولية، وتعبر عن التأثير المتزايد للاحتكارات التجارية والصناعية والمالية في الولايات المتحدة الأمريكية، على سياستها الخارجية.
وتُعد مسألة المحافظة على مواقع الشركات الاحتكارية وخَاصَّة الاحتكارات النفطية في العالم العربي ومناطق الخليج وشمالي إفريقيا، أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت البيت الأبيض لاتِّخاذ قرار بتشكيل “قوات التدخل السريع” وأحد الأسباب الرئيسية التي أشعلت حربَي الخليج الأولى والثانية وكذا غزو العراق والعدوان على سوريا وليبيا والعدوان الراهن على الجمهورية اليمنية.
يطلقون في الولايات المتحدة الأمريكية أحياناً على المجمع الصناعي اسمَ المجمع الصناعي الحربي التجسسي. يؤكّـد هذا التوصيف الأمريكي على أن التجسس يمثل الجزءَ الأَسَاسي من نشاط هذا المجمع الصناعي الحربي. ومن جهة أُخرى فَـإنَّ هذا التوصيف يُشير إلى القيمة الكبرى التي يمنحها هذا المجمع لتحديث وتقوية القدرة التجسسية للولايات المتحدة الأمريكية، التي يسخرها المجمعُ لخدمة أهدافه العدوانية في أنحاء العالم.
صرّح الرئيس ريغان أثناء وضع حجر الأَسَاس لبناء المقر الجديد لإدارة المخابرات المركزية في لينغلي في 24 أيار عام 1984:
“أنا واثق أن المؤرخين سيخلُصون إلى نتيجة أنه لم يلعب أحدٌ دوراً فعالاً في عصرنا القلق هذا أكثر منكم أنتم، يا من تعملون هنا في إدارة المخابرات المركزية”.
أصبح تصعيد النشاطات العسكرية الاستخباراتية جزءاً أَسَاسياً من سياسة الإرهاب المتبعة في الولايات المتحدة الأمريكية التي تشمل: القتل، والتخريب، والشغب والتهديد في المجالات العسكرية والاقتصادية والفكرية، كُـلُّ هذا يرقى إلى مقام إرهاب الدولة التي تمارسه الولايات المتحدة وتتهم به الآخرين.
تعملُ خلفَ قناع “النضال ضد الإرهاب” ستٌّ وعشرون هيئة حكومية في الولايات المتحدة الأمريكية. وتنسق إدارة المخابرات المركزية هذه العملية. وقد رآها رؤساءُ الولايات المتحدة الأمريكية الثمانية، الذي تعاقبوا بعد الحرب العالمية الثانية من قادة الحزبين الديموقراطي والجمهوري، في إدارة المخابرات المركزية سلاحاً سرياً وثميناً للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
إن المبادئ والطرق الإجرامية التي يتبعها البيت الأبيض في توجيه نشاط المنظومة الاستخبارية هي فكرة عبر عنها الرئيس الأمريكي جيرالد فورد:
“إن التجسسَ في العصر الحديث ضروري جِـدًّا لتحقيق أمننا الوطني، وأكثر من ذلك فهو ضروري لاستمرارنا، إن دور التجسس يمكن أن يكونَ أكثرَ أهميّة في زمن السلم، ناهيك عن زمن الحرب”.
وما يسميه رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية بالأمن الوطني هو سياسةُ العدوان والتخريب في بلدان الآخرين، السياسة العدوانية الذي يشهد لها الواقع التاريخي الملموس في شرق أُورُوبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.