التطبيع والانبطاح للصهاينة مقابل الصحراء الغربية
مقايضة مغربية فاشلة
المسيرة / عبدالقوي السباعي
درسنا في كتب الجغرافيا من الابتدائية حتى الثانوية العامة، أن مضيقَ جبل طارق ممر مائي عربي خاضع لسلطان المملكة المغربية، فيما اتضح حقيقاً أنهُ يقع تحت إشراف إسبانيا ومنطقة حكم ذاتي تابع للتاج الملكي البريطاني، ليس هذا فحسب، فـ(سبتة) المدينة المغربية الأصل محتلّة من طرف إسبانيا ومساحتها قرابة 28 كم² ومحاطة من كل الأطراف بالأراضي المغربية، ففي عام 1415م، استولت البرتغال على سبتة من المغرب وبعد قرنين وربع انتزعها منهم الإسبان في 1640م، أما مدينة مليلية المغربية المحتلّة، قبالة الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة الإيبيرية، وتحيط بها الأراضي الريفية المغربية من كُـلّ الأطراف، يحدُّها من الشرق والشمال الشرقي البحر الأبيض المتوسط، وتبلغ مساحتها 12,3 كم2، ويبلغ عدد سكان مليلية 78,476 ألف نسمة، يتألف سكانها من المسيحيين (65 %) ومن المسلمين (35 %)، مع وجود أقلية يهودية وهندوسية، وقد أصبحت المنطقة المكونة من سبتة ومليلية والجزر الجعفرية منذ عام 1995م، تتمتع بصيغة الحكم الذاتي داخل إسبانيا بقرار البرلمان الإسباني عام 1995م.
في المقابل نرى الصحراء الغربية، وهي منطقة مُتنازع عليها، تقعُ في المغرب العربي وتحديداً في منطقة شمال غرب أفريقيا، حَيثُ يُسيطر المغرب على جزء كبير منها، فيما تَعتبرها دول أُخرى منطقة مُستعمَرة في عملية تصنيف الاستعمار، وتسعى الأمم المتحدة والاتّحاد الإفريقي بإصدار قرارات لإيجاد حَـلٍّ نحو عملية تقرير المصير لسكان الصحراء، يحدها من جهة الشمال دولة المغرب بينما تحدها الجزائر من الجهة الشرقية، ثم موريتانيا من الجهة الجنوبية، فالمحيط الأطلسي من الغرب، وتبلغ مساحتها حوالي 266,000 كم2، وهي واحدة من الدول الأقل كثافة سكانية في العالم، حَيثُ تتكون أَسَاساً من صحراء مستوية، إلا أن عدد سكانها يتجاوز الـ 500,000 نسمة، ويعيش نحو 40 % في مدينة العيون كبرى مدن الصحراء الغربية.
تم احتلالُ الصحراء الغربية من قبل إسبانيا حتى أواخر القرن العشرين، وهي اليوم ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المحكومة ذاتياً، وذلك منذ عام 1963م بعدما قدّم المغرب طلباً بهذا الخصوص، في عام 1965م، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الأول بشأن الصحراء الغربية، حَيثُ ساءلت فيه إسبانيا حول ملكية الإقليم، وبعد عام واحد، تم إصدارُ قرار جديد من الجمعية العامة تطلب فيه إجراء استفتاء عُقد في إسبانيا؛ مِن أجلِ تقرير مصير المنطقة، وفي عام 1975م، تخلّت إسبانيا عن الرقابة الإدارية للإقليم ثم منحت هذه الرقابة لإدارة مشتركة بين المغرب (الذي ادّعى أن الإقليم تابع له رسميًّا منذ عام 1975م) وموريتانيا.
واندلعت حرب بين البلدين حول ملكية المنطقة، فتأسست حركة قومية صحراوية محلية عُرفت بجبهة البوليساريو والتي أعلنت في وقتٍ لاحق عن تأسيسها (الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية) ومدينة العيون عاصمة لها، وشكلت حكومتها في المنفى في “تندوف” بالجزائر، ولا تزال حتى اليوم مثار خلاف وتنافس بين الأطراف العربية في المنطقة.
