زراعة الحبوب والقمح في اليمن.. عقودٌ من الإهمال والتدمير
تستورد اليمن 92 % من احتياجاتها الأَسَاسية في الوقت الذي كانت تمتلكُ جميع المقومات الاكتفاء الذاتي
تعرض الزراعة للإهمال والتدمير أَدَّى إلى تناقص المساحة المزروعة وكميات الإنتاج، حتى وصلت تكاليف الاستيراد إلى أكثر من 179 مليار ريال
عدم امتلاك الحكومات السابقة أية مشاريع استراتيجية جعل المساحة الزراعية في اليمن في تراجع مستمر
بلغ استهلاك اليمن من الحبوب في العام 2016م حوالي 4 ملايين و160 ألفاً و499 طناً تقريباً
الاستقلال الحقيقي والتحرّر من الهيمنة الاقتصادية مرهون بتحقيق الأمن الغذائي وخَاصَّةً محصول الحبوب
بعد الوصول إلى الاكتفاء الذاتي والبدء في التصدير:
المسيرة: محمد صالح حاتم
شهدت زراعةُ القمح والحبوب في اليمن تراجعاً كَبيراً منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وتدنَّى معدلُ الإنتاج بشكل ٍ كبير، فبينما كانت اليمن مكتفيةً ذاتياً من الحبوب والقمح في سبعينيات القرن الماضي أصبحت اليوم تستورد ما نسبته 92 % من احتياجاتها الأَسَاسية، في الوقت الذي كانت اليمن وما زالت تمتلك جميعَ المقومات الزراعية التي تجعل منها بيئةً مناسبةً لزراعة الحبوب بجميع أنواعها وأصنافها وبجودة عالية، حَيثُ يزرع فيها القمح، والشعير، والذرة الرفيعة، والذرة الشامية.
وَتُعَدُّ مادة الحبوب والقمح من المحاصيل النباتية الضرورية لحياة الإنسان، وفي اليمن لا تخلو أية مائدة من مكونات الحبوب والقمح.
ورغم أهميّة الحبوب والقمح ووجود البيئة المناسبة لزراعتها وبمساحات كبيرة، إلاّ أنه وَخلال العقود الماضية تعرضت الزراعة للإهمال والتدمير، وخَاصَّةً زراعة الحبوب والقمح، وهو ما أَدَّى إلى تناقص المساحة المزروعة وَكميات الإنتاج، والذي وصل ما تستورده اليمن من الحبوب في عام ٢٠١٦م 2 مليون و877 ألفاً و886 طناً، بقيمة تقدر بأكثر من 179 مليار ريال.
وعلى الرغم أن اليمن كانت إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي مكتفيةً ذاتياً، وقيل أنه في عهد الإمام يحيى كان يتم تصدير الحبوب والقمح إلى السعودية مقابل استيراد مادة الكيروسين (القاز) الخَاصَّة بالإضاءة، وقيل أن البواخر كانت تبحر من ميناء الحديدة محملة بالحبوب إلى ألمانيا في خمسينيات القرن الماضي.
المساحةُ المزروعةُ في اليمن سابقاً:
وبحسب إحصائيات وزارة الزراعة والري، كانت المساحة المزروعة بالحبوب في عام 1988م (868320) هكتاراً، وكميةُ الإنتاج (842688)، وفي عام 1989م بلغت كمية الإنتاج من الحبوب (864060) طناً، ومع الارتفاع في النمو السكاني والزيادة في الاستهلاك المحلي من الحبوب فقد تراجعت المساحة المزروعة بالحبوب وكمية الإنتاج ففي عام 1998م، وحسب إحصائية وزارة الزراعة والري، فقد بلغت المساحة المزروعة بالحبوب في عام 1998م (770457) هكتاراً، وكمية الإنتاج (833331) طناً، وخلال السنوات العشر التالية شهدت زراعة الحبوب تذبذبات ما بين الزيادة والنقص، ففي عام 2005م تقلصت المساحة المزروعة بالحبوب إلى نحو (688752) هكتاراً والإنتاج (495950) طناً، وما لبثت أن عاودت الارتفاعَ فكانت المساحة المزروعة بالحبوب -حسب إحصائيات وزراعة الزراعة والري في عام 2007م- (890612)، وبلغت كمية الإنتاج (940832) طناً، وهي تعتبر ذروةَ الإنتاج من الحبوب.
وأسبابُ الارتفاع عائدةٌ إلى هطول كميات كبيرة من الامطار، وهو ما ساعد في زراعة أكبر قدر من المساحة، وبذلك ارتفعت كميةُ الإنتاج، وبعد هذه الفترة تقلصت المساحة المزروعة بالحبوب وقلت كمية الإنتاج تدريجيًّا لتصل عام 2015م وهو العام الذي شهد بداية العدوان على اليمن فكانت المساحة المزروعة بالحبوب حسب إحصائيات وزراعة الزراعة والري حوالي (585658) هكتاراً، والإنتاج (460246) طناً.
