قرار تصنيف “أنصار الله” يرتد في وجه إدارة “ترامب” وتحالف العدوان
لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس و25 مشرِّعاً أمريكياً يدينون القرار ويؤكّـدون أنه يعرقل الحل السياسي
المسيرة | خاص
لا زالت تداعياتُ قرار إدارة ترامب بشأن إدراج “أنصار الله” في قوائم الإرهاب، تكشفُ قصرَ نظر هذه الإدارة، وسوءَ تقييمها للوضع في اليمن، حَيثُ استمرت الانتقادات الموجهة لهذا القرار مؤكّـدةً على أنه يعرقل الحلَّ السياسي ويفاقم الأزمة الإنسانية، الأمر الذي يضاعفُ “عُزلة” إدارة ترامب، ويحمِّلُ الإدارة القادمة مسؤوليةَ مراجعة مواقف الولايات المتحدة في مِلف اليمن، خَاصَّةً في ظل الأزمة الداخلية التي تعيشها أمريكا، والتي قد تتعاظم مع سوء إدارة الملفات الخارجية.
في جديد تداعيات قرار “التصنيف”، وجهت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، مع 25 من المشرعين البارزين، أمس الأحد، رسالةً إلى وزارة الخارجية الأمريكية، تحذرها من قرار إدراج حركة “أنصار الله” في قوائم “الإرهاب”.
وجاء في الرسالة أن هذا القرار سيتسببُ في مضاعفة الأزمة الإنسانية في اليمن، والتي تعتبر الأسوأَ في العالم، وسيعرض عدداً كَبيراً من اليمنيين للخطر، كما أن هذه الخطوة ستعرقل “المسار الوحيد” لإنهاء الحرب على اليمن، والمتمثل بالحل السياسي.
واستهجنت الرسالة قيامَ إدارة ترامب باتِّخاذ هذه الخطوة في أيامها الأخيرة، في إشارة إلى أنها خطوةٌ “سياسيةٌ” تأتي ضمن صفقات خَاصَّة بهذه الإدارة، وهو ما كشفته مختلفُ المؤشرات والتداعيات خلال الأيّام الماضية.
إلى ذلك، قال مستشار الأمن القومي المقبل، جيك سوليفان: إن قرار التصنيف سيزيد معاناة اليمنيين، ويعرقل كُـلّ الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب.
وكان قرار تصنيف “أنصار الله” كجماعة “إرهابية” قد أثار اعتراضات وانتقادات عديدة، على المستوى الدولي وعلى مستوى الداخل الأمريكي، إذ صرح نواب ديمقراطيون وجمهوريون بأنه قرار “لا يمكن الدفاع عنه”، كما طالبت الأمم المتحدة بإلغاء هذا القرار، وهو أَيْـضاً ما طالبت به منظمات إنسانية دولية.
وكان الاتّحاد الأُورُوبي قد أكّـد في بيان أن قرارَ إدارة ترامب “سيعقّد المشاركةَ الدبلوماسية اللازمة مع أنصار الله وعمل المجتمع الدولي في الشؤون السياسية والإنسانية والتنموية”، كما كانت روسيا قد طالبت الولايات المتحدة بإعادة النظر في هذا القرار؛ لأَنَّ تداعياته ستكون سلبيةً على عملية السلام في اليمن، وأكّـد المندوب الروسي في مجلس الأمن أن القرارَ لن يؤثر فقط على المساعدات الإنسانية بل سيحبط “الجهود الرامية إلى إطلاق مفاوضات”، واصفاً القرارَ بأنه “خطأ لا يُغتفر”.
كل هذه المواقف الدولية ومواقف الداخل الأمريكي سلطت الكثيرَ من الأضواء على “عزلة” إدارة ترامب، وكشف عن تخبطها، خُصُوصاً وهي تعيش أيامها الأخيرة في ظل أزمة كبيرة تسببت فيها داخل الولايات المتحدة، وجعلتها من أسوأ الإدارات سُمعةً.
وانكشف من خلال ذلك أن قرارَ “التصنيف” لم يكن سوى “صفقة” خَاصَّة بين ترامب ودول العدوان، خُصُوصاً وأن الأخيرة ظلت طيلةَ الفترة الماضية تحاولُ التهيئةَ لهذه الخطوة وتطالب الولايات المتحدة بإدراج “أنصار الله” في قوائم الإرهاب.
بل إن تداعيات هذا القرار فضحت أَيْـضاً جانباً من كواليس هذه الصفقة، إذ أعلنت إدارة ترامب هذا الأسبوع اتّهامَ صنعاء بالوقوف وراء الهجوم الذي استهدف مطار عدن الدولي عند وصول حكومة المرتزِقة الجديدة، نهايةَ ديسمبر الفائت، وهو اتّهامٌ جاء فقط لدعم رواية السعودية التي حاولت بشكل واضح أن توظِّفَ الهجومَ ضد صنعاء في إطار مطالباتها بقرار التصنيف، قبل أن يعلنه بومبيو، وقد عزز هذا المؤشرات الواقعية التي تدل على أن دول العدوان دبَّرت ذلك الهجوم وتعمدت استهدافَ المدنيين في المطار لأجل هذا التوظيف.
وبالرغم من حرص إدارة ترامب على إنجاز هذه صفقته مع دول العدوان قبل مغادرة البيت الأبيض، إلا أن هذه الصفقة وُلدت خاسرةً، بل حملت نتائجَ سلبيةً على إدارة ترامب وعلى تحالف العدوان ومرتزِقتها.
فبالنسبة لإدارة ترامب، فتح قرار التصنيف باباً إضافياً للانتقادات الموجهة لها، ومثل دليلاً إضافياً على “حماقة” ترامب، وخُصُوصاً في هذا التوقيت الذي باتت كُـلّ قراراته وخطواتها محل انتقاد وسخرية، بعد فضيحة “اقتحام الكونغرس”، كما أن القرار طرح الإدارة القادمة أمام اختبار مهم لمراجعة مواقف الولايات المتحدة بخصوص ملف اليمن، إذ سيكون استمرار السلوك الأمريكي المعادي لليمن فضيحة تؤكّـد أن بايدن لم يكن مختلفاً عن “ترامب” كَثيراً.
وأما بالنسبة لدول العدوان، فقد كشف هذا قرارُ تصنيف “أنصار الله” عن مدى إفلاسها وغرقها في مستنقع اليمن، إذ تحاول التمسُّكَ بـ”قشة” التصنيف؛ أملاً في الحصول على دعم دولي لإنقاذها من فشلها العسكري الفاضح، في الوقت الذي تحبط المواقف الدولية ومواقف الداخل الأمريكي هذه الآمال، ويعود الضوء مسلطاً على انعدام الخيارات ذات الفعالية أمام تحالف العدوان، بينما تزدادُ إنجازاتُ صنعاء وتتطور قدراتها أكثر.
وبالنسبة لصنعاء، فَـإنَّ القرار الأمريكي والمواقف الدولية المعارضة له، جددت التأكيدَ على صوابية خيار مواجهة العدوان، وتثبت سلامةَ تقييم القيادة الثورية والسياسية لطبيعة الدور الأمريكي في هذا العدوان، إلى جانب أن مجيءَ هذا القرار بعد ست سنوات من الحرب والتجويع والحصار، لم يعد يؤثر كَثيراً في ميزان المعركة التي باتت صنعاء تتحكم بموازينها وتفرض المعادلات فيها، فلم يعد هناك مجال لأية ضغوط دولية لتغيير الواقع.