سيد الوصيين وإمام المتقين
أحمد المتوكل
تمر علينا ذكرى استشهاد الإمام علي -عليه السلام- في كُـلّ عام؛ لكي نستلهم من ذلك الحدث الجلل الدروس والعبر، ولا يكفي أن نحزن ونذرف الدموع، ثم لا يكون أمامنا منهج للسير في خُطَى ذلك الإمام العظيم والاقتدَاء به، والحرص على عدم الوقوع في نفس ذلك الانحراف الذي حصل بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، الانحراف الذي سبب لهذه الأُمَّــة الذل والهوان واستمرارية تصفية العظماء ليرتقوا إلى باريهم شهداء، بدلاً من التفاف الأُمَّــة حولهم لقول الله تعالى {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
عندما يتفرق أهل الحق عن حقهم ويتجمع أهل الباطل والضلال على باطلهم ينتشر حينها الظلم والفساد، وتخسر الأُمَّــة عظماءها وتضرب بالذلة والمسكنة وتبوء بغضب من الله ولا يكون مصيرها أقل من مصير بني إسرائيل، وهذا ما حدث بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عندما انقلب المنقلبون على ولاية الإمام علي -عليه السلام- رغم أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال أمام عشرات الآلاف من المسلمين: “أيها الناس! إن اللهَ مولاي وأنا مولى المؤمنين، أولى بهم من أنفسهم، فمن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله”، وقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: “علي مع القرآن والقرآن مع علي”، “أنا مدينة العلم وعلي بابها”، “علي مع الحق والحق مع علي”، وقوله للإمام علي -عليه السلام- “أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي”، “لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق”.
رغم كُـلّ ذلك كانت مواقفُ الإمام علي -عليه السلام- حكيمة وتجنب الكثير من الفتن، ولم يكن للمكاسب الشخصية أي مكان في حياته، بل كان كُـلّ هَمِّه في كُـلّ مراحل حياته هو أن يسلمَ له دينُه، فعندما أخبره النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بأن لحيته سوف تخضب من رأسه كان رده: أفي سلامة من ديني يا رسول الله؟ قال نعم، قال إذَن لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت علي.
عندما فدى الإمام علي عليه السلام بنفسه ونام على فراش رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في الوقت الذي كان المشركون يتربصون لقتل النبي، لم يقدم الشروط، ولم يطلب مكاسب مادية مقابل الفداء بنفسه!
كم نحن مفتقرون لروحية الإمام علي عليه السلام، حتى أصبح البعض يترك جهاده في سبيل الله؛ لأَنَّه لم يتم تعيينه في المنصب الفلاني، والبعض يمن بأنه قدم الشهداء وقدم قوافل المال الغذاء ويريد بذلك مقابل من متاع الدنيا!
والبعض ينتظر الشكر والتقدير من الآخرين على ما يقوم به من جهاد، فَإِنْ لم يتحقّق له ذلك ظل وجهه مسوداً وهو كظيم!
لذلك يجب أن نحذرَ من أن يضل سعيُنا في الحياة الدنيا، ويجب علينا أن نعزز الإخلاص لله في كُـلّ أعمالنا الجهادية، وأن لا نشرك بعبادته أحداً.