رسائل الخروج اليمني التاريخي في وجه “أمريكا”: نهاية زمن الوصاية
العدوّ يفشل في عزل “أنصار الله”.. واليمنيون يفرضون موقعَهم في المواجهة الإنسانية الكبرى مع “الغرب” المتغطرس
المسيرة | ضرار الطيب
تُهَـدِّدُهم الولاياتُ المتحدة بورقة “الإرهاب”، فيخرجون بأسلحتِهم في أكبرِ احتشادٍ جماهيري، رافعين هُتافَ “الموتُ لأمريكا” بلسان الهُــوِيَّة السياسية والاجتماعية والثقافية الجامعة، ومؤكّـدين أن “الإرهاب” أمريكي الهُــوِيَّة والمنشأ والدعم.. هم اليمنيون، ومجدّدًا، في موقف استثنائي لا يتنصرون به لقضيتهم العادلة فحسب، بل لشعوب المنطقة وثوابتها، وللإنسانية كلها -ولا مبالغة- في وجه قطب الغطرسة العالمية والتوحش الدولي، أمريكا التي لم تكتف بقتل وتجويع هذا الشعب لست سنوات، حتى تتمادى في همجيتها بقرار إدراج طليعة أحراره في ما يسمى “قوائم الإرهاب” التي اعتادت أن تستخدمها كذريعة لغزو البلدان وسلب قراراتها وتفكيكها ومسخها ثقافيًّا وفكرياً، وقد جاء الرد الشعبي اليمني على هذا التمادي متجاوزاً الحدود المحلية، إذ تزامن مع “اليوم العالمي”؛ مِن أجلِ اليمن، ومزدحماً بالعديد من الرسائل المباشرة التي تلقي الكرة في ملعب الإدارة الأمريكية الجديدة، لتراجع موقفها بعناية حيال اليمن، آخذةً بالاعتبار حقيقة ثابتة هي أنه لا مجالَ أبداً لعودة الوصاية على اليمن، حتى ولو وضع اسم كُـلِّ يمني في قوائم الإرهاب.
التفافٌ جامعٌ ومبدأي حول مشروع مواجهة “أمريكا”
لم يكن مُجَـرّد استعراض، ذلك الخروج الجماهيري التأريخي الذي ملأ، أمس الاثنين، أكثر من 24 ساحة على امتداد الجغرافيا الحرة للجمهورية اليمنية، رداً على قرار إدارة ترامب بتصنيف “أنصار الله” كجماعة إرهابية، فبالرغم من أن هذا التصنيف قوبل برفض واسع على المستوى الدولي، وحتى داخل الولايات المتحدة، منذ الإعلان عنه، وبالرغم من تأكيد صنعاء رسميًّا على أن هذا القرار لن يجني لأصحابه أي مكسب، إلا أنه كان لا بد من أن يقول الشعب كلمته التي لم تجعل القرار الأمريكي يبدو أكثر ضآلة وحماقة فحسب، بل أعطت صورة واضحة عن “المأزق” الذي يعيشه رعاة هذا القرار، والطريق المسدود الذي يسيرون فيه، فحتى احتمالات “الابتزاز” التي ربما تدور في ذهن إدارة “بايدن” لاستثمار هذا القرار عن طريق “تأخير” إلغائه، خرجت من الحساب، ناهيك عن مخاطر إقراره.
من أبرز رسائل ذلك الخروج الشعبي كان إثبات تلاشي قوة “الدعاية” المعادية التي سعت منذ إعلان بومبيو عن قرار “التصنيف” إلى صناعة “فزاعة” كبيرة تهدف لخلخلة الصف الشعبي – الرسمي المقاوم للعدوان، وبعبارة أُخرى: صفع هذا الخروج تحالف العدوان ورعاته في الغرب، بإبراز حجم الالتفاف الشعبي والرسمي المبدأي حول مشروع مقاومة العدوان ومناهضة “أمريكا” بكل ما تمثله من استبداد سياسي واقتصادي وثقافي، وإبراز أصالة هذا المشروع وهُــوِيَّته الجامعة ولُحمته السياسية والشعبيّة والثقافية التي سعى القرار الأمريكي، بوضوح، لاستهدافها واختبارها من خلال التركيز على استهداف حركة “أنصار الله” وقياداتها، الأمر الذي جاء الرد عليه شعبيًّا ورسميًّا ومن قبل أبناء العديد من الشرائح والتيارات بأن “أنصار الله” تمثل اليوم طليعة أحرار اليمن، وأن استهدافها يمس جميع اليمنيين.
وقد برزت هذه الرسالة بشكل خاص؛ لأَنَّ تحالف العدوان حاول جاهداً من خلال تناوله للقرار الأمريكي أن يتسبب بـ”عزل” أنصار الله سياسيًّا وشعبيًّا، وقد مولت دول العدوان، في الليلة السابقة للخروج الشعبي، حملة إعلامية كبيرة حشدت فيها كُـلّ طاقاتها وأدواتها من الأبواق والنشطاء، ومعهم أكاذيب ست سنوات من التضليل، وأكاذيب جديدة أَيْـضاً، في محاولة واضحة لثني الجماهير عن الخروج أَو التغطية عليه، لكن ذلك لم يفلح.
