الهجوم “المدبَّـر” على مطار عدن: انفجارُ “الاتفاق” المفخَّخ!
مقتل وإصابة أكثر من 133 شخصاً بينهم مسؤولون مرتزقة وأفراد من طاقم الصليب الأحمر
استهداف متعمد للمدنيين ومحاولة متكرّرة لتوظيف الجريمة ضد “صنعاء”
المسيرة | خاص
جاء استهدافُ مطار عدن الدولي لحظةَ وصول حكومة المرتزِقة الجديدة، الأربعاء، مؤكِّـداً على دخول الانقسام الداخلي بين أطراف العدوّ مرحلة جديدة، وهو الأمر الذي كان متوقعاً منذ الإعلان عن تشكيل “حكومة” المحاصَصة تلك، والتي بدا بوضوح أنها مُجَـرَّدُ واجهةٍ دعائية لاستثمار الصراع بين وكلاء العدوان، والتغطية على استمراره برغبة سعودية إماراتية انكشفت ملامحها في استهداف المطار وتداعياته على المشهد.
الهجومُ وُلد من رحم “اتّفاق الرياض”
منذُ سيطرةِ تحالف العدوان على عدن والمحافظات الجنوبية، بات المشهدُ الميداني فيها يتعلق بالصراع بين المرتزِقة وكواليسه أكثرَ مما يتعلقُ بالمعركة بين صنعاء وتحالف العدوان، ولا يمكن تجاهل هذه القاعدة في أية قراءة للأحداث هناك، وخُصُوصاً الهجوم الذي استهدف مطار عدن الدولي أثناء وصول أعضاء حكومة المرتزِقة الجديدة التي شكلها السفير السعودي، محمد آل جابر، تنفيذاً لما يسمى “اتّفاق الرياض” الذي تحاول السعودية استثمارَه كخطوة “سلام” مزيَّفة في اليمن أمام العالم، وَكمِظلة لتوسيع نفوذها في المحافظات الجنوبية عبر إدارة الصراع بين مرتزِقة “الإصلاح” وَ”الانتقالي” الذين لم يخفوا استمرار الخصومة بينهم حتى بعد تقاسم السلطة الشكلية.
الهجومُ الذي تُرجِّحُ التحليلاتُ والمشاهدُ المصورة أنه تم بواسطة قذائف هاون، وربما عُبْوات ناسفة أَيْـضاً في صالة الاستقبال، أسفر عن سقوط أكثر من 133 قتيلاً وجريحاً، بينهم قرابة 23 مسؤولاً في سلطات المرتزِقة، وثلاثة من طاقم اللجنة الدولية للصليب الأحمر (قتلى)، فيما كانت بقية الحصيلة من المدنيين الذين كانوا في المطار بانتظار السفر، وقد بدا أن استهدافَ المدنيين كان متعمَّداً؛ نظراً لطبيعة توظيف العدوان لهذه الجريمة لاحقاً.
لم يصب أيٌّ من أعضاء حكومة المرتزِقة بأذًى، وهكذا بدأت الأسئلة تحومُ حول حقيقة الاستهداف، وكانت كُـلُّ الخيوط تشير إلى السعودية والإمارات، لعدة أسباب: أبرزها استحالة فصل الصراع الدامي والمستمر بين أتباعهما -“الإصلاح” وَ”الانتقالي”- عن الحادث، وهو صراعٌ تحملُ مستجداتُه (وأحداثُه السابقةُ أيضاً) قرائنَ كثيرةً تدينُ الطرفَين ومشغِّليهما، وتنسجمُ هذه القرائنُ مع تداعيات وتفاصيل ما حدث في المطار.
فبالنسبة للإمارات، تؤكّـدُ المعلوماتُ أنها كانت قد أبدت “تحفظاً” على عودةِ حكومة المرتزِقة الجديدة (أو بعض أعضائها) إلى عدن؛ لأَنَّها لا ترغب بالتفريطِ في نفوذ مليشيات “الانتقالي” داخل المحافظة المحتلّة، الأمر الذي كانت المليشيا نفسُها قد ترجمته بوضوح من خلال عمليات “الانتشار الأمني” التي نفّذتها طيلة الأيّام الماضية كمحاولة لفرض نفسها كسلطة أمنية وحيدة في المحافظة وقطع الطريق أمام حزب الإصلاح الذي يسعى للعودة إلى عدن.
وتؤكّـد وسائلُ إعلام موالية لسلطة المرتزِقة “الجديدة” أن السعودية استعانت بـ”سفراء الدول الخمس” لإقناع الإمارات بالموافقة على عَودة “الحكومة”، وقد جاء ذلك تزامناً مع إقالة “مدير أمن عدن” في سلطة المرتزِقة الجديدة، حيث رفضت الإمارات ومليشياتها عودته؛ لأَنَّه يتبع حزب الإصلاح.
بالإضافة إلى ذلك، أكّـدت العديدُ من المصادر أن المرتزِق “شلال شايع” -مدير أمن عدن الأسبق التابع للانتقالي-، غادر الطائرة والمطارَ قبل بقية أعضاء حكومة المرتزِقة، وهو نفسه الذي ظل رافضاً لتسليم المنصب بعد إقالته منه.
كل هذا، إلى جانب حقيقة أن الإمارات قد سبق لها أن قصفت حزبَ الإصلاح بالطيران نهاية أغسطُس 2019؛ لمنعها من دخول عدن، ما يجعل من أبو ظبي (وأتباعَها بالضرورة) متهماً رئيسياً في استهداف مطار عدن، إذ يبدو بوضوح أنها تعتبر عدن مركزاً رئيسياً لنفوذها عبر “الانتقالي” ولن تسمح للإصلاح بالعودة إلى ذلك المركز بأي شكل.
الحالُ نفسُه بالنسبة للسعودية وحزب الإصلاح، إذ تحدثت مصادر عن رفض السفير السعودي، محمد آل جابر، صعود الطائرة التي أقلَّت أعضاءَ سلطة المرتزِقة الجديدة إلى عدن، على الرغم من حرصِه الدائم على إظهار موقعه كحاكم فعلي لسلطة المرتزِقة، إلى جانب أنه هو من شكّل هذه السلطة، وأكّـدت مصادرُ أُخرى أن وزير دفاع المرتزِقة، المقدشي، تخلف عن الطائرة هو الآخر، علماً بأن الإصلاحَ كان قد شن حملةً كبيرةً على مستوى القيادات والقواعد، تهاجم “الحكومة” الجديدة، وتؤكّـد على أن ما يسمى “اتّفاق الرياض” لم ينفذ بعدُ، في ظل حديث عن “مؤامرات” تستهدف ما يسمى “الشرعية” لصالح مليشيات الانتقالي، وبالتالي لا يستبعد أن يقفَ الإصلاحُ وَالسعودية أَيْـضاً وراء هجوم المطار، لتوظيفه كـ”فشل” لمليشيا الانتقالي المسؤولة عن “الأمن” بالمحافظة، وقد حدث ذلك فعلاً، إلى جانب الإبقاء على فرصة/ أمل لتقليص نفوذ الإمارات وأتباعها من خلال إبقاء الصراع مشتعلاً وعدم تثبيت الوضع الجديد، فالسعوديةُ في نهاية الأمر لا تريدُ في الحقيقة إنهاءَ الصراع بل إدارته.
هكذا، وإلى جانب الاتّهامات المباشرة التي تبادلها مرتزِقة الإصلاح والانتقالي، تؤكّـد كُـلّ المؤشرات على أن الهجوم مرتبط بشكل مباشر بهذا الصراع ومهندسيه، ويبدو أن مسألة عدم بقاء حكومة المرتزِقة بالذات تشكل هدفاً رئيسياً؛ لأَنَّ الأمر لم يقتصر على ما حدث في المطار، فبعد وصولِ وزراء المرتزِقة إلى قصر “معاشيق” وقع انفجارٌ كبيرٌ في محيط القصر، وأمس الخميس استهدف انفجارٌ آخرُ مقرَّ منظمة دولية في خور مكسر، ما يؤكّـد على أن هناك إصراراً على تثبيت وضع الفوضى تزامُناً مع وجود سلطة المرتزِقة الجديدة في المحافظة المحتلّة؛ مِن أجلِ إعادتها إلى الفنادق التي جاءت منها.
السعودية تحاول توظيف الهجوم ضد صنعاء
من جانب آخر، وفي دليلٍ إضافي على أن دول تحالف العدوان تقف وراء الهجوم، حاولت السعودية بشكل فاضح توظيفَ ما حدث في المطار، في إطار محاولاتها المتكرّرة للحصول على دعم دولي في مأزقها الرئيسي أمام صنعاء، فقبل أن تصلَ حكومةُ المرتزِقة من مطار عدن إلى قصر “معاشيق” كان وزيرُ إعلامها المرتزِق معمر الإرياني (والذي أنعم عليه السفيرُ السعودي بثلاث وزارات معاً في السلطة الجديدة) قد اتهم صنعاء بالوقوف وراء الهجوم، مستبقاً بذلك إعلان الفارّ هادي عن تشكيل لجنة للتحقيق، ولم تمر ساعات حتى كان الإعلامُ السعودي وإعلام المرتزِقة قد نفخ هذه البالونة إلى حَــدٍّ كبير، وأعاد تكرارَ مطالباته للمجتمع الدولي بتصنيف سلطة “صنعاء” ضمنَ قوائم ما يسمى “الإرهاب”، الأمر الذي كشف أن استهدافَ المدنيين في المطار كان متعمداً؛ مِن أجلِ هذا التوظيف.
هذا أَيْـضاً ما يؤكِّـدُه التناقُضُ الفاضحُ بين ما عرضته المشاهد التي وثّقت الهجوم، والادِّعاء بأن الهجومَ جاء من صنعاء بواسطة “صواريخ”، إلى جانب مسارعة العدوان نحوَ طمس آثار الجريمة تحت مبرّر “إصلاح الأضرار”.
وقد حرصت السعوديةُ أَيْـضاً على الحصول على إدانات دولية من الأنظمة التابعة/ الحليفة لها لتوجيه الحادث في هذا المسار الذي يكشف أنها لم تحصل على أية نتيجةٍ عندما حاولت سابقًا تقديمَ ما يسمى “اتّفاق الرياض” أمام العالم كـ “وساطة سلام” تحسِّنُ صورتَها، وتغطي على جرائمها، فاضطرت إلى هذه الحيلة.
صنعاء: الرياض لا تصنعُ غيرَ الخراب
بالنسبة لصنعاء، بدا واضحًا أنها لم تتفاجأْ بمحاولة توظيف هجوم المطار ضدها؛ لأَنَّ الهجومَ ما زال يؤكّـدُ في الحقيقة استمرارَ فشل وتخبط وتفكك تحالف العدوان وأدواته، وقد كتب عضوُ الفريق الوطني المفاوض، عبدُ الملك العجري، أن: “هذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرةَ التي يتخذون من أنصار الله والسلطة الوطنية غطاء لتصفية الحسابات البينية لحكومة الشركاء المتشاكسين، وعودتها ستكون مناسبةً لعودة التوتر والاغتيالات. أَيَّـام عصيبة تنتظر عدن وسيكون الغطاء جاهزاً، وما على الجميع إدراكُه أن الرياضَ عبر تاريخها لا تصنعُ غيرَ الخراب”.
وَأَضَـافَ موجِّهاً الخطابَ لمرتزِقة العدوان: “لن يزعجنا أن تكسروا بعضَكم بعضاً وترموا وِزرَها علينا، وإن كان يؤسفنا سقوطُ ضحايا من المدنيين الأبرياء. لكن هل نسيتم حفلةَ المقلقل، كما أسماها مغردو أولاد زايد، في منطقة العَلَم على مداخل عدن، من عملها مرة سيعملها أُخرى ويشبعُكم قلقلةً على أبواب عدن وفي حواريها، مشكلتُكم أنكم مرتزِقة وأغبياء أيضاً”.
وكان العجري قد علّق سابقًا على تشكيل حكومة المرتزِقة الجديدة مؤكّـداً على أن “الاتّفاقيات التي تخرُجُ من الرياض عادةً اتّفاقاتٌ مفخخةٌ، عناصرُ التفجير فيها أكثرُ من عناصر الإطفاء والتوفيق”.
والحقيقةُ أنه بالرغم من الحملةِ الكبيرةِ التي شنها إعلامُ العدوان لاتّهام صنعاء بتنفيذ الهجوم، لا زال الصراعُ الداخلي بين المرتزِقة هو مَن يسيطر على تعاطي مختلف المراقبين والنشطاء، بما في ذلك نشطاءُ المرتزِقة أنفسهم، للهجوم، وهو الأمر الذي يؤكّـد فشلَ محاولة توظيفه ضد صنعاء، وثبوتَ حقيقة صلابة و”قوة” الأخيرة بمقابل وهن وارتباك وإفلاس تحالف العدوان وأدواته.