السيد عبدالملك الحوثي في أولى محاضراته الرمضانية:
الصيامُ وسيلةٌ لتحقيق التقوى؛ لأنه يسد الطريقَ أمام الرغبات والشهوات
انحرافُ الإنسان عن توجيهات الله يجرُّه إلى الشقاء والضياع والخسران
نحن بحاجة لاستحضار توجيهات الله طوال حياتنا كي لا نكونَ فريسةً للشيطان
++++++++++++++++
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.
وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ..
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
نفتتحُ المحاضراتِ الرمضانية بالحديث ابتداءً عن الغاية العملية من الصيام، والتي يترتب عليها بقية النتائج المهمة، والمكاسب الكبيرة التي وعد الله بها على الصيام، سواءً فيما هو عاجلٌ في الدنيا، أَو أجل في الآخرة.
الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” قال في كتابه الكريم، وهو يحدِّثنا عن هذه الفريضة العظيمة والمهمة: فريضة صيام شهر رمضان، قال “جَـلَّ شَأْنـُـهُ”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: الآية183]، هذه الآية المباركة التي تضمَّنت الأمر من الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” بصيام شهر رمضان، وباعتباره فريضةً إلزاميةً، لولم يلتزم الإنسان بصيامها من دون عذرٍ شرعيٍّ، فَـإنَّه يعتبرُ عاصياً، ومخلاً بركنٍ من أركان الإسلام، ومرتكباً لذنبٍ من كبائر الذنوب والمعاصي والعياذ بالله.
هذه الفريضة العظيمة، المهمة، الإلزامية، لها غايةٌ عمليةٌ، تتعلق بك أنت كإنسان، على مستوى الفرد كفرد، أَو على مستوى المجتمع، والإنسان عادةً هو في إطار مجتمع في كُـلّ شؤون حياته، فالله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” عندما قال في هذه الآية المباركة: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، هو يخبرنا بأنَّ لهذا الصيام غايةً عمليةً، تتعلق بما هو ذو أهميّة كبيرةٍ جِـدًّا بالنسبة لنا نحن؛ لأَنَّ الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” هو الغني عنا، وعن أعمالنا، وعن طاعاتنا، لكنه يرشدنا ويأمرنا إلى ما هو خيرٌ لنا، وبما فيه خيرٌ لنا وصلاحٌ لنا، فيما يتحقّق لنا به من النتائج الإيجابية والجيدة، فيما نحقّق من خلاله لأنفسنا من الخير العظيم، وفيما ندفع عن أنفسنا من خلاله ومن خلال الالتزام به الشرور الكبيرة.
عندما قال الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، هو يبين لنا أنَّ الصيام يعتبر وسيلةً عمليةً تساعدنا على تحقيق التقوى، والتقوى مسألة مهمة بالنسبة للإنسان، الإنسان هو مفطورٌ (في فطرته) مفطورٌ بالمحبة لما يقي نفسه، ولكل ما يمكن أن يكون وقايةً له من الشرور، من العذاب، من الخزي، من الشقاء، من الهوان، من كُـلّ النتائج السليبة التي يمكن أن تحدث عليه، في حياته هنا في هذه الدنيا، وفي مستقبله الأبدي في الآخرة.
