تداعياتُ العودة الأمريكية إلى الاتّفاق النووي على مستقبل الكيان الصهيوني
في ظل خطوط إيرانية حمراء..
المسيرة / عبدالقوي السباعي
الجميعُ يترقَّبُ الخطوةَ الأولى، إذ يبدو في الظاهر أن واشنطن قد اتخذتها، أما بالعودة إلى سوابقَ أمريكيةٍ فَـإنَّ طهران تتخذ موقفاً أكثرَ حذراً يجعلها أرشدَ تجاه أية خطوة ناقصة أَو قد تكون مُجَـرّد ظاهرة صوتية ليس إلا، بينما يراها العدوّ الصهيوني تهديداً لأمنه القومي.
إعلان إدارة الرئيس الأمريكي “جوبايدن” استعدادَها قبولَ دعوةٍ أُورُوبيةٍ للمشاركة في اجتماعٍ تحضُرُه إيرانُ لبحثِ المسار الدبلوماسي بشأن مِلفها النووي، بالتوازي مع سحبِها الطلبَ الذي قدمته إدارةُ الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” للأمم المتحدة، لإعادةِ فرضِ العقوبات الدولية عليها، إضافةً إلى قرار تخفيف القيود على الدبلوماسيين الإيرانيين في نيويورك.
يبدو أن هذه الخطواتِ الأمريكيةَ تأتي بالتنسيق الكامل مع دول الاتّحاد الأُورُوبي المركزية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا)، كإشارة من إدارة جو بايدن للعودة إلى سياسة الدبلوماسية الجماعية مع الشركاء التقليديين في دول الاتّحاد الأُورُوبي، بعد سنوات عِجافٍ من العمل الأمريكي الأُحادي في ولاية ترامب، التي اتسمت بفتور العلاقة الأمريكية مع الاتّحاد الأُورُوبي وحلف الناتو ومؤسّسات الأمم المتحدة.
في المقابل لم يحظَ هذا الإعلان بالاهتمام الكبير من طهران، بل وضعت عليه خطوطها الحمراء وشرط العودة، بالقول: “طالما أن الإدارة الأمريكية لم تبدأ عمليًّا وجدياً برفع العقوبات عن إيران، وطالما أن الإيرانيين لم يشعروا بذلك فعلياً، فالموقف الإيراني لا يحتاج إلى شرح وتفصيل، مع ذلك ومن باب التأكيد أعاد حسابُ السيد علي خامنئي نشرَ موقفه الحاسم هذا”.
وجاء شرطُ طهران للعودة إلى التزاماتها النووية هو إلغاء العقوبات بالكامل ليس باللسان وعلى الورق، بل عمليًّا وأن تشعر إيران بإلغائها فعلياً، حينها ستعود طهران إلى التزاماتها بالاتّفاق النووي.
ويظهر جليًّا أن القرارَ الأمريكيّ تجاه إيران يحمل في طياته الكثير من التداعيات على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادة بايدن تجاه حكومة الكيان الصهيوني أَيْـضاً.
القرار الأمريكي يعتبر نهايةَ سياسة الضغوط الأمريكية القصوى على إيران (آلية الوناد)، من خلال العقوبات الاقتصادية والعسكرية التي مارسها دونالد ترامب طوال فترة رئاسته، الأمر الذي كانت حكومة الكيان، وما زالت تعتبره أمراً أَسَاسياً للحفاظ على أمنها القومي، إذ إن هذه السياسة تخدمها من نواحٍ عدة، بعيدًا عن موضوع الملف النووي، فسياسة الضغوط القصوى أَو ما يسمى “آلية الزناد” وضعت الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على مسار المواجهة الفعلي الذي كان من الممكن أن تتدحرج به الأمور إلى حربٍ مفتوحة، وخُصُوصاً بعد إقدام أمريكا على اغتيال القائد قاسم سليماني، الأمر الذي يخدم التوجّـهات الصهيونية في توريط الأمريكيين في مواجهةٍ عسكرية، لخدمة أهدافها المتمثلة بالقضاء على الخطر الإيراني بأقل التكاليف الممكنة لها.