العالمُ يرى “الشرعيةَ” الحقيقيةَ من زاوية أوضح
ومن رسالة الالتفاف الثابت والمبدأي حول مشروع مناهضة العدوان والوصاية الأمريكية بقيادة “أنصار الله” وحلفائهم، انبثقت رسائلُ حملت ملامحَ سياسيةً وعسكريةً وإنسانيةً مختلطة، فتزامن هذا الخروج الجماهيري مع “اليوم العالمي مِن أجلِ اليمن” الذي دُعي إليه على مستوى دولي، كان خطوة مهمة للتأكيد عمليًّا، وأمام العالم، على أن مستقبل اليمن غير قابل أبداً للتشكيل وِفْـقًا لرغبة أية قوى أجنبية بدءاً من الولايات المتحدة ووُصُـولاً إلى أدواتها الإقليمية، خُصُوصاً وأن هذه القوى تعيش في هذا اليوم بالذات ما يشبه محاكمة أمام الرأي العام حول العالم، وهي محاكمة فاضحة لا مجال فيها لإثبات أية براءة، سوى لضحايا جرائم تحالف العدوان وحصاره، وبالتالي فلا مشروعية سياسية وقانونية وإنسانية سوى لأُولئك الذي يقفون في وجه هذا “التحالف” وجرائمه، وهو ما يقتضي بالضرورة التأكيد على مشروعية العمل العسكري المنطلق من قاعدة الحق الثابت في الدفاع عن النفس والتمسك باستقلال القرار والإرادَة.
هكذا، لم يُسقِطِ الخروجُ الجماهيري، أمس، قرارَ “التصنيف” بشكل منعزل عن سياقه، بل من حَيثُ كونه جزءاً من سياسة استبدادية إجرامية تستهدف اليمن بقيادة الولايات المتحدة، وعبر أدوات إقليمية ومحلية لا تمتلك أي حق، وليس لها أي ارتباط وطني أَو شعبي بهذا البلاد.
هذه “الشرعية” الشاملة، سياسيًّا وعسكريًّا وإنسانياً وشعبياً، التي عكستها ساحات الاحتشاد، أمام العالم، توجّـه صفعة شاملة بنفس القدر لتحالف العدوان وللإدارة الأمريكية، وبشكل يقطع الطريق أمام أية محاولات محتملة لاستغلال قرار “التصنيف” ضد صنعاء أَو “أنصار الله”، خُصُوصاً وقد حاولت السعودية مجدّدًا أن تجد لهذا القرار مخرجاً من خلال ادِّعاء تعرض الرياض لقصف صاروخي، أمس الأول، وقد تماهت الإدارة الأمريكية مع ذلك عندما صرحت، أمس، بإدانتها لهذا “الهجوم” وحاولت ربطه بملف اليمن، على الرغم من نفي القوات المسلحة هذه العلاقة، الأمر الذي قد يشير إلى محاولة أمريكية لاستثمار قرار “التصنيف” للابتزاز، وهي محاولة تبدو الآن حمقاءَ، ولن تجلب على إدارة “بايدن” سوى إحراج وقوفها ضد إرادَة الشعب اليمني، وإثبات عدم اختلافها عن إدارة ترامب في شيء.
اليمن يعزز دوره في معادلات الصراع الإقليمية والدولية مع أمريكا
إلى جانب ما سبق، فقد جاء تزامن الخروج الجماهيري التاريخي، أمس، مع الحملة العالمية للتضامن مع اليمن، ليعبرَ عن موقف إنساني يتجاوز حدود الجغرافية المحلية، حيالَ أمريكا ومشروعها العالمي، وبعبارة أُخرى: فقد عبّر هذا الخروج المحاط بتضامن عالمي، عن إسهام يمني كبير في تشكل مشروع عملي “عام” مناهضٍ للسياسات الاستعمارية والانتهازية للولايات المتحدة، وهو مشروعٌ برز دور اليمن فيه بشكل جزئي خلال الفترات الماضية من خلال العديد من الرسائل الإعلامية التضامنية الصادرة عن أبناء دول مناهضة لأمريكا وللنظام الرأسمالي الغربي، غير دول محور المقاومة في المنطقة، وَأَيْـضاً من خلال الإضافة النوعية التي شكلها انضمامُ اليمن إلى محور المقاومة في المنطقة، وتصدُّرُ اليمنيين الساحة العربية والإسلامية في العديد من المواقف الجامعة المتعلقة بالصراع مع الغرب، مثل الموقف التاريخي من استهداف الهُــوِيَّة الإسلامية، والذي تُرجم بشكل واضح في احتفالات المولد النبوي.
إن الخروجَ الجماهيري المتزامِن مع حملة التضامن العالمية مع اليمن، قد عزز موقعَ اليمن المهم في معادلات الصراع الأكثر عموميةً، سواء الصراع العربي/ الإسلامي مع الغرب، أَو الصراع التحرّري الأعمّ بين شعوب العالم المقهورة وبين دول الهيمنة الغربية، ليس على الصعيد السياسي فحسب، بل على الصعيد الإنساني بما يحويه من فكرٍ وثقافةٍ واقتصاد ومبادئَ.