الاستخباراتُ الأمريكيةُ تغتالُ الرئيسَ كيندي
أنس القاضي
في 22 نوفمبر عام 1963 اغتُيل الرئيسُ الأمريكي جون كيندي.
كان لدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السي آي أيه) كُـلُّ الدوافعِ للقضاء على رئيس بلادهم، الذي اُتُّهم من قبلِ الأوساطِ الحاكمةِ الأمريكيةِ بالجبنِ والخيانةِ والتساهلِ معَ ما سُمي بالإرهاب الشيوعي، القادمِ من كوبا وفيتنام.
خلالَ فترةِ رئاسةِ «أيزنهاور»، وضعت وكالةُ الاستخبارات المركزية الأمريكية خطةً لغزو كوبا من خليج الخنازير. وكان يعتقدُ ضباطُ الاستخبارات بأن المواطنين الأمريكيين بمُجَـرّد أن يسمعوا بالهجوم على كوبا سوف ينضمون إلى حملة إسقاط «فيديل كاسترو».
تم تدريبُ المرتزِقةِ الكوبيين من قبل وكالة الاستخبارات المركزية وحكومة الولايات المتحدة وزُوّدوا بالأسلحة ووسائل النقل اللازمة، لتنفذَ عمليةَ الغزو ضد النظام الثوري الكوبي. وبما أن الرئيسَ إيزنهاور كان بالقربِ من نهايةِ ولايتِه، فقد أبقى خطةَ غزو كوبا بتفاصيلها معلقةً لتنفذ في عهدِ الرئيس القادم، دونَ أيةِ عراقيلَ.
بعد فوزه في الانتخابات قرّر الرئيسُ جون كينيدي تخفيضَ عددِ الطائراتِ المُعدةِ للمشاركة في عمليةِ الغزوِ من 16 طائرةً إلى 6 طائرات، حتى تبقى العمليةُ قيدَ السرية ولا يكتشفها العالم.
ومع اقتراب موعد الغزو، قرّر كينيدي الوقوفَ ضدَّ الخطةِ، وأعلن في الصحف الرسمية أن الولاياتِ المتحدةَ لن تغزوَ كوبا بجيشها، وهو الأمرُ الذي أثار سخطَ الأوساط الحاكمة الأمريكية المتحمسة لإعادة كوبا إلى هيمنتها.
شكّل كينيدي لجنةً لإبقائه على اطلاع على ما يجري في فيتنام. وعلى الرغم من أن التدخلَ الأمريكي في فيتنام كان ما يزالُ منخفضاً آنذاك إلا أن كينيدي كان قلقاً من تصاعد الحضور الأمريكي في آسيا، وقد نقُل عن كيندي قوله:
“لا يمكنُ تبريرُ إرسالِ الشبابِ الأمريكيين في نصفِ المسافةِ حولَ العالمِ لمحاربة الشيوعية في حينِ أنها موجودة في كوبا إلى الجنوب من ولاية فلوريدا”.
«ألين فوستر دالاس»، كان واحداً من أعضاءِ الفريقِ الذي شكّله كيندي لاطلاعه على الوضعِ في فيتنام، وكان دالاس يشغل آنَذاك منصبَ رئيسِ وكالةِ المخابرات المركزية، وقد أمسك كيندي عليه أكاذيبَ ثم قام بفصله من منصبه.
غيّر كينيدي قواعدَ العمل في وكالة المخابرات المركزية، بحيثُ صار عليها الحصولُ على الموافقةِ على أيةِ عملياتٍ سريةٍ مستقبليةٍ من رئيسِ الجمهورية.
تصاعدت النزعةُ العدائيةُ في أوساطِ المخابراتِ المركزيةِ الأمريكيةِ ضدَّ كيندي، حين انتقل بشكلٍ واضحٍ على العملِ في مواجهتِهم.
بعث كينيدي عملاءَ من مكتبِ التحقيقاتِ الفيدرالي لتفريقِ معسكراتِ المرتزِقةِ الكوبيين الذين كانت تدعمُهم وكالةُ الاستخباراتِ ومصادرةِ أسلحتِهم، وعقبَ هذهِ العملية أعفى كيندي مسؤولين كباراً آخرين في وكالة المخابرات المركزية، بما في ذلك شقيق عمدة دالاس.
بسببِ المشاكلِ المستمرةِ معَ وكالةِ المخابراتِ المركزيةِ وتدخلِها المستمرِ في مسائلَ لا تخُصُّها، أعلن كنيدي أنه على وشك أن يحطم وكالة الاستخبارات المركزية إلى ألف قطعة وبعثرتها في الرياح.
وكان الرئيس الأمريكي ترومان، الذي أنشأ وكالةُ المخابرات المركزية، أعلن عن مخاوفِه بشأنِ سلوكِ الوكالةِ.
ترك كينيدي مهمةَ تدميرِ الوكالةِ إلى الانتخاباتِ المقبلةِ، وبدأ بسحبِ قواتِه من فيتنام، وهو الأمرُ الذي لم يرقْ لوكالة المخابرات المركزية. وكان أولُ القرارات الذي اتخذها الرئيس جونسون بعد اغتيال كينيدي هو زيادةَ التدخل الأميركي في فيتنام.
في 22 نوفمبر عام 1963، وصل كينيدي إلى مدينةِ دالاس، واستقل سيارةً مكشوفةً لعبورِ بعضِ شوارعِ المدينةِ وتحيةِ الناس عن قرب، وأثناءَ عبورِه لمنطقة “الديلي بلازا” تعرَّض لإطلاق نار من قناصٍ محترفٍ.
أُصيب كيندي برصاصتين اخترقت الأولى رقبتَه، أما الثانيةُ فهشمت جمجمتَه، ففارقَ الحياةَ بعدَ أقلَّ من نصفِ ساعةٍ من وصوله إلى اقرب مستشفى.
في ذاتِ اليومِ اُعتقل «لي هارفي أوزولد» وهو شيوعي كان جندياً سابقًا في المارينز، واتُّهم باغتيال كيندي، لكنه نفى التهمَ التي وُجهت له، وبعدَ يومين من اعتقاله قُتل أوزولد بالرصاص في قبوِ قسمِ شرطةِ دالاسِ.
لجنةُ «وارين» المكلفةُ بالتحقيقِ في الاغتيال فبركت أدلةً وهميةً تبينَ أن المتهمَ «أوزوالد» الذي قام بالاغتيال زارَ السفارات السوفيتية والكوبية في المكسيك لترتيب عملية القتل والهروب، إلا أن رئيسَ عملياتِ وكالةِ المخابراتِ المركَزيةِ في المكسيك صرّح آنَذاك بعدمِ وجودِ أيِّ دليلٍ حقيقي على تلكَ الادِّعاءات، وهكذا أغلقت الاستخباراتُ الأمريكية مِلفَّ القضيةِ بعدَ تصفيتِها كيندي.