فاللهُ “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” يوضِّحُ لنا في هذه الآية المباركة، ويبين لنا، أنَّ الصيام هو وسيلة عملية لتحقيق هذه الغاية العملية، التي هي منسجمة مع فطرة الإنسان، ذات أهميّة كبيرة بالنسبة للإنسان (كفردٍ، وكمجتمع)، الإنسان في أَمَسِّ الحاجة، وهو في العادة يعطي أهميّة كبيرة لما يدفع عنه أي شر، أَو أي خطر، أَو أي ضر، أَو أية مصائب، أَو أية عواقب سيئة جِـدًّا، تؤثر على شؤون حياته، في أيِّ جانبٍ من جوانب حياته، وكَثيراً ما يتجهُ الإنسانُ لأعمالٍ كثيرةٍ، أَو اهتمامات كثيرة، يرى فيها أنها تحقّق له هذا الهدف، فإذا عرف عن شيءٍ معين، أَو ظن وتوقع في شيءٍ معين، أنه يقي عنه خطراً معيناً، أَو شراً معيناً، أَو سُوءاً معيناً، أَو ضرراً معيناً، فَـإنَّه يحرص على أن يهتم بذلك الذي ظن فيه وقايةً له، ودفعاً لشرٍ، أَو خطرٍ، أَو سوءٍ، أَو فقرٍ، أَو ضنكٍ، أَو شقاءٍ، عنه، يلحظ الاهتمام بذلك، هذه هي فطرته، هذه هي فطرته، وواقع حياته يشهد بذلك؛ إنما مشكلة الإنسان أنه يخطئُ في كثيرٍ من الأمور: يرى فيها خيراً لنفسه، ويرى فيها أنها تقيه من أشياءَ كثيرةٍ، أَو شرور كثيرة، أَو شقاء، فيتجه إليها، وقد يكون الكثير منها سبباً لشقائه، أَو سبباً لهلاكه، أَو سبباً لجلب الشر إليه.
ولذلك عندما نلحظ في واقعنا كأمةٍ مسلمة تنتمي للإيمان، فَـإنَّها من خلال إيمانها لها هذه الصلة بالله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، صلة عظيمة جِـدًّا، تحظَى من خلالها برعايةٍ من الله، رعاية في جانبٍ مهمٍّ من شؤون الحياة: هو جانب الهداية من الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، أن تأتينا التعليمات من ربنا العظيم “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، التي يبيّن لنا ما يشكِّل خطورةً علينا، وما يشكِّل وقايةً لنا بالفعل.
وإذا تأملنا في: ما هي علاقة الصيام بالتقوى، وبما يقينا من كلما نحن مفطورون على الحرص بأن نقي أنفسنا منه، من الشقاء، والعذاب، والهوان، والخزي، فالمسألة تتضحُ لنا عندما نعرف مصدر الخطر علينا، أين هو مصدر الخطر علينا؟
في البداية علينا أن نتذكرَ أنَّ الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” أنعم علينا كبشر بوجودنا في هذه الحياة، فوجود الإنسان منذ بدايته هو برحمةٍ من الله، وبفضلٍ من الله، وبنعمةٍ من الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، وهيَّأ اللهُ لنا في وجودنا في هذه الحياة كُـلّ أسباب ولوازم الخير والاستقرار والاستقامة لحياتنا، هيَّأ لنا ما يكفل لنا الحياة الطيبة، وما يمكن من خلال ذلك أن نضمن لأنفسنا وأن نحقّق لأنفسنا -بهداية الله، برحمته، بتوفيقه “جَـلَّ شَأْنـُـهُ”- السعادة الأبدية في الآخرة أَيْـضاً؛ لأَنَّ الإنسانَ هو مخلوقٌ لحياتَين: للحياة الأولى، وللآخرة، وما الموت إلَّا فاصلٌ قصيرٌ ما بين الحياتين، وكلتا هاتين الحياتين مترابطتان أَو مترابطتين، هناك ارتباط كبير ما بين هذه الحياة الأولى بالنسبة للإنسان، والحياة الآخرة، فاستقامة الإنسان في هذه الحياة، هي لصلاح حياته الأولى، وهي أَيْـضاً لصلاح حياته الآخرة، يمتد ذلك إلى صلاح حياته الآخرة الأبدية.
فاللهُ “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” أنعم علينا في هذه الحياة ابتداءً من خلقنا، هو “جَـلَّ شَأْنـُـهُ” خلقنا، وأحياناً، ووهبنا هذا الوجود، وعندما خلقنا فهو خلقنا كما قال “جَـلَّ شَأْنـُـهُ“: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين: الآية4]، حتى في خَلقِنا، خَلَقَنا كبشر في أحسن تقويم، هذه نعمة وتكريمٌ في نفس الوقت، فالله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” أحاطنا برعايته، بنعمته، بفضله، وَأَيْـضاً بتكريمه.
