مأرب بين التطهير والتشفير
منير الشامي
سِتُّ سنوات مرت، وصل مرتزِقةُ العدوان في بدايتها إلى بعضِ ضواحي صنعاء المحافَظة، ومنذ ذلك الحين وأبواقُ العدوان ومرتزِقتُه تنعقُ بعد كُـلّ وجبة بعبارة “قادمون يا صنعاء” وبعد كُـلّ هزيمة وانكسار وبعد كُـلّ دحر لهم وفرار، وبعد كُـلّ عملية واسعة لأبطال جيشنا واللجان، وكلما زادت المسافة بينهم وبينها زاد نعيقهم وكأن هذه العبارة عقارٌ موصوفٌ لمرضى القلوب المليئة بالأغبان والمزدحمة بالأضغان، داوموا عليها بمختلف المنابر، فصارت عادةً لجنودهم والقادة، وربما أَيْـضاً عند لبس البيادة!!، بل إن المتأملَ لحالهم يظن أن تلك العبارةَ أصبحت عندهم طقساً من طقوس عقائدية معتمدة في عقيدتهم كطقوس الهنود الحمر أَو كطقوس شعوب الغجر بالقارة الإفريقية.
وما زالوا كذلك حتى اليوم ينعقون بها ولم يتبقَّ لهم من محافظة مأرب إلا مركزها فقط بعد أن أضحت ضواحيها من جميع الجهات طاهرةً من دنسهم، ترفع منها تسبيحات المجاهدين الأبطال وترتيلهم للقرآن واستغفارهم وذكرهم متجاوزة عرشَ الرحمن، وتتردّد على رُباها صرخاتُهم مع ترانيم بنادقهم، مكّنهم ربهم منها وتجاوزوا بفضله كُـلّ تحصيناتهم.
فلا حشودهم عنها دفعت ولا غارات الطيران لها منعت رجالَ الله وأعاقتهم عما قضى به الله وأراده لهم، رغم كثافة القصف الجوي وغزارة التمشيط المدفعي وكثافة الحشود المدافعة عنها، ولا غرابة في ذلك فمن ذا يعيقهم وقد بلغوها بتسبيحهم ووطأوا رمالها باستغفارهم ومشيئة ربهم، وهو الأمر الذي جعل أمريكا وبريطانيا وكل متحالف معهم يرفعون نعيقهم كأراذلهم ويعلو ضجيجهم عنها وكل ذلك لماذا؟ ليعيقوا تطهيرها ويوقفوا تحريرها من رجس أدواتهم ودنسهم، فهي آخر معاقل تحالفهم، وحصنهم الأخير.
وصفوا اقترابَ أبطالنا منهم بأنه تقويضٌ للسلام، وتارةً طالبوا بوقف تقدم قواتنا بحجّـة حرصهم على المدنيين والنازحين، ولست أدري أي سلام يقصدونه وهم يدركون جيِّدًا أن تطهير مأرب يعني بكل تأكيد فتح أبواب السلام التي لن تغلق بعدها أبداً ولا أعرف عن أي حرص يتحدثون وهم يعلمون علم اليقين أن حرصَ العالم بأسره لا يمكن أن يبلغ عشر معشار حرص فرد من أفراد قواتنا المسلحة واللجان على المدنيين، وهو ما أثبتوه خلال ست سنوات أمام كُـلّ شعوب العالم، ثم كيف ظهر حرصهم فجأة في مأرب وهم يستهدفون كُـلّ اليمنيين المناهضين لوجودهم والموالين لهم الملتحقين بصفوفهم بأكبر ترسانة أسلحة وأحدثها كُـلّ يوم طوال ست سنوات من عدوانهم؟ وَإذَا كانوا حريصين كما يزعمون فلماذا لا يثبتون حرصهم برفع الحصار الذي يقضي كُـلّ يوم على عشرات اليمنيين على مرأى من أعينهم ومسمع من آذانهم طوال ستة أعوام؟
هم يحاولون فقط بضجيجهم وذرائعهم الكاذبة تشفير مأرب بشفرة عدوانهم وإيقاف أبطالنا عن تطهيرها ليستمر عدوانهم فقط؛ لأَنَّهم إن لم يفعلوا ذلك فسيكونون مجبرين بعدها على إحلال السلام الإجباري في اليمن ليس مِن أجلِ اليمنيين ولا حرصا على أمنهم وسلامتهم ولكن لإعادة أدواتهم القذرة إلى الساحة اليمنية؛ لأنهم يدركون جيِّدًا أنه إذَا تطهرت مأرب ولم يقف العدوان ستستمر قواتنا في تطهير المحافظات الجنوبية وستسقط من أيديهم تباعاً؛ بسَببِ تعدد طوائف المرتزِقة واختلاف أيديولوجياتها من جهة والإرادَة الشعبيّة فيها من جهة أُخرى.
وسيتمخض ذلك عن خروج مرتزِقتهم من اليمن، وهذا ما لا يمكن أن يسكتوا عنه أَو يرضوا بحدوثه؛ ولذلك سيضطرون مجبرين إلى إحلال السلام ووقف العدوان ورفع الحصار لضمان إعادة أدواتهم إلى الساحة تحسبا للمستقبل.
ما يعني أن تطهير مأرب على قوى الاستكبار العالمي وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا أشد ألماً وعذاباً من ألم وعذاب مرتزِقة تحالفهم وعملائهم في الرياض ودبي، وهو ما ليس خافياً على قيادتنا الحكيمة ولا على شرفاء شعبنا العظيم، فهل ستحظى مأرب بالتحرير الرباني تلبية للإرادَة الثورية والشعبيّة أم ستحظى بالتشفير الشيطاني وفقاً للإرادَة العدوانية؟
وهذا ما ستكشفه لنا الأيّام القادمة.