خفايا العلاقة المباشرة بين الـ (CIA) و “القاعدة” وحجم انبطاح النظام السابق لأمريكا
وثائقُ ومكالماتٌ هاتفيةٌ خطيرة يكشفُها التوجيهُ المعنوي لأول مرة:
المسيرة | خاص
كشفت دائرةُ التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع، أمس الثلاثاء، عن جزءٍ مهمٍّ من تفاصيل واقع الوصاية الأمريكية الشاملة على اليمن، في عهد نظام علي عبد الله صالح، حَيثُ بثت لأول مرة مكالمةً هاتفيةً تلقى خلالَها الأخيرُ أوامرَ “مُلِحَّةً” من مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية آنذاك، بالإفراج عن أحد أبرز قيادات تنظيم ما يسمى “القاعدة” بعد أن كان قد تم اعتقاله على ذمة حادثة المدمّـرة “يو إس إس كول”، وهو ما سارع صالح في تنفيذه، الأمر الذي يكشف حجم ارتباط الولايات المتحدة بالتنظيم، وحجم انبطاح النظام السابق لواشنطن التي لم يقتصر نفوذها على ذلك الجانب، إذ كشفت دائرة التوجيه عن وثائق أُخرى تفضح تفاصيل التواجد العسكري الأمريكي في اليمن وفضائح أخلاقية تتعلق به.
الاستخبارات الأمريكية وتنظيم “القاعدة”
في المكالمة التي بثتها المسيرة، يطلب مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) جورج تينيت، من علي عبد الله صالح، الإفراج عن سجين يتواجد في سجن الأمن السياسي بصنعاء، وبصورة عاجلة وملحة، ويسأل صالح عن هُــوِيَّة السجين، مبينًا أن هناك “الكثيرَ من السجناء في قضية المدمّـرة كول”، فيرد تينيت بأنه لا يفضّل ذكر الاسم في الهاتف، فيعرض صالح أن يقوم الأمريكيون بتزويده بالتفاصيل “عبر أية طريقة”؛ كي يقوم بإطلاق السجين، وفي اليوم نفسه يتصل صالح بالرجل ليبلغَه الموافقة، ويتم الاتّفاقُ على إخراج السجين في اليوم التالي، وإخراجه من البلد، مع تأكيدات من قبل صالح على أنه “سيتعاون بشكل كامل ودائم” مع الأمريكيين.
هذه المكالمة تفضحُ العلاقةَ المباشرة والوثيقة بين قيادة الاستخبارات الأمريكية وعناصر ما يسمى تنظيم “القاعدة”، وتكشف أن شعارَ “الحرب على الإرهاب” الذي ترفعه الولايات المتحدة مُجَـرّد دعاية للتغطية على هذه العلاقة التي تقوم فيها واشنطن بتحريك هذه العناصر لخدمة مصالحها، وبتواطؤ كامل من الأنظمة العميلة كنظام صالح.
وكشف اللواءُ عبد القادر الشامي -نائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات- أن “السجين” المذكور في المكالمة، كان القيادي التكفيري البارز، أنور العولقي، الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية واليمنية، والذي “بعد انتهاء مهمته قام الأمريكيون بتصفيته في الجوف عام 2011”.
يشار إلى أن التكفيري العولقي وُلد في الولايات المتحدة، وعاد إليها بداية العقد الأخير من التسعينيات بمنحة دراسية حكومية، وحصل على بكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة ولاية كولورادو، كما حصل على شهادة الماجستير في القيادة التربوية من جامعة ولاية سان دييغو، ثم قامت الولايات المتحدة لاحقا بإدراجه في قوائم المطلوبين على خلفية أحداث سبتمبر 2001، لكن المكالمة التي كشفت أمس، تبين أنه كان يرتبط مباشرة بقيادة الاستخبارات الأمريكية.
قاعدة عسكرية أمريكية في عدن
إلى ذلك، كشفت دائرة التوجيه المعنوي عن وثائق وتقارير للخارجية الأمريكية عن “بعض الشؤون المهمة في اليمن” عام 1998، وتتضمن “التفاصيل الجغرافية والديمغرافية والاقتصادية” و”نظرة عامة عن التواجد العسكري الأجنبي”.
أحد التقارير (صدر في 30 مايو 1998) يتحدث عن إنشاء قاعدة بحرية لقوات “المارينز” الأمريكية في منطقة البريقة بمحافظة عدن، واتّفاقية موقعة بين الجنرال “أنتوني زيني” قائد القوات المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، وحكومة اليمن آنذاك، حول خدمات هذا القاعدة.