هو “جَـلَّ شَأْنـُـهُ” ذكَّرنا بعظيم نعمه علينا في كتابه الكريم، عندما قال “جَـلَّ شَأْنـُـهُ”: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ}[البقرة: من الآية28]، يعني: هو الذي وهبنا هذه الحياة، هو الذي أحياناً وخلقنا، {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرض جَمِيعًا}[البقرة: 28-29]، نعمه علينا واسعة وعظيمة، كلما في هذه الأرض هو مسخَّرٌ لمصلحة الإنسان، ولحياة الإنسان، وله أثر إيجابي في حياة الإنسان، وعلاقة باحتياجاته المتنوعة والواسعة والمتعددة.
فاللهُ “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” هو وليُّ كُـلّ هذه النِّعم، هو الذي أنعم بها علينا، هو “جَـلَّ شَأْنـُـهُ” قال في كتابه الكريم: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}[لقمان: من الآية20]، نعم كثيرة جِـدًّا، ونعم واسعة جِـدًّا، ونعم تدخل في كُـلّ شؤون حياة الإنسان واحتياجاته المتنوعة، هو “جَـلَّ شَأْنـُـهُ” قال في كتابه الكريم: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[إبراهيم: من الآية34]، نعم الله واسعة جِـدًّا وكثيرة، إلى درجة أنه لا يمكن عدها ولا حصرها، إذَا أتيت لتعمل عملية حصر لنعم الله؛ فلن تستطيع أن تحصيها، وأن تحصيها بأرقام معينة؛ لأَنَّها واسعة جِـدًّا جداً جِـدًّا، فوق الحصر، وفوق إمْكَانية الإحصاء؛ لكثرتها وتنوعها، وهي واسعةٌ جِـدًّا جداً في كُـلّ محيط الإنسان على الأرض، وفي السماوات، وهي على نحوٍ عجيبٍ جِـدًّا، وفيها -بكلها- تكريمٌ لهذا الإنسان، ولهذا قال الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: الآية70]، مع كونها نعمة على الإنسان، هي نعمة بتكريم، بتكريم لهذا الإنسان، حتى عندما قال “جَـلَّ شَأْنـُـهُ”: {وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}، أن يهيئَ اللهُ للإنسان الوسائلَ التي يستخدمها لتنقلاته براً وبحراً، وفي المراحل هذه من الحياة جواً أَيْـضاً، كلها جزءٌ من التكريم، نعم وتكريم للإنسان، وتكريمٌ في خلقه، وفي النعم عليه، وفي رزقه، {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}، رزق الله البشر من طيِّبات الرزق، ما خلقه لهم من رزق، هو كله في إطار الرزق الحلال من الطيبات، من الطيبات، كله طيبٌ في شكله، في مذاقه، في لونه، في أثره في حياة الإنسان، فيما يغطيه من احتياج لهذا الإنسان، على نحوٍ طيبٍ وراقٍ وعظيمٍ وسامٍ، وفيه كله تكريمٌ ورحمةٌ ونعمة.
ثم يقول: {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}، فضَّلهم في النعم، فضَّلهم في الدور، في طبيعة دورهم في هذه الحياة، دور أَسَاسي واستخلاف على الأرض، وفضَّلهم برعايته الواسعة، بهديه العظيم، فضَّلهم بما هيَّأ لهم أَيْـضاً من الارتقاء في الكمال الإنساني، والكمال الإيماني، وعظيم المنزلة عند الله، تفضيل واسع على كثيرٍ ممن خلق من مخلوقاته الكثيرة جِـدًّا.
هكذا هو واقع الإنسان، وهكذا منذ بداية خلقه وإلى الآن يعيش في نعم الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” في جوٍّ من الرحمة والنعمة والتكريم، فالله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” هو مصدر الخير، والرحمة، والفضل، والتكريم، والإنسان هو عبدٌ لله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، هو مخلوقٌ من مخلوقاته الكثيرة، وهو يعيش في عالم الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، في مملكته الكونية الكبرى، وهو لا يخرج عن إطار سلطان الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” وملكوته؛ ولذلك وجوده في هذه الحياة بكل ما فيه من نعمةٍ ورحمة، وبكل ما يتعلق به من دورٍ ومسؤولية؛ لأَنَّ وجودَه في إطار رحمة، ونعمة، وتكريم، وفي نفس الوقت يرتبط به دورٌ معين، ومسؤولية معينة في هذه الحياة، هو مستخلف في هذه الأرض، الله استخلف البشر في هذه الأرض، واستخلافهم يتعلق به مسؤولية واسعة، ومسؤولية مهمة، ومسؤولية كبيرة، ويفتقر دائماً في إطار هذه المسؤولية التي هو فيها، وفي إطار مسيرة حياته في هذه الأرض، وفي النعم التي هو فيها، يفتقر دائماً إلى توجيهات الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، وإلى تعليماته، ومنذ الوجود البشري وإلى اليوم أتى أَيْـضاً جانبٌ آخر يرتبط بحياة الإنسان بشكلٍ أَو بآخر.