وهذا التراجُعُ الكبيرُ في المساحة والإنتاج خلال السنوات السابقة دليلٌ على عدم اعتماد الدولة والحكومات السابقة التي حكمت اليمن أي خطط أَو استراتيجيات من شأنها أن تعمل على دعم القطاع الزراعي ليساهم في تنمية الاقتصاد اليمني، بل إن الحكومات السابقة -رغم ما كانت تمتلكه من موارد مالية كبيرة- ساهمت في تدمير الزراعة وخَاصَّةً الحبوب، وذلك تنفيذاً لسياسات الدول الخارجية والبنك الدولي والمنظمات الدولية التي تسعى لجعل اليمن بلداً فقيراً يعتمدُ على المساعدات والمنح والقروض، وأن يعتمد في غذائه وقوته الضروري على الاستيراد من الخارج، وهو ما حصل بالفعل فقد أصبحت اليمن تستورد ما نسبته 90 % من غذائها لتصل فاتورةُ الاستيراد إلى أكثر من خمسة مليارات سنوياً، حسب تصريحات نائب وزير الزراعة والري، الدكتور رضوان الرباعي، ووصل ما تستورده اليمن من الحبوب والقمح أكثر من ثلاثة ملايين طن سنوياً حسب فاتورة الاستيراد للعام 2019م وبمبلغ أكثر من سبعمِئة ألف دولار سنوياً.
الأسبابُ التي أَدَّت إلى تراجع زراعة القمح في اليمن:
وفي دراسة حديثة أعدها فريقٌ متخصصٌ أوضحت الأسباب التي أَدَّت إلى تدهور الإنتاج المحلي من القمح في اليمن:
1- أثرت السياسات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة في تدهور الإنتاج للقمح.
2- عدم تنفيذ خطط استراتيجية مجدولة زمنياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي من قبل السياسات الحكومية، بحيث تشحذ لها الهمم والموارد المالية اللازمة والبرامج المناسبة لتحقيق هذا الهدف وتفعيل مقومات الاكتفاء الذاتي في تحقيق حاجات المجتمع.
3- اكتفاء الحكومات السابقة بتغطية العجز المحلي بالاستيراد من الخارج.
4- قيام الحكومات المتعاقبة بتنفيذ سياسات اقتصادية استجابةً لطلبات المانحين وخَاصَّةً المؤسّسات الدولية المانحة كشرط للحصول على القروض والمساعدات أَو لتحقيق مواقفَ سياسية تعبر عن الاستجابة لرغبات القوى العالمية المهيمنة حتى لو لم تتوافق تلك المواقف مع مصلحة البلاد، وقد كان أهم هذه البرامج (برنامج الإصلاح الاقتصادي في العام 1995م) وبدعم من صندوق النقد والبنك الدوليين لمعالجة الاختلال واستعادة التوازن الاقتصادي، وكان له أثر سلبي على الزراعة وخُصُوصاً زراعة القمح، حَيثُ أن من أهم ما جاء في تلك الإصلاحات (تعويم سعر الصرف، رفع الدعم الحكومي عن القمح والمشتقات النفطية) وكان له الآثار والنتائج التالية:
أولاً: آثار تعويم سعر الصرف:-
– نقص الإنتاج المحلي من 171 ألفَ طن في عام 1995م إلى 61 ألف طن عام 2005، والسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي التي تفوق تكاليف سعر الاستيراد.
– ضعف القدرة التنافسية للواردات الزراعية الأجنبية.
– زيادة الواردات الخارجية من القمح.
– تقليل الحافز لدى المنتجين المحليين.
– تراجع الإنتاج المحلي من القمح.
ثانياً: آثار رفع الدعم الحكومي:-
رفع الدعم عن المشتقات النفطية وعن القمح أثقل كاهلَ المواطن اليمني، وبالتالي لم يعد يستطيع تحمُّلَ تكاليف إضافية للتوسع في زراعة القمح؛ بسَببِ ارتفاع تكاليف الإنتاج.
وتشير بعض الدراسات إلى أن إنتاج واحد كيلو من القمح يحتاج إلى 400 لتر من الماء، وبالتالي في ظل ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وانعدام توفرها خُصُوصاً الديزل أحجم المواطن عن إنتاج القمح واتجه نحو الزراعات الأُخرى التي تدر عليه أموالاً أكثر وبتكاليف أقل مثل شجرة القات وغيرها من المحاصيل.
وتشير الدراسة إلى ارتفاع الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك في اليمن على النحو التالي:-
بلغ استهلاك اليمن من الحبوب في العام 2016م حوالي 4 ملايين و160 ألفاً و499 طناً تقريبًا.
وبلغ قيمة فاتورة الاستيراد لمادة القمح خلال العام 2016م أكثر من 179 مليار ريال، والكميات المستوردة بلغت 2 مليون و877 ألفاً و886 طناً، وبلغ الإنتاجُ المحلي في نفس العام حوالي 96 ألف طن.
وشكّل الإنتاج المحلي للقمح تراجعاً في العشر السنوات الأخيرة والجدول يوضح بعضَ البيانات الهامة لمحصول القمح خلال العام 2013م – عام 2016م.
ويبقى الاستقلال الحقيقي والتحرّر من الهيمنة الاقتصادية مرهوناً بتحقيق الأمن الغذائي، وخَاصَّةً محصول الحبوب والقمح، والذي يتطلب من الدولة مضاعفةَ الجهود وإيلاءَ زراعة الحبوب والقمح جُلَّ اهتمامها، من خلال التوسع في زراعتها وتقديم الدعم اللازم للمزارعين من بذور ومدخلات زراعية، وإشراك القطاع الخاص في زراعة الحبوب، من خلال إعداد الدليل الاستثماري لزراعة الحبوب، وَتهيئة البيئة الاستثمارية لرجال المال والأعمال ورأس المال المحلي للاستثمار في زراعة الحبوب والقمح.