سيفُ القدس.. معادلةُ ردع جديدة
د. حبيب الرميمة
المتابعُ للعدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، يجدُ أن محورَ المقاومة ظهر متناسقاً بشكل غير مسبوق وأكثر وُضُوحاً بالتخطيط على أرض الميدان، وهو ما جعل المحور الصهيوني عالميًّا وعلى مستوى المنطقة يظهر على حقيقته متخبطاً ومهزوزاً، لأسبابٍ ذكرناها سابقًا في مقالِنا بعنوان (عن تحالف العناكب أتحدث) والذي نُشر قبل شهر-تقريباً- من عملية سيف القدس.
في هذا المقال سنركّز على أبعادِ عملية سيف القدس والانتصار الكبير الذي حقّقه محور المقاومة، فالكيانُ الصهيوني الذي راهَنَ على إحراز تغيير عالمي في قضية الصراع العربي الإسرائيلي وأن هذه القضية لم تعد تخص العرب وإنما صراعٌ صهيوني فلسطينيّ!!
هذا المصطلحُ الذي بدا مبرمجاً في تعاطي القنوات البريطانية والأمريكية الناطقة بالعربية خلالَ العدوان الأخير على فلسطين، كان ترجمةً واضحةً لما يسمى “اتّفاق إبرهام”، والذي بالأَسَاس يستهدفُ التطبيعَ على المستوى الشعبي وليس كأنظمة كما هو حالُ اتّفاق كامب ديفيد، ووادي عربة، وأن ما تشتغل عليه تلك الدوائر المشتركة من حين إعلان ما يسمى إبرهام قد أوجد مؤشرات عملية على مستوى السوشل ميديا، والذُّباب الإلكتروني في إيصال قناعة واضحة لدى الشباب العربي بالتخلي عن مفهوم المقاومة الفلسطينية على أَسَاس أنها أصبحت مشروعاً إيرانياً فارسياً انسلخ عن “الحُضن العربي” وما إلى ذلك من نعراتٍ طائفيةٍ أصبحت معروفةً لدى الشارع العربي.
هذه الماكينةُ الإعلامية الضخمة كان مفاجِئاً انهيارُها تماماً منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القدس وحي الشيخ جراح امتداداً إلى غزة، بل إن التضامُنَ الشعبيَّ الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي ظهرَ بشكل غير مسبوق طوالَ الأعوام السابقة في مسيرة الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما وجّه ضربةً قاصمةً ليس على مستوى اهتزاز المحور الصهيوني عالميًّا وفي المنطقة وإنما أصبح يطرحُ أسئلةً بمدى بقاءِ هذا الكيان الغاصب على أرض فلسطين العربية؟
وهنا تكمُنُ أكبرُ خطورة تهدّد الكيان، فالصهيونيةُ كفكرةٍ منظمة وحركية عالميًّا تعتمدُ بشكل أَسَاسي في قوتها على التأثير الإعلامي، وهي تراهنُ عليه في تغيير نمطية تفكير الشعوب تدريجيًّا، اليوم زادت عُقدةُ الصهيونية عالميًّا حولَ عقيدة الشرق المعقَّدة التي لا يمكن فهمُها، هذه العُقدةُ التي وقف وما زالَ يقفُ أمامها رؤساءُ أمريكا والغرب!!
مشكلةُ المحور الصهيوني أنه يرى من خلال الممالك الأسرية الملكية التي أوجدها الاحتلالَ البريطاني في المنطقة وعلى وجه الخصوص على ضِفة الخليج -حسب التسمية التاريخية- ويراهن أن تشكلَ هذه الأنظمة نقطةَ تغيير في قلب الجزيرة العربية، لكن ما أثبتته عمليةُ سيف القدس أن شعوبَ الشرق لها ارتباطٌ أصيلٌ متجذِّرٌ بحضارتها عبر التاريخ، وأن هناك من القواسم المشتركة ما يجمعُها رغم تبايناتها في بعض القضايا الأُخرى، أَهَمُّ هذه القواسم اعتبارُ المشروع الصهيوني في المنطقة مشروعاً دخيلاً يستهدفُ قِيَمَها وحَضَارَتَها، وهذا ما ظهر جليًّا من خلال التضامن الشعبي العابر للحدودِ في العراق وسوريا واليمن ولبنان ومصر والأردن وبلاد المغرب العربي، حتى صمتُ الشعوب العربية في كثيرٍ من ممالك الخليج كان بمثابةِ