هذا الإنسانُ في وجودِه في الأرض، في إطار هذه المسؤولية الكبيرة، في إطار هذا التكريم الإلهي الكبير، في إطار هذه الرحمة الواسعة، والنعم السابغة، له عَـدُوٌّ (عَـدُوٌّ مبين)، يتواجد معه على كوكب الأرض، ويتجه بشكلٍ عدائيٍّ جِـدًّا لاستهداف هذا الإنسان، لاستهداف هذا الإنسان، ولكن طريقته في الاستهداف لهذا الإنسان، هي طريقة تختلف عن طبيعة الصراع البشري (فيما بين البشر أنفسهم مثلاً)، الشيطان هو ذلك العدوّ المبين للإنسان، والشيطان يعتمد في عدائه لهذا الإنسان بشكلٍ أَسَاسي على مدخل خطير من خلال الإنسان نفسه، وهي الرغبات، هذا المدخل يتمثل في الرغبات لدى هذا الإنسان، فيما تهواه نفسه، في شهواته ورغباته، ويحاول دائماً أن يقدِّم للإنسان فكرةً خاطئة، وتصوراً غيرَ صحيح، لكنه يلامس هذه الرغبة، يلامس رغبات هذا الإنسان، فيدفع بالإنسان من خلال ذلك إلى العصيان لله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، إلى الانحراف عن تعليمات الله وتوجيهاته، التي لا يمكن للإنسان أن يتحقّق له الخير إلَّا بالالتزام بها، والإتِّباع لها، والتمسك بها.
انحرافُ الإنسان عن تعليمات الله، عن هديه، يسبِّبُ له الشقاء، ويسبب له العذاب، ويسبب له الخزيَ، ويوقع به في الشر، فمصدر الخطر على الإنسان: هو انحرافه عن تعليمات الله وتوجيهاته؛ لأَنَّ الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” عندما خلق الإنسان أنعم عليه بهذه النعم العظيمة، استخلفه في هذه الأرض، جعل له دوراً ومسؤوليةً معينة، وأتى بشكلٍ مُستمرٍّ بتعليمات، وهداية، وتوجيهات، يلتزم بها الإنسان في إطار مسؤوليته هذه، في إطار دوره كمستخلفٍ في الأرض، يلتزم بتلك التعليمات، ويهتدي بذلك الهدى الذي يرشده إلى كيف يتعامل بشكلٍ صحيح في واقع حياته، كيف يتحَرّك بشكلٍ صحيح في مسيرة حياته، كيف يعمل في إطار هذا الدور وهذه المسؤولية، وفيما استخلفه الله فيه، كيف يتصرف، كيف يعمل، وهدى الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” وتعليماته هي التي تضمن للإنسان الحياة الطيِّبة، وتستقيم بها حياته في الدنيا، وتضمن له وتكفل له الحياة السعيدة الأبدية في الآخرة.
ولذلك الشيطان -العدوّ المبين للإنسان- هو يدخلُ على الإنسان من خلال: رغباته، وأهوائه، وشهواته، فيحاول أن يضله: بأن يقدِّم له آمالاً خادعة، أن يستغل فيه الرغبات والشهوات لآمال وأماني مخادعة وكاذبة، وفي كثيرٍ من الأحوال وهمية، لا يمكن أن يصل إليها الإنسان، والبعض منها إذَا وصل إليه الإنسان فهو على حساب ما هو أهم، ما يحقّق له السعادة الحقيقية، ما يحقّق له الحياة الطيِّبة، فتكون خسارته كبيرة.