إذ لا يقتصر تأثير سياسة الضغوط القصوى الأمريكية على المشروع النووي الإيراني، بل يتعداه إلى التأثير في قوة إيران العسكرية التقليدية، سواء في ملف تطوير مشروع صواريخها الباليستية وقوة الجو فضائية، أَو في اتساع محور المقاومة وتناميه عسكريًّا وجغرافياً، وهما القضيتان اللتان لم يشملهما الاتّفاق النووي مع إيران، واللتان تعتبرهما حكومة الكيان خطراً استراتيجياً على أمنها القومي.
ورغم حرص إدارة بايدن على إيقاف تعاظم إيران العسكري في المنطقة، فَـإنَّ اهتمامها ينصبُّ حَـاليًّا على عدمِ تمكينها من امتلاكِ السلاح النووي في الدرجة الأولى، وخُصُوصاً بعد تحَرّكاتها الأخيرة لإنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 20 %، وهنا يبرُزُ فارقٌ جوهري في المواقف بين جو بايدن وبنيامين نتنياهو بالنسبة إلى الكيفية المثلى للتعاطي مع الملف الإيراني، ففي الوقت الذي يحاول بايدن إتمام الملف النووي، ليصبح بعدها الأمر أكثر سهولة لمعالجة الملف العسكري الإيراني، يعتبر نتنياهو أن معالجة الموضوعين رزمةً واحدةً من خلال الضغوط القصوى على إيران هي الحل الأمثل.
هُنا يرى الكثير من المراقبين أن حكومة الكيان تعتبر سياسة الضغوط القصوى الأمريكية تؤثر على المدى البعيد في استقرار النظام السياسي في الجمهورية الإسلامية في إيران، أَو تشغله على الأقل بقضايا داخلية تحت وطأة الحصار الاقتصادي.
فالقرار الأمريكي الذي أتى بالتنسيق الكامل مع الاتّحاد الأُورُوبي، وهنا، ثمة إشارة واضحة إلى عودة الاعتبار إلى تأثير الموقف الأُورُوبي في القرارات الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط بشكل عام، الأمر الذي سيمنحه تأثيراً أكبر في قضية الصراع الصهيوني الفلسطيني العربي، بعد تهميش دوره على امتداد ولاية ترامب.
والجديرُ بالذكر أن الكثيرَ من المواقف الأُورُوبية ما زالت تتعارض مع مواقف حكومة الكيان الصهيونية في العديد من القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية، مثل ما يسمى (حل الدولتين والاستيطان وحملة المقاطعة)، وحديثاً محكمة الجنايات الدولية.
تُشير التقارير الصحفية التي تناولت هذا الإعلان، أنهُ ورغم إبلاغ الإدارة الأمريكية حكومة الكيان بنيّتها المسبقة بإصدار القرار، فَـإنَّ الرئيس الأمريكي جو بايدن –لم يخبر نتنياهو بالأمر بشكل شخصي أثناء المكالمة الهاتفية الّتي جرت بينهما قبل يوم من القرار الأمريكي– بمعنى أن سياسة بايدن تجاه نتنياهو تتسم بعدم الثقة والبرودة في العلاقة، بخلاف نمط التعاون السابق المفتوح بينه وبين ترامب، وخُصُوصاً أن المكالمة الهاتفية جاءت بعد مرور أكثر من شهر على دخول بايدن إلى البيت الأبيض، إلى درجة أن عدم اتصاله به أثار انتباهَ الإعلام العبري في هذه الفترة الحسَّاسة من تاريخ حكومة نتنياهو.
لذلك يسعى الإعلامُ العبري اليومَ إلى طمأنة الشارع الداخلي، في التأكيد على أن السياسة الأمريكية تجاه الملف الإيراني لا يمكنها أبداً القفز على مصلحة الأمن القومي الصهيوني –وهي كذلك– حتى مع وجود بعض الاختلاف في المقاربات؛ لأَنَّ ذلك ينبع من الحرص الأمريكي على أمن الكيان، أضف إلى ذلك أن شعور إدارة جو بايدن والحزب الديمقراطي الأمريكي بالمسؤولية الأيديولوجية تجاه حكومة الكيان والحركة الصهيونية عُمُـومًا، يجعلهما يبادران إلى اتِّخاذ بعض القرارات التي دائماً ما تخدم أمن الكيان، ولو لم تحظَ بإعجاب حكومة نتنياهو، ولعل الساعات القليلة القادمة ستكشف النوايا الخفية من وراء هذه الخطوات.