في رحاب الذكرى السنوية للشهيد 1442ه
الشيخ / صالح معوّض الكبسي أبو شاجع *
الحمدُ لله القائلِ في محكم كتابه الكريم: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) ال عمران.
في هذه الأيّام المباركة تطلُّ علينا الذكرى السنويةُ للشهيد 1442هـ وشعبُنا اليمني العزيز ينعَمُ بالانتصارات العظيمة في كافة الميادين التي تعُد بحد ذاتها، ثمرةً من ثمار أُولئك العظماء الذين رووا الأرض بالدماء، وعلموا العالم ثقافةَ التضحية والبذل والعطاء، فقدموا أقوى المواقف المشرفة، وسطروا أروع الملاحم البطولية، فصاروا بحد ذاتهم وبعطاءاتهم مدرسةً للصمود والثبات، والتصدي للمؤامرات بوعي وبصيرة.
وتطل ذكراهم العزيزة على قلوبنا كمحطةٍ سنويةٍ مهمة، لاستلهام الدروس والعبر للتصميم والعزم بالثبات في هذا الطريق، طريق العزة والكرامة والتحرّر من عبودية الطاغوت؛ فضلاً عن كونها تُعد تمجيِّدًا لعطاء الشهداء الذي هو أرقى عطاء، وهي تأكيد على مواصلة السير على درب الشهداء، كما هي احتفاء وتقدير لأسر الشهداء وتذكير للأُمَّـة بمسؤولياتها تجاههم، فمن وفائنا للشهداء ومن مسؤوليتنا تجاههم أن نكون أوفياء مع المبادئ والقيم التي ضحوا مِن أجلِها.
تأتي لتذكرنا بعظمائنا وبسيرتهم العطرة الزاخرة بالعطاء والوفاء وبتضحياتهم وثباتهم بمواقفهم وإبائهم فنستذكر الشهداء ومآثرهم، حَيثُ كانوا بشهادتهم أصدق شهودا وأكثر حضوراً، فهم سبقوا وما رحلوا، بعدوا وما افترقوا، من عليائهم يشهدون مواقعَ القتال في أرضهم، ويرقبون مواطنَ التضحية، فهم سبَّاقون خاضوا الغمراتِ بإخلاص وتفانٍ منقطعِ النظير.
وفي هذه الذكرى العَطِرَةِ ونحن نجني ثمرةَ التضحية والبذل والعطاء، ندركُ أهميّةَ التحَرّك الجاد وفق ثقافة الاستشهاد، لنكون أحراراً أعزاءً كُرماءَ نحظى بالرعاية الإلهية، والكرامة الربانية، ونسلك طريق الرشد والصواب، والخير والحق، والفلاح والنجاح، والحياة الطيبة.
نعم فالشهادة في سبيل الله عبارة عن اصطفاء واختيار إلهي بمعايير إيمانية، في مقدمتها الصدق والوفاء مع الله والجهاد في سبيله ضد الطواغيت والمجرمين ونصرة الحق والمستضعفين، والشهادة لا ينالها إلَّا الذين آمنوا بالله قولاً وعملاً.
قال الله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (140) (آل عمران).
وعلى ذكر الشهادة والشهداء، فالشهداء العظماء ربحوا الدنيا والآخرة، صدقوا مع الله في الإيمان وصدقوا معه في المواقف والأعمال وصدقوا معه في البذل والعطاء فكانت النتيجة (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُون)(154) البقرة
والشهداء هم في هذه المدرسة المعطاءة والعظيمة والأخلاقية أساتذة نتعلم منهم السمو الروحي والأخلاقي، نرى فيهم الواقع التطبيقي عندما حملوا تلك الروحية، عندما حملوا تلك الأخلاق وتلك القيم، عندما جسدوها واقعاً وفعلاً وعملاً والتزاماً، كيف كانوا في صبرهم، في صمودهم، في تضحياتهم، في عطائهم، في أخلاقهم العالية جِـدًّا، ترجموا ذلك في الواقع العملي فعلاً وصل إلى مستوى التضحية.
فشهداؤنا سر عزتنا، وعنوان هُــوِيَّتنا، لقد صنعوا بأرواحهم معراجاً إلى النصر المبين، وعبدوا بدمائهم للأُمَّـة طريق الحرية والاستقلال، فنالوا بحق الوسام الرباني ليكونوا به أحياء عند ربهم يرزقون.
فسلام الله عليهم يوم وُلدوا ويوم جاهدوا، ويوم اسْتُشهدوا، ويوم هم عند ربهم أحياء يُرزقون.
وفي هذا المقام تتجلى قيمة الشهادة فيما تصنعه من أثر في واقع الحياة، وفيما يكتبه الله للأُمَّـة التي قدمت شهداء، هذه القيمة، هذه الثمرة، هذه النتيجة الطيبة والأثر العظيم في واقع الحياة في الدنيا للشهادة من فضل ومنزلة رفيعة عند الله، حَيثُ سيكون القتل لهم مُجَـرّد لحظةٍ عابرة وفاصلٍ قصير، ثم يكونون ضيوف الله، في إطار كرامته ورعايته، ضيافة مستمرة دائمة (عند ربهم يرزقون) يعيشون هذه النعمة من الله، هذا التكريم، وهم فرحون بما وصلوا إليه، وبما هم فيه من النعيم، والاستبشار بالذين لم يلحقوا بهم.
وقوله تعالى “ولا تقولوا” وقوله عز وجل “ولا تحسبن” مدلول كبير على المستوى النفسي لدى كُـلّ أقارب الشهداء، كُـلّ اصدقائهم، كُـلّ من له علاقة، بهم قد يتألمون عليهم قد يشعرون ببالغ الأسف والحسرة على فقدانهم هذا يطمئن الجميع أنهم ينتقلون إلى ما هو خير لهم، أحسن لهم مما هو عندنا نحن، وأفضل لهم من الحياة عندنا نحن، حياة أطيب وأهنأ وأسعد وأرقى، فلنطمئن عليهم وعلى حالهم.
وفي هذه المناسبة وأنا أتذكر شهدائي الأعزاء أقول لهم: والله لا أصف اشتياقي لكم بالكلمات فهي عاجزة عن التعبير وقاصرة عن التوصيف، لا سِـيَّـما أن شوقي لكم، ورغبتي للقائكم بلغا حَــدّ السماء، وكم أشتاق لكم وأرنو لتلك اللحظات التي جمعتنا بكم، اشتقت إلى أَيَّـام لا تخلو من أنفاسكم، واستعضت عنها بما أراه من بقاء آثاركم وخلود أعمالكم، وَيطمئنني أنكم عند ربكم الكريم، وفي ضيافته -جل وعلا- في أطيب حال وأهنأ عيش فطبتم وطاب مقامكم ومقام إخوانكم الشهداء الميامين.
وفيما الأعداء وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل وأذنابهم من بني سعود وبني زايد تلك الأسرتان الخبيثتان يسعون في هذه المرحلة إلى ضرب القيم التي صنعت أُولئك الأبطال، من خلال الحرب الناعمة والتي من أهدافها إفساد المجتمع وإفراغه من روحيته الجهادية ليسهل ضربه، واحتلاله، لكن بفضل الله تعالى والقيادة الحكيمة والمشروع القرآني وتسليم الأُمَّــة للقيادة وعطاء وتضحيات الشهداء، سيخيب ظنهم، وتنهار أحلامهم، وسيتلاشى الباطل ويزول وينتصر الحق ويسود كما هو الحال في الانتصارات المتتالية طيلة ستة أعوام من العدوان والحصار على شعبنا اليمني العظيم.
ولا يفوتنا في هذه المناسبة الغراء، أن نهنئ أسر الشهداء، التي أسهمت في بناء الإسلام ونقول لهم اعلموا يا عوائل الشهداء بأنكم مساهمون في هذا الاعتزاز وَالفخر، وَلكم ما يليها؛ لأَنَّكم أنتم من ملئتم قلوبهم بالإيمان، وَعززتم فيهم روح الجهاد.
كما نذكر بتوجيهات السيد القائد / عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله تجاههم، حَيثُ أمِلَ من المؤمنين الواعين المتفهمين أن يكون لديهم في هذه الذكرى اهتمام كبير بأسر الشهداء، وَبأبناء الشهداء وقال حفظه الله ورعاه: أكرموهم يكرمكم الله، احترموهم، أعزوهم، قدروهم، احسنوا إليهم هم أمانة في أعناقنا جميعاً، كُـلّ واحد يحرص على أن يقدم شيئاً ولو بالكلمة الطيبة لمن لا يملك إلَّا الكلمة الطيبة، الإحسان بأي مستوى يقدر الإنسان عليه.
ولإخواننا الأسرى في سجون الاحتلال نقول لهم: أسرانا الأعزاء الصابرون الصامدون أنتم في سجونكم تنعمون برعاية الله وحفظه، حَيثُ توجد الرعاية الربانية وهو تعالى يمن عليكم بالشفاء لجميع جروحكم التي أسهمت في تحقيق النصر وأنتم الفائزون برعاية الله وبفضل صبركم المشهود وصمودكم المثالي.
كما نقفُ إجلالاً لإخواننا في الجبهات العسكرية والأمنية ونُثَمِّنُ عاليًا أدوارَهم البطولية والشجاعة، ونهيب بالقبائل اليمنية ونشيد بدورها في رفد الجبهات بالمال والرجال، وَندعو الجميع لمزيد من النفير العام والدعم والرفد للجبهات القتالية، وإلى تحقيق ثورة صناعية واقتصادية من خلال تعزيز التكافل الاجتماعي والسعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وَالاهتمام بالزراعة والصناعة وتحسين سبل العيش لنأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع.
المجد والخلود للشهداء العظماء، والشفاء للجرحى، والخلاص والتحرّر للأسرى، والنصر المستدام والعزة والسؤدد لشعبنا اليمني المظلوم.
* عضو مجلس الشورى