وقفةٌ مع خطاب السيد عبد الملك في الذكرى السنوية للشهيد: الوحدة سبيلُ الانتصار
حميد رزق
جاءت ذكرى الشهيد في اليمن هذا العام وبلدُنا وأمتُنا تمُرُّ بظروف استثنائية يحاولُ فيها الأعداءُ الإجهازَ على الموقف الرافض للوصاية الأمريكية الإسرائيلية وفرض واقع المذلة والخنوع على الشعوب العربية وكسر إرادَة المقاومة والتطلع إلى الحرية والكرامة والاستقلال.
سياساتُ الأعداء السابقة لا تتجلى في العدوان على اليمن وحسب، فحالة الاشتباك قائمة بين معسكر الاستكبار أمريكا وإسرائيل مع القوى الحية داخل الأُمَّــة “محور المقاومة” كما هو الحال في حالة العِداء مع الجمهورية الإسلامية في إيران ومع الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، وكذلك مع فصائل الحشد الشعبي في العراق والمقاومة الإسلامية في لبنان، فأينما تواجد الأحرارُ الرافضون للخنوع والتبعية والمذلة تحَرّكت المؤامرات الأمريكية والصهيونية وتحَرّك عملاء وأدوات الهيمنة المحلية المحسوبة زورًا على العروبة وعلى الإسلام.
قيامُ أمريكا باغتيال الشهيد سليماني والشهيد المهندس لم يكن حدثاً عابراً ولكنه محاولةٌ لوقف تقدم مشروع المقاومة، وكانَ جريمةً تهدفُ إلى إنقاذ تنظيمات الإرهاب والتكفير التي قضى عليها الشهيدُ سليماني والمجاهدون الأحرار في سوريا والعراق ولبنان.
وفي مواجهة الإصرار الأمريكي على مواصلة استعمار الأُمَّــة وإذلال شعوبها ونهب خيراتها وتمزيق وَحدتها، كانت المقاومةُ والجهادُ، وبالتالي الشهادة في سبيل الله هي الخيارُ الواقعي والحتمي لخوض غمار المواجهة.
لم يكن الشهيدُ قاسم سليماني هو الوحيدَ وليس الرجلَ الأولَ الذي قدمه الشعبُ الإيراني على مدى عقود من المواجهة مع الاستكبار، كما أن الشهيد أبو مهدي المهندس ليس الأول ولن يكونَ الأخير في سياق نضالات الشعب العراقي للتخلص من الاحتلال الأمريكي وأدواته الداعشية التي عاثت خراباً وإجراماً في بلاد الرافدين.
وفي اليمن قافلة الشهداء وعطاء الدم والتضحيات الغالية هي صانعةُ معجزةِ الصمود والثبات في مواجهة أعتى وأوسع عدوان تعرض له اليمن منذ فجر التاريخ وحتى اليوم.
المفارقةُ التي صارت أكثر وضوحاً هذا العام أن عطاءَ الشهادة يوحّد صفوف الأُمَّــة ويكشف أن قضيةَ الشعوبِ المستضعفةِ واحدةٌ وعدوَّها ومصيرَها واحدٌ، وبالتالي من الطبيعي بل بات المطلوبُ أن تتوحد الصفوفُ وتتكامل الجهود ليخوض المستضعفون معركتهم صفاً واحداً كما يعمل عدوهم الذي يتحَرّك بشكل جماعي وتحت راية أمريكية واحدة.
لسنا معنيين بما يقوله أعداؤنا حول علاقتنا بأشقائنا في إيران أَو في لبنان أَو سوريا أَو العراق، ولا يمكن لعاقل أن ينتظر شهادة حسن سيرة وسلوك من عدوه وقاتل نسائه وأطفاله، ولأجل التحرّر من سيطرة الطغيان والاحتلال يقول السيد القائد: “لا بد أن نملكَ الاستعدادَ التامَّ للتضحية فهدف الأعداء السيطرة على الأُمَّــة واستغلالها وما لم تتحَرّك لمواجهة الهجمة فهي معرضة لخسارة كُـلّ شيء”.
وفي معركة التحرّر والكرامة واستعادة الذات العربية والإسلامية، يؤكّـد السيد القائد على أهميّة ترسيخ مفهوم الشهادة في سبيل الله، فهي السبيل الوحيد للوصول إلى النصر وثمة تجارب ونماذج معاصرة،
من تحريرِ قطاع غزة في فلسطين إلى الانتصارات التي حقّقها حزب الله في لبنان وقبل ذلك نجاح الشعب الإيراني المسلم في إسقاط الهيمنة الأمريكية، كما أن الشعوب الحرة في سوريا والعراق والبحرين قدمت ولا تزال تقدم نماذجَ عن ثمار الصمود والاستعداد للتضحية والشهادة.
السيد عبد الملك وفي سياق تحليله لمعركة المصير التي تخوضُها الأُمَّــة ضد أعدائها من الصهاينة والأمريكان أشار إلى أن العدوَّ لا يكتفي بالتحَرّك من الخارج ولكنه يسعى لاختراقها من خلال حركة النفاق التي يقودُها في العصر الراهن النظام السعودي والإماراتي ومن يتبعهما، وحالة الفرز التي تعيشها الأُمَّــة حَـاليًّا -كما أشار السيد القائد- تساعد على فهم طبيعة الصراع وهو يرى أن ما يجري يندرجُ في الخانة الإيجابية، فقطارُ التطبيع كشف علاقة بعض الأنظمة بالعدوّ الإسرائيلي، وخَلُصَ قائدُ الثورة إلى نتيجةِ أن المعركة القائمة في واقع الأُمَّــة حَـاليًّا هي معركةٌ تقودها بالأَسَاس أمريكا وإسرائيلُ بمساعدة حركة النفاق داخل الأُمَّــة التي تعمل على تحويل بوصلة العداء إلى الداخل الإسلامي نحو “إيران ودول محور المقاومة” لصرف الأُمَّــة عن مواجهة أعدائها الحقيقيين، وأشَارَ السيد القائد إلى أن الكلام عن “الخطر الإيراني” كان في الأَسَاس كلامَ الأمريكيين والصهاينة قبل أن يتحولَ إلى مادة رئيسية تلقفتها حركةُ النفاق العربية التي يقودُها النظامان السعودي والإماراتي.
في اليمن يواصل آلُ سعود وآل نهيان عدوانَهما على بلدنا بإشراف أمريكي وبالتعاون مع العدوّ الإسرائيلي، والسعودية بمؤامراتها ضد أحرار الأُمَّــة إنما تخوض معركة أمريكا وإسرائيل، وعليه فالنتيجةُ الطبيعية كما خلص السيد القائد أن معركةَ الأُمَّــة واحدةٌ وتعدد البلدان لا يعني تجزئةَ المعركة، فالانتماء الإسلامي يشرف الجميعَ والاستهداف يشمل الجميع أَيْـضاً.
وفي الوقت الذي يسعى عملاء أمريكا وإسرائيل لحصار كُـلّ شعب حُر بمفرده وفي الوقت الذي يتحَرّك العملاء في عمالتهم ومؤامراتهم بشكل جماعي فَـإنَّ الواجبَ على أحرار الأُمَّــة تعزيزُ التعاون وأن يكونوا في خندق واحد ولا يقبلوا بتجزئة المعركة، فالمؤامراتُ باتت مكشوفةً، فها هم آل سعود ونظام الإمارات يحكمون الحصار على الشعب الفلسطيني وبالمقابل يمدون جسور التعاون مع كيان العدوّ الصهيوني، في السعودية يقبع في السجون العشرات من نشطاء محسوبين على حركة حماس ويقومُ الجلاد السعودي بتعذيبهم لا لذنب سوى أنهم يدعمون المقاومة ضد العدوّ الإسرائيلي، والكلام لقائد الثورة الذي يؤكّـدُ أن الأُمَّــةَ تمُرُّ بمرحلة اصطفاف لا تترك للفرد غير خيارين إما أن يكون مع أمته وقيمه الإسلامية وإما أن يكون مع العدوّ خانعا وخاضعا بلا قيمة.
وبخصوصِ الموقف من الشهيدين سليماني والمهندس، أشار السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي إلى أن أمريكا قتلتهما؛ لأَنَّهما كانا قائدَين من أحرار الأُمَّــة، وكل قائد من أبناء الأُمَّــة يحمل توجُّـهَ الدفاع عنها فهو بطل من أبطالها، داعياً محورَ المقاومة إلى ترسيخ ثقافة أننا أُمَّـة واحدة نقف في خندق واحد، مؤكّـداً أن المصطفين مع إسرائيل تحت الراية الأمريكية هم المنحرفون والشاذون عن المسار الصحيح، وقد صار برنامجهم الأَسَاسي التحَرّك لصالح العدوّ الصهيوني، وبمقابل ذلك يجبُ على المتطلعين للحرية والاستقلال عدم الاستكانة والاستسلام ومواصلة تحمل المسئولية والثبات والاستبسال والسير على درب الشهداء ومواجهة العدوان وتعزيز حالة التعاون والتآخي مع باقي أبناء الأُمَّــة لدحر العدوّ الإسرائيلي والقواعد العسكرية الأمريكية من المنطقة، مؤكّـداً أن الثقة بالله والتضحية تصنع الانتصارات الكبيرة، وكلما قدمنا قوافل الشهداء في موقفنا الثابت فَـإنَّ الله سيحقّق لنا الانتصار.