ما سيلُ إلا من جبل
الشيخ مصلح علي أبو شعر*
من بينِ كُـلِّ المحتفين في الأُمَّــة بهذا اليوم العروبي والإسلامي يوم القدس العالمي، تبقى الصورةُ القادمةُ من اليمن متفردةً وَمميزةً في حشودها وَمشاهدِ حماسِها.
بعُمقِ الولاءِ وَحميةِ الدمِ وَنخوةِ الفزعات المشرفة يرمي اليمنيون وراء ظهورهم جور معاناتهم المتفاقمة وَأوضاعهم الصعبة بفعل العدوان والحصار حينما يتعلق الأمر بالقضايا الكبرى، وفي ذروة الشمس التي تتوسط السماء في نهارِ رمضاني استثنائي، يهبون من كُـلّ فَجٍّ بلا ترغيب أَو ترهيب، غيرَ آبهين بعطش أَو جوع يحتشدون وَيصرخون ملءَ أفواههم وَحناجرهم؛ نُصرةً للقدس وَفلسطين.
يثبت اليمانيون في كُـلِّ محفل سَبْقَهم وَتفرُّدَهم في نصرة قضايا الأُمَّــة العربية والإسلامية، وَعمقَ إدراكهم لحقيقة المؤامرات وَمبدئية الوقوف في وجه كُـلّ المخطّطات التي تهدفُ إلى إفراغ الأُمَّــة من مضامين وجودها الديني وَالإنساني.
هذه المواقفُ ليست مرحليةً وَلا آنيةً، وَلا يمكن تجييرُها سياسيًّا أَو إعلاميًّا، إنما متقادمةٌ وَمتأصلةٌ في هُــوِيَّة المواطن اليمني عبر المراحل والقرون وَهي امتداد لمواقف أسلافهم منذ صدر الإسلام.
هذا هو الموقفُ اليمني الشعبي الثابت مع تغيُّرِ المراحل وَالأنظمة، وَإن خفَّت حيناً؛ بفعلِ مؤثراتِ الخنوعِ للأنظمة العميلة التي كانت ترتهنُ للضغوط والإملاءات الصهيو أمريكية وَتسعى لوأد هذا الشعور الشعبي الجماعي تقرباً وَإرضاءً.
ولعل ما استجد لدى اليمنيين اليوم وَتحديداً بعد ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المجيد، هو أن الضميرَ الشعبيَّ القوميَّ والديني بات متناغِماً مع الموقف الرسمي، الذي بات مشجِّعاً وَحاضِناً له وَموفراً له البيئة المناسبة للتعبير عن نفسه بكل حرية وَشجاعة.
وفي غَمرةِ الفخرِ وَالاعتزازِ باحتفائية شعبنا بهذه المناسبة بالشكل الذي تستحقّه، بقي لنا أن نبعَثَ إلى كُـلّ أحرار الأُمَّــة الإسلامية رسالةَ اعتزاز بمواقفهم المنحازة للقضية في زمن البيع وَالشراء بالمكشوف، وَتأكيدنا إلى فلسطين وَشعبها بأننا لن نخذلَكم وَلن نتراجعَ عن نصرة نضالكم وَمساندتكم حتى استعادة آخر شبرٍ من حقكم المغتصب، مهما كلفتنا هذه المواقفُ من تضحيات، وعلى ذمتها دفع وَلا يزال شعبُنا الثمنَ وَالاستهدافَ والتكالُبَ الدولي والإقليمي المستمرَّ ضده.
* عضو مجلس الشورى