رحيلُ إمام المتقين
علوية الفكر
تراجعت أُمَّـةُ محمد خطوةً بعد خطوة، فبعد رحيل نبيهم أعاقهم حُبُّ السلطة عن إتمام المسير واتّباع الوصي، ضيّعوا السنة، وانحرفوا عن القرآن الناطق، نصبوا طريد رسول الله أميراً عليهم، وتركوا وصيه يتجرّع آلامهِ حزناً وكَمَداً على تفرق أُمَّـة نبيهِ وحبيبه رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وتحريف كلامه والانجرار خلف أهوائهم تاركين كلامه وراء ظهورهم..
رحلَ خاتمُ الأنبياء والمرسلين بعد أن بلّغ رسالةَ ربه وأتم الحجّـة تاركاً لأمته من بعده الإمام علي بن أبي طالب وذلك لكمال دينه ولاجتماع جميع خصال الفضل فيه، وقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على ولايته منها: آية الولاية، حديث المنزلة، حديث الغدير، وهذه هي من الأحاديث المتواترة في أمير المؤمنين عند جميع المسلمين.
ظهر حقدُ الحاقدين وبُغضُهم لأمير المؤمنين فخالفوا النبوة واغتصبوا الولاية، فتداولوها واحداً بعد واحد حتى رُدت إليه، فبايعه أصحابه ومحبيه، فقام فيهم مخاطباً خطبة عدلٍ وإنصاف، مطبقاً فيهم ما جاء به الله ورسوله صلوات الله عليه وعلى آله، ولكن حال الزمان في كُـلّ العصور أن يوجد حاقد ومحتال وكذاب، حاربوا أمير المؤمنين غرتهم الدنيا بأهوائها وشهواتها، وعارضه البعض منهم وذلك هروباً من عدل الإمام علي، فبقي معه القليل من المخلصين ناصروه وبقَوا على عهدهم وبيعتهم..
تحمل الإمامُ علي سهامَ مخالفيه وسيوفهم، فكان ذلك القائد الهمام، الشجاع الضرغام، المخلص لربه ونبيهِ، لم يستطع أحد قتله لشجاعته وبسالته وإيمانه، فنصبوا له كميناً ولكنهم لم يجدوا سوى قتله في محرابه بين يدي ربه مصلياً مستكيناً داعياً لربّ الأرباب..
ففي التاسع عشر من شهر رمضان العظيم سارع ابن ملجم لضرب القرآن الناطق، والحق المبين، ضرب هامة أمير المؤمنين ويعسوب الدين فسالت دماه حتى لحيته فصاحَ بكلامه الذي زلزل الأرض والسماء “فزتُ ورب الكعبة”..
ضُرب رأس أتقى الأتقياء بسيف أشقى الأشقياء، تهدمت أركان الهدى بعدك يا علي، وتيتمت أُمَّـة نبيك يا علي، فُجعت الأُمَّــة لرحيلك يا إمام المتقين ويعسوب الدين، قتلوا الحق وتجرؤا على ضرب قرآنهم الناطق، ولكن بقي اسم علي وشجاعة علي وإيمان وعدل علي أمد الدهر، يفزع الأعداء لذكر اسمه، ويفوز شيعته بالسير على نهجه.