عُمُـومًا، حاولت مجتهداً بالبحث عن أدنى سببٍ يجعل من المملكة المغربية تصمت كُـلَّ هذه المدة الزمنية عن حقها في السيادة على أغنى إقليم في الشمال الأفريقي المتمثل بـ(مضيق جبل طارق ومجموعة جزر الجعفرية وأرخبيل الجزر الحاكمة على البحر المتوسط والمضيق ومدينتي سبتة ومليلية)، والتي تقع تحت الاحتلال والتابعية إما للتاج الملكي الإسباني أَو التاج الملكي البريطاني، وعن أصغر مبرّر يجوّز تمسكها بالصحراء الغربية ويبرّر عداءَها لجيرانها من العرب وقتالها لهم، ومطاردة عناصر جبهة البوليساريو في كُـلِّ بقاع العالم وتعمل جاهدة على إدراجها ضمن قائمة الإرهاب الدولي.
كما حاولت أن أفهم السبب الذي دفع برئيس حكومة الكيان الصهيوني الأسبق “إيهود باراك” لينشر صورة قديمة تعود لأكثر من أربعين عاماً مع الملك المغربي الحالي “محمد السادس” في الرباط أثناء زيارة سرية له إلى المغرب في زمن الملك الراحل الحسن الثاني “باراك”، كتب أسفل الصورة أنها كانت أثناء زيارة للمغرب، وأنه قدّم هدية لولي العهد آنذاك عبارة عن حاسب آلي صناعة إسرائيلية، وكأن الرجلَ أراد أن يقول للمغاربة إن العلاقات بيننا قديمة وليست وليدة اللحظة وما بيننا أكبر من العلاقة العلنية التي صنعها “ترامب ونتنياهو” باتّفاقية تطبيع، ليأتي في أثره الصحفي المقرب من دوائر الأمن الصهيونية “يوسي ميلمان” ويفجر مفاجأة حول العلاقات الاستخبارية بين الطرفين وقيام المغرب بتقديم معلومات مهمة للكيان.
من هنا نستطيع أن نفهم كيف يفكر الإسرائيليون؟، وماذا يعني أن تفتح أبوابك لهم تحت مسمى العلاقات الطبيعية؟، التي غالبًا لا تجلب المنافع إلَّا لهم، فبالنسبة لصناع السياسية الإسرائيليين ليس مهماً التبعاتُ على النظام الذي قرّر أن يخالف مزاج شارعه وجماهيره بالذهاب إلى هذه العلاقة غير المقبولة، المهم ماذا سيحقّقون؟، واختراق المغرب العربي بهذا الشكل وانطلاق الرحلات التجارية وغيرها من “تل أبيب” إلى شمال أفريقيا مباشرة يعني الكثير لقادة الاحتلال، فهم يحلمون دوماً بأفريقيا المطبعة من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب.
لكن ما حاول المغرب إثارته من أن ثمن التطبيع مع كيان الاحتلال، هو اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على الصحراء الغربية والذي يبدو غير منطقي، فالسؤال الذي يطرح نفسه هل حقاً كانت المسألة مقايضة بين المغرب والولايات المتحدة لا سِـيَّـما أن أياً من الإدارات الأمريكية السابقة لم تذهب يوماً للتفكير باعتراف بسيادة المغرب على هذه الصحراء التي تسيطر على معظمها جبهة البوليساريو؟!
والأهم ماذا سيستفيد المغرب من هذا الاعتراف؟، وهل سيغير من واقع الصراع القائم على هذه الصحراء في ظل الدعم الإقليمي للبوليساريو؟، أم أن المغرب أراد ذريعة فقط كي يقدمها للرأي العام لتبرير هذه القفزة الخيانية وهو يرأس لجنة القدس ويطرح نفسه بأنه حامي المدينة المقدسة، فإذاً لماذا قرّرت حكومة المغرب تدريس الثقافة اليهودية كمقرّر منهجي في مدارسها؟!
إن اعترافَ الولايات المتحدة بالخارطة المغربية التي تضم الصحراء الغربية، لن يمنح المغرب حقًّا قانونيًّا في هذه الصحراء، ما دامت قرارات الأمم المتحدة تخالف هذا الاعتراف، وما دامت الدول الفاعلة وعلى رأسها الجزائر ستبقى على مواقفها الداعمة للبوليساريو، فماذا سيستفيد المغرب؟، وماذا سيجني من هذا الاعتراف؟
وبعيدًا عن قضية الصحراء الغربية، فَـإنَّ حركة التطبيع العربية الجديدة والتي على ما يبدو ستكتمل قبل مغادرة ترامب، ستظهر في كُـلِّ مرة كمقايضة لكنها في الحقيقة مقايضة فاشلة؛ لأَنَّ من يدفع الثمن ليس المقايضون وإنما الفلسطينيون والقضية الفلسطينية.