فاللهُ “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” يبيِّن لنا، أننا في هذه الحياة، بمثل ما أحاطنا بنعمه، وبرعايته، وبتكريمه، وبرحمته، في موقع المسؤولية تجاه تصرفاتنا وأعمالنا، وأننا نحتاج إلى هدايةٍ منه، إلى كيف نعمل، وكيف نتصرف، كيف نؤدِّي مسؤولياتنا في هذه الحياة بشكلٍ صحيح، كيف نتصرف بشكلٍ صحيح، كيف نعمل بشكلٍ صحيح، فيما استخلفنا الله فيه، وإلَّا إذَا انحرفنا عن ذلك؛ وقعنا فيما هو شر، فيما هو خطر، واستغل عدونا الشيطان ذلك، فأوقعنا فيما فيه هلاكنا، فيما فيه شقاؤنا، فيما فيه خسارتنا، فيما له التبعات والنتائج السيئة والسلبية علينا في شؤون حياتنا.
إضافة إلى ذلك: أنَّ هناك الجزاء، هناك الجزاء، عندما ننحرف عن منهج الله، عن تعليماته، عن هديه، نحن ننحرف عما هو خيرٌ لنا، في نفس الوقت نوقع أنفسنا في المعصية، التي يترتب عليها -بشكلٍ حتمي- الجزاء والعقوبة، ما لم نتب ونرجع فورًا إلى الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”.
ولذلك ولأن أعمالَ الإنسان لها نتائجُ وآثارٌ في واقع هذه الحياة تعود عليه هو، يقول الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم: الآية41]، فما نعمله له نتائج: إما نتائج جيدة تعودُ لصالحنا، إن كان عملاً صالحاً، وفقَ توجيهات الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” وتعليماته، وإما نتائج سيئة وخطرة، تعود علينا (على واقعنا)، هذا يأتي بالنسبة للإنسان كشخص في إطار حركته في الحياة، وكمجتمع، وكأمة في إطار تحَرّكها الجماعي، مواقفها الجماعية، أعمالها الجماعية، مسؤولياتها الجماعية، إذَا أخلت بها.
فهكذا نجد العلاقة ما بين الصيام والتقوى، لماذا؟؛ لأَنَّ الصيامَ هو وسيلةٌ مساعدةٌ لنا للسيطرة أولاً على أهوائنا، على رغباتنا، وضبط غرائزنا، التي يدخل الشيطان من خلالها لإثارتها فينا بما يستدرجنا به إلى الانحراف، إلى العصيان، هذه السيطرة على الرغبات والشهوات تساعدنا في مسألة الالتزام والانضباط بتوجيهات الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، وفق تعليمات الله “جَـلَّ شَأْنـُـهُ”، هذه مسألة مهمة جِـدًّا، ونكتسب من خلال ذلك قوة العزم، قوة الإرادَة، فنحن نحتاج إلى قوة العزم، إلى قوة الإرادَة، إلى هذه السيطرة على الشهوات، على الرغبات، مقترنةً بتعليمات الله وتوجيهاته وهديه، ومن خلال ذلك نقي أنفسنا، نقي أنفسنا من الشرور، من العذاب، من الشقاء، الذي يسعى عدوُّنا الشيطانُ لإيقاعنا فيه، من خلال استغلال رغباتنا وشهواتنا، ومن خلال تضليلنا بتقديم آمالٍ وأمانٍ مخادعة، وتضليلنا من خلال تصورات باطلة، يتخيل للإنسان أنه من خلالها يحقّق لنفسه الحياة الطيبة والسعيدة، فهنا نحد العلاقة ما بين الصيام وما بين تحقيق التقوى.
في القرآن الكريم قصة مهمة جِـدًّا، هي قصة أبينا آدم “عليه السلام”، وهي تلخِّص لنا الأهميّة الكبيرة لأن نمتلك العزم وقوة الإرادَة، وأن نستحضر دائماً التعليمات الإلهية، والتوجيهات الإلهية، وأن نلتزم بها، وخطورة التفريط في ذلك، كيف يشكل ثغرةً خطيرةً ينفذ من خلالها الشيطان؛ للإضلال لنا، والإيقاع بنا فيما يسبب لنا الشقاء.