ويوضح التقرير أن تلك القاعدة العسكرية “يجب أن تُجهَّزَ لتواجد طائرات استطلاعية ومقاتلة وقاذفة، وحاملة طائرات وبعض الغواصات والقطع العسكرية البحرية” وأنها “ستعمل على تجهيز ميناء عسكري لتزويد القطع البحرية الأمريكية بالوقود وخدمات أُخرى”.
ويضيف أن “القاعدة البحرية في عدن ستعملُ على تجهيز مرسا للغواصات الأمريكية، بما فيها الغواصات العاملة بالوقود الذري” و”مرسى للقطع البحرية الأمريكية التي تخدم حاملة الطائرات الأمريكية العاملة في الخليج والمحيط الهندي” وأنها “تعتبر قاعدة إمدَاد عسكرية للقوات الأمريكية المتواجدة في الخليج وبحر العرب والقرن الأفريقي والبحر الأحمر”.
ويكشف التقرير أَيْـضاً أن “قاعدة القوات الأمريكية في عدن ستتضمن مخازنَ للوقود وللذخيرة، ومخازن للنفايات والأسلحة الذرية والكيماوية”.
هذه المعلومات ترسُمُ صورةً واضحةً عن حجم الوصاية الكاملة والفاضحة التي كانت تمتلكها الولايات المتحدة على اليمن في عهد صالح الذي لم يتورع حتى عن تحويل اليمن إلى “مكب للنفايات الكيماوية والذرية” الأمريكية.
استهداف المجتمع اليمني
ولا تقفُ هذه الفضيحة عند هذا الحد، فنظامُ صالح لم يكتفِ بإدخَال القوات والنفايات الأمريكية إلى البلاد، ليضيف إلى ذلك تهيئة الوضع لهم للبقاء على حساب قيم وأخلاق الشعب اليمني وهُــوِيَّته، إذ تحدّد إحدى وثائق الخارجية الأمريكية أماكن “للدعارة” واللهو في عدن وتقول إنها تحظى بتشجيع من قبل بعض أطراف السلطة العليا، وتتحدث عن الاستفادة من هذه الأماكن، لخدمة الجنود الأمريكيين في عدن، كما تحدّد أماكن لبيع المشروبات الكحولية والخمور في صنعاء وعدن وتتحدث عن جهات تقوم بتصنيع “البيرة” محلياً.
وتكشف الوثيقة أَيْـضاً عن نشاطات أُخرى لتغيير هُــوِيَّة الشعب اليمني دينيا، من خلال “إعادة تفعيل المعابد اليهودية والنصرانية” كما تتحدث عن “دور القوات الأمريكية المتواجدة بعدن في حماية أفراد الجالية اليهودية في صعدة وصنعاء”، ضمن مساع خطيرة تهدف لضرب المجتمع وتمهد للتطبيع مع العدوّ الإسرائيلي.
هكذا بدا المشهد، قبل أكثر من عشرين عاماً، حَيثُ كان نظامُ صالح يتشدَّقُ بشعارات الوطنية، في الوقت الذي يقدم فيه البلد كله على طبق من ذهب للأمريكيين ليفعلوا به ما شاءوا، بدءاً من الانتشار العسكري، ووُصُـولاً إلى الممارسات اللاأخلاقية، وفوق ذلك كله يتواطأ معهم في صناعة دعاية مكافحة “الإرهاب” كمبرّر لهذه الوصاية الشاملة، وكل ذلك مقابل البقاء في الحكم وتحويل موارد البلد إلى ثروات شخصية لمجموعة “الموظفين” الذين يمثلون النظام وتتحكم بهم أمريكا.
ولم يكن الأمر كله “سرياً”؛ لأَنَّ ذلك الانبطاح كان قد وصل إلى حَــدِّ خروج الكثير من التفاصيل إلى العلن، وكانت العديد من الصحف المحلية آنذاك تتناول بعض هذه القضايا بشكل واضح، وقد سلطت صحيفة المسيرة الضوء في وقت سابق على جانب مما كانت تتناوله الصحف عام 2000 حول العلاقات بين نظام صالح والكيان الإسرائيلي برعاية أمريكية.
في الوقت نفسه، كان الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، يتناول كُـلّ هذه التفاصيل بشكل واضح ويحذر من استمرار هذا الواقع الخطير، ويؤسس مشروعاً متماسكاً للحفاظ على سيادة وأمن البلد وهُــوِيَّة الشعب، لكن نظام صالح كان قد وصل في انحرافه إلى نقطة اللاعودة، فاتجه بكل قوته لمحاربة الشهيد القائد ورفاقه بدون أي مبرّر، سوى تنفيذ التوجيهات الأمريكية، وإسكات الصوت الوحيد، والسلمي، المنادي بإصلاح ذلك الواقع.