المسارعةُ نحو السقوط
د. فاطمة بخيت
خطوة تلو أُخرى، تليها خطواتٌ، ثم هرولةٌ صنعت مشاهدَ لم تكن أحداثُها سيناريو أَو قصةً خطتها ريشةُ مؤلف أَو كاتب، وإنّما واقعٌ مُرٌّ بدت تفاصيلُه فوقَ ما يخطر على بالِ الكثيرِ من الناس.
فمع أنّه لا يكاد يمر يومٌ من هذه الأيّام إلا ويطالعنا بأحداث تعكس مدى السقوط الذي وصل إليه حكامُ الخليج المتصهينون من التطبيع مع عدو الدين والإنسانية، وتقديم قضية الأُمَّــة قرباناً يتقربون به إلى أسيادهم الأمريكيين والإسرائيليين، إلا أنّ بعضَ الأحداث قد تبدو استثنائيةً ومستفزةً أكثرَ من غيرها لمن لا زالت لديه غيرةٌ أَو حمية تجاه المقدسات الإسلامية.
ومن ذلك ما حدث في الأيّام الماضية من القيام بالصلاة أمام أول حائط مبكى في الإمارات، ضم الصهاينةَ ومن تصهين معهم، ممن باعوا الدين والقضية مع دفع الثمن، وأدائهم للعديد من الشعائر الدينية اليهودية، كذلك شراء نادٍ رياضي “إسرائيلي” متطرف من قِبل أحد أبناء العائلة الإماراتية الحاكمة، مع أنّ النادي معروفٌ بعنصريته وكراهيته المفرطة للعرب والمسلمين، إضافةً إلى الشعارات والشتائم التي توجّـه ضد الدين الإسلامي ورسول الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيه، إلا أنّ ذلك لم يعد يعنيهم وليس له وجودٌ في حساباتهم.
أما ما حدث يوم السبت، (19- ديسمبر- 2020) من زيارة الحاخام الإسرائيلي الأكبر السفارديم، يتسحاق يوسف للإمارات وافتتاح مدرسه ومعبد يهوديين وتدشين حضانة يهودية، فيعد مرحلةً جديدةً من تهويد الأراضي العربية والإسلامية تحت عنوان التسامح والتعايش والتنوع الديني وغيرها من المسميات، والغاية من ذلك أن يتمكّن اليهود الموجودون في الإمارات الذين يبلغ عددُهم نحو ثلاثة آلاف يهودي من الوصول إلى المؤسّسات والخدمات اليهودية، لتؤمن لهم كُـلّ سبل العيش للإقامة هناك. وقد تلحق بركبها في ذلك بقية الدول المطبِّعة مثل البحرين التي تسعى لترميم الكنيس اليهودي القديم في العاصمة المنامة لبدءِ عهدٍ جديد مع الصهاينة.
ومنذ تطبيع الإمارات مع “إسرائيل” في سبتمبر الماضي برعاية دونالد ترامب، وباب التطبيع يمضي على وتيرة متسارعة ليشملَ المجالاتِ السياسيةَ والاقتصادية والسياحية والثقافية.
أما السعودية فلا زالت تمهّد للتطبيع مع “إسرائيل” من خلال الزيارات المتبادلة بين الطرفين، والسعي لطمس الهُــوِيَّة الإسلامية بالتحضير لما يسمى بوثيقة مكة التاريخية، وحذف النصوص القرآنية من الكتب الدراسية التي تحُثُّ على الجهاد، وذلك تماشياً مع الرغبة الإسرائيلية، وغيرها من العلاقات التي تمهد للتطبيع مع العدوّ الإسرائيلي.
إنّ ما يفعله حكامُ الخليج ومَن دار في فلكهم ممن سقطوا في وحل العمالة والخيانة يُعد خيانةً عظمى للدين والمسلمين عامة، حَيثُ أصبح هؤلاءِ يسارعون لخدمة المشروع الشيطاني أكثر من اليهود أنفسهم، وما يفعلونه من الانفتاح على ذلك المشروع ليس تطبيعاً فحسب، بل تآمرٌ على القضية الفلسطينية والأمة الإسلامية، يؤكّـد مصداقَ ذلك الاتّفاقيات التي عُقدت مع العدوّ الإسرائيلي، وبيع أرض فلسطين لهم من قِبل عبدالعزيز بن سعود مقابل ثمن بخس.
وما تلا ذلك من أحداث، ومساعدة الأمريكيين لاحتلال العراق، ونشر الصراعات في سوريا وليبيا، وعدوانهم الوحشي على اليمن من قِبل تحالف ضم العشرات من الدول العربية والأجنبية تم الإعلان عنه من واشنطن، وقتل اليمنيين وتدمير ممتلكاتهم ونهب ثرواتهم واحتلال أراضيهم، ونشر الصراعات بين الأدوات في الجنوب والمناطق المحتلّة، كُـلُّ ذلك خير شاهد على مدى ذلك التآمر على الدين والأمة.
وستكلفهم تلك المواقفُ التي تعد انتهاكاتٍ صارخةً بحق الدين والمسلمين الكثير والكثير، ولن ينفعَهم حينَها البكاءُ، ولا الحسرةُ والندامة.
ومن الغريب جِـدًّا صمتُ الكثير من الشعوب العربية والإسلامية تجاه ما تشاهده من أحداث ضد الدين والأمة، ولم يكن لها أدنى موقف يعبّر عن رفضها وإدانتها لما يحدث، ناهيك عمن قام بالتطبيع مع العدوّ من الحكومات العربية التي حذت حذوَ حكام الخليج مثل النظام السوداني، والنظام المغربي مؤخّراً، مع أنّ تبعات ما يجري ستكونُ كارثيةً ليس على الأنظمة الخليجية وحدَها، بل على الأُمَّــة الإسلامية جمعاء، ولن يشفعَ لتلك الأنظمة تبعيتُهم لليهود والأمريكان، بل ستكون نهايتُهم وخيمةً على أيديهم، وكما قال الحق جل وعلا: “وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ، قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ”.
ويبدو من تفاصيل ما يحدث أنّ هذه السلطاتِ المطبعةَ لم تقدم على ما أقدمت عليه إلا لمعرفتها أنّها لن تجدَ من يعترضها أَو يقفُ أمامها؛ لأَنَّها هيأت الساحةَ جيِّدًا لإقامة المشروع الشيطاني في المنطقة بالتعاون مع أعداء الأُمَّــة منذ زمن طويل، وما هذا الصمت المريب والذل المهين إلا دليل ذلك، ونتيجة طبيعية له، لإنجاح مخطّطاتها ومشاريعها.
ولن ينقذَ الأُمَّــةَ من معاناتها إلا العودةُ إلى القرآن وقرناءُ القرآن والتمسكُ بالهُــوِيَّة الإيمانية التي ستنتصرُ بها على كُـلّ المخطّطات الشيطانية.