شهيدُ مكة له أجران
منير الشامي
يقال: إن الحقَّ أبلجُ والباطلَ لجلج.. وتلك حقيقة لا شك فيها، ولذلك فأهل الحق قلة في عددهم وأهل الباطل كثيرة أعدادهم، وتلك سُنةٌ من سنن الله التي لا تبديل لها ولا تحويل وقد بينها الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- وأكّـدها في مواضع عدة من كتابه العزيز فقال جل من قائل مخاطباً سيدَنا ومولانا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-:
(وَمَا أكثر النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين) سورة يوسف- آية (103)، وبين -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- أَيْـضاً أن فئة الحق وإن قلت فهي القوة الغالبة بإذن الله تعالى بقوله تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)
سورة البقرة- من الآية (249).
فكم في الآية تشير إلى كثرة الغلبة لفئات الحق القليلة على فئات الباطل الكثيرة، ولن نذهب بعيدًا فأبرز مثال حي وشاهد على هذه السنة الإلهية هو ما نشاهده ويشاهده العالم منذ ست سنوات فقد اجتمعت قوى الباطل والشر العالمية في تحالف العدوان على أنصار الله وهم فئة حق قليلة لم يكونوا يملكون ولا حتى ما يوازي 0.1% من إمْكَانيات وقدرات قوى تحالف العدوان قبل ست سنوات، وهاهم اليوم بقيادتهم الربانية الحكيمة ومشروعهم القرآني وتحت ظلال مسيرتهم القرآنية قد دشّـنوا العام السابع من مواجهتهم لتحالف العدوان بأوسع وأكبر عملية نوعية تمثل نقطة تحول في مسار مواجهة العدوان وتشير إلى أن ما بعدها سيكون أشد إيلاماً منها وأعظم تأثيراً.
إذن فالغلبةُ لم تكن يوماً بكثرة العدد والعدة ولن تكون أبداً إلا بين فئتين كلتاهما على باطل أما بين فئة حق وفئة باطل فلا تأثير للكثرة في المواجهة، ولعل الدرس الذي علمه الله للمسلمين بغزوة حنين أكبر دليل على ذلك فقد فر المسلمين من ساحة المعركة رغم كثرتهم ولم يتحقّق النصر إلا بثبات النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- والإمام علي وعمه العباس وعدد قليل بجانبهم لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدين، وهناك أمثلة كثيرة ضربها الله في القرآن الكريم عن ذلك، ويرجع السبب في غلبة فئات الحق القليلة لفئات الباطل الكثيرة إلى أن رجال فئات الحق ليسوا كرجال فئات الباطل بل يتميزون بمواصفات إيمانية فريدة وخصائص قرآنية متفردة تجعل الرجل الواحد منهم يعادل العشرات أَو المئات من رجال الباطل، بل إن بعضَ رجال الحق يعدل الواحد منهم بآلاف الرجال من أهل الباطل والإمام الأعظم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خير مثال لهم في كُـلّ الغزوات كما هو ثابت في صفحات التاريخ وكتب السيرة.
حقاً إن الحقَّ يستهوي ذوي الفطرة السليمة وذوي الأفئدة الرقيقة والنفوس الزاكية، حتى وإن كانوا ينتمون إلى مجتمع الباطل، وخيرُ مثال على ذلك الشهيد البطل عبدالعزيز يوسف سعد محمد عمر “أبو العز”، أما الباطل فيستهوي ذوي الفطرة المنحرفة وذوي الافئدة المريضة وذوي النفوس الخبيثة حتى وإن كانوا ينتمون إلى مجتمع الحق -كالمرتزِقة مثلا- وهؤلاء يمثلون الكثرة في كُـلّ زمان ومكان.
الشهيد عبدالعزيز يوسف سعد محمد عمر (أبو العز) أنموذج للمؤمن الصادق الذي جسّد قوةَ الإيمان وصدقَ الموقف وسلامةَ الفِطرة ولينَ الفؤاد وزكاءَ النفس.
هذا الشهيدُ من أبناء مكة المكرمة وهو واحدٌ من ضباط الجيش السعودي عرف الحقَ فترك القتالَ في صف الباطل وحاز على الأجر الأول من الله، ثم التحق بالحق وأهله فكان له أجران من الله.
إن هذا البطل المؤمن قد جسد أروع مواقف قوة الإيمان بالله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- وضرب أروع الأمثلة في التضحية والثبات في سبيل الله، آثر إرضاءَ الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- على نعيم الدنيا وحطامها فخرج من الجيش السعودي غير آسف على ما كان عليه من رفاهية العيش وسعة الرزق وكثرة المزايا والحقوق التي كانت تمنح له، ولم يكتفِ بهذه التضحية فحسب بل التحق بالجيش واللجان الشعبيّة ليجاهد في سبيل الله ضد طغيان قومه وجبروتهم وظل كذلك حتى نال وسام الشهادة والتحق بركب العظماء الخالدين، فسلام الله على روحه الطاهرة التقية وعلى نفسه المؤمنة الزكية يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً، وهنيئا له الخلود بصحبة محمد وآله صلوات الله عليه وعليهم وطوبى لشهيد مكة وحُسن مآب.