يقولُ اللهُ “جَـلَّ شَأْنـُـهُ” في القرآن الكريم: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}[طه: الآية115]، الله يخبرنا في هذه الآية المباركة أنه عهد إلى آدم، أخبره مسبقًا بما يحقّقُ له الخيرَ، والسعادةَ، والحياة الطيبة، وما يشكل خطورةً عليه، فيمكن أن يخرجه من تلك النعمة، ومن تلك الحياة الطيبة، وما عليه أن يلتزم به، وما عليه أن يحذر منه، وهذا هو هدى الله، هذا هو هدى الله، يخبرنا الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” في هديه بما يحقّق لنا الحياة الطيبة، ويبين لنا ما يشكل شراً وخطورةً علينا، وما فيه الخير لنا.
المشكلة لدى أبينا آدم “عليه السلام”، كما ذكرها الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، هي تتلخص في قوله “جَـلَّ شَأْنـُـهُ”: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}[طه: من الآية115]، النسيان، لم يستحضر تلك التعليمات من الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، ذلك العهد الإلهي، الذي أكّـد الله عليه فيه، وبين له فيه، ما يمثل خيراً له، وما يشكل شراً وخطراً عليه.
{فَنَسِيَ} حالة النسيان، حالة الغفلة، قد تكون أحياناً عاملاً يساعد الشيطان على الإيقاع بالإنسان، أنه حتى فيما قد عرف، فيما قد وصل إليه من بيانٍ من الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، كذلك من هديٍ واضحٍ مؤكّـد، وتعليمات واضحة ومؤكّـدة من الله، لكنه ينسى ذلك، يغفل عنه، تمتلئ ذهنيته، وتتجه به رغباته، إلى شيءٍ آخر.
{وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}: فقد العزم، وقوة الإرادَة والسيطرة، والاهتمام اللازم، فأصبح في حالة فقد فيها قوة العزم والإرادَة، أصبح ضعيفاً، يسهل الإيقاع به.
ثم تأتي التفاصيل لتبين ذلك، {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}[طه: 116-117]، ولاحظوا أن الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” كرَّم آدم “عليه السلام”، كرمه، وهي تكرمه للإنسان بشكلٍ عام، من خلال أمر الملائكة بالسجود لآدم.
{فَسَجَدُوا}: الملائكة سجدوا تكريماً لهذا الإنسان، لهذا المخلوق.
{إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى}: إبليس امتنع أشد الامتناع من السجود، وعصى أمر الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” بدافع الكبر، وامتلئ عداءً شديداً لآدم، وللإنسان، وللبشرية بشكلٍ عام.
الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى” وضح لآدم وبين له ما يشكله الشيطان من خطورة عليه، وعلى حياته الطيبة، على سعادته، وبين له ما يهدف إليه الشيطان، {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}، الشيطان عَـدُوٌّ مبينٌ لآدم “عليه السلام”، ولزوجه حواء، في نفس الوقت هو عَـدُوٌّ للإنسان بشكلٍ عام، للمجتمع البشري، لبني آدم، وهو يسعى إلى الإيقاع بالإنسان في الشقاء، يريد أن يشقى هذا الإنسان.
{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى}، في تلك الجنة التي أسكنه الله فيها، ليبدأ دوره في الاستخلاف في الأرض، {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}[طه: 118-119]، يعني: تتوفر لك كُـلّ متطلبات حياتك الأَسَاسية: المواد الغذائية المتنوعة اللازمة؛ فلا تجوع، والملابس والكسوة الكافية؛ فلا تعرى، والماء والمشروبات التي تقيك من الظمأ، والرفاهية في الحياة التي تقيك من العناء الشديد في الكد وطلب المعيشة، {وَلَا تَضْحَى}، لا تحتاج إلى أن تتعب نفسك كَثيراً في مشقة الشمس والكد والعناء.
الشيطان لا يريد أن يستقر آدم في حياة فيها هذا الاستقرار، فيها هذه المتطلبات المتوفرة، والاحتياجات المتوفرة له، التي تؤمن له رفاهيةً في حياته، فماذا عمل؟
{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ}، الشيطان يستخدم أُسلُـوب الوسوسة؛ للإيقاع بالإنسان، مع أن الله ما يقدمه إلينا هو الهدى الواضح المؤكّـد البين، لاحظوا في مقابل {وَلَقَدْ عَهِدْنَا}؛ لأَنَّ (عَهِدْنَا) فيها توضيحٌ مؤكّـد، وتبيينٌ لا لبسَ فيه، وبطريقة واضحة جِـدًّا، وبطريقة كافية لدى الإنسان في أن تكون المسألة له في غاية الوضوح.
{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ}، الشيطان يستخدم أُسلُـوب الوسوسة للإنسان، {قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}[طه: الآية120]، لاحظوا، الشيطان حاول أن يوقع بآدم “عليه السلام” وزوجه حواء في المعصية، من خلال ماذا؟ المدخل كان هو الرغبة، وهذه الرغبة تلخصت في قوله، عندما قال: {عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}، أتى بطموح كبير لآدم “عليه السلام”، قال: هذه الشجرة إذَا أكلت منها تخلد، يعني: تبقى حياً ولا تموت، تبقى حياً للأبد، وتقيك من الموت نهائياً، لا تموت، إضافة إلى مُلكٍ متجددٍ دائمٍ، {وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} تتوفر لك فيه كُـلّ متطلبات حياتك، ولكن كملك، وليس فقط كمواطن عادي، كملك، {وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}.
{فَأَكَلَا مِنْهَا}، وهي تلك الشجرة التي كانت فقط محرمةً عليهم بين بقية ما قد أحله الله لهم في تلك الجنة، أحل الله لهم رغداً واسعاً، وعيشاً هنيئاً، وأحل كلما في الجنة لهم، شجرة واحدة فقط استثنيت، هذا هو الاختبار، هنا تقع المسؤولية على الإنسان في ضبط تصرفاته فيما استخلفه الله فيه، فيما هو حلال، وفيما هو حرام، وفيما علينا أن نعمل، وفيما علينا أن نترك، ولاحظوا يعني، هناك سعة، سعة كبيرة في الحلال، سعة كبيرة فيما هو خيرٌ للإنسان، تغنيه عمَّا هو محرمٌ عليه.
{فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا}[طه: 121-123]، فنلاحظ أن إبليس استخدم في إغوائه لأبينا آدم “عليه السلام” جانب الإضلال، يعني: قدم فكرة خاطئة، فكرة غير صحيحة أبداً عن تلك الشجرة، لقد قدم فكرة عن تلك الشجرة أن من أكل منها يخلد، يعني: يبقى حياً، فلا يموت، ويحظى بملكٍ لا يبلى، وهي فكرة لا أَسَاس لها من الصحة، ولكنها تلامس رغبةً لدى الإنسان، لامست رغبةً لدى أبينا آدم، قابلها ماذا؟ قابلها نسيان وغفلة لتلك التعليمات من الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، وحتى غفلة عن ذلك التحذير من الشيطان نفسه، أنه عدو، لا ينبغي أن تصدق وساوسه، وأن يقبل منه الإنسان ما يقدمه؛ إنما هو تضليل، فلا يقبله منه.
فقابل هذا التضليل والإغراء والإغواء من إبليس، حالة من النسيان وانعدام العزم: السيطرة على الإرادَة، الضبط للغرائز، السيطرة على الشهوات والرغبات، وهذه الحالة ساعدة على الوقوع في المعصية، والنتيجة ما كانت؟ النتيجة كانت هي الشقاءَ، هي الشقاء، خسر آدم كُـلّ تلك الحياة المرفهة، والحياة الطيبة في تلك الجنة، وخرج منها حتى بدون الملابس، لم يبق له حتى الملابس، أخذت عنه حتى ملابسه، وبدأ مشواره بعناء وَكَـدٍّ، والله أراد له أن يبدأ مشواره بطريقة مريحة، مشواره في الاستخلاف على الأرض؛ لأَنَّه خلق للاستخلاف على الأرض أصلاً.
وجودُ البشر على الأرض ليس عقوبةً، لم يكونوا في جَنَّة المأوى، في جنة الآخرة، ثم أُخرجوا إلى الدنيا وإلى الأرض عقوبة، لا، وجود الإنسان على الأرض هو نعمة، هو تكريم، هو لدورٍ مهمٍّ ودورٍ عظيم، هو في إطار حياةٍ أنعم الله فيها عليهم غاية النعم، نعم لا تُحصى ولا تعد، ولكن الله أراد لأبينا آدم “عليه السلام” أن يبتدئ مشوارَه في الاستخلاف على الأرض في إطار حياةٍ مريحةٍ، وليس في إطار عناء من أول لحظة، لم يرد له أن يخلق، ثم يأخذ بالمعول ويبدأ يحرث، ويشتغل، ويتعب، من بعدما ينفخ فيه الروح، كد من أول لحظة، لا، أراد له أن يستقر في تلك الجنة، وهي جنة يستقر فيها، ويبدأ استقراره فيها حتى يأتي له ذرية، ثم يبدأ انتشاره في بقية الأرض، من واقع حياةٍ مريحة، ويبدأ بفترة مريحة، لا يبدأ من بعدما ينفخ فيه الروح، يذهب إلى الكد الشديد والعناء الكبير في هذه الحياة، لكنه خسر تلك الحياة المريحة، بفعل الإغواء من جانب إبليس، وإبليس استخدم ماذا؟ حالة الرغبات والتضليل.
إذاً نحنُ نحتاجُ إلى هداية من الله، تعليمات من الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، نستحضرها، ونحذر أن نغفل عنها، في كُـلّ مقام من مقامات الحياة، في كُـلّ مجال من مجالات الحياة، في كُـلّ ظرف من ظروف الحياة، أمام كُـلّ تحديات من تحديات الحياة، في مسيرة الحياة في كُـلّ مجالاتها، نحتاج إلى هذه التعليمات من الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، وأن نلتزم بها، وأن نستحضرها، وأن نذكر أنفسنا بها، ونحتاج إلى قوة العزم، إلى قوة الإرادَة، للالتزام بها، وإلى ضبط غرائزنا وشهواتنا.
ولهذا في شهر رمضانَ المبارك، بصيامه، الصيام يحقّق هذه النتيجة العملية، إذَا ركّزنا على الاستفادة من الصيام لتحقيقها، وهي: قوة الإرادَة، والصبر، والتحمل، وضبط الغرائز، ونحتاج إلى هدى الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، وشهر رمضان كما قال الله عنه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: من الآية185]، فالقرآن الكريم هو هدى الله “سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى”، بما فيه من الهداية الواسعة، والتعليمات المهمة، مع امتلاك هذه الإرادَة، والعزم، والصبر، من خلال ذلك كله نستطيعُ أن نعيشَ في هذه الحياة بحياةٍ طيبة، بحياةٍ مستقرة، أن نقيَ أنفسنا من الكثير من الشرور، من العذاب في الدنيا، ومع ذلك العذاب في الآخرة، عذاب الله الأكبر في الحياة الأبدية الدائمة، التي هي ذات أهميّة كبيرة جِـدًّا.
الإنسانُ كلَّما استوعب وأدرك، وآمن وأيقن، أن للمخالفات لتوجيهات الله، نتائجَ سيئةً جِـدًّا عليه في حياته في الدنيا، وفي مستقبله في الأبدي في الآخرة، كلما وعى ذلك جيِّدًا، وأيقن به واستحضره، وتذكره أنه يشكِّلُ ثغرةً للشيطان عليه، كلما ساعده ذلك على الاهتمام والالتزام بجديةٍ كبيرة، وبذلك يحقّقُ لنفسهِ الوقايةَ من عذاب الله، الوقاية من الشقاء، الوقاية من الخُسرانِ المبين الرهيب.
نكتفي بهذا المقدار في محاضرة اليوم..
وَنَسْأَلُ اللهَ سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى أَنْ يُوَفِّقَنَا وإيّاكم لما يرضيه عنا، وأن يتقبَّلَ مِنَّا ومنكم الصيامَ، والقيامَ، وصالحَ الأعمال، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وأن يشفيَ جرحانا، وأن يفرِّجَ عن أسرانا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..
Normal
0
false
false
false
EN-US
X-NONE
AR-SA
/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”جدول عادي”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:”Simplified Arabic”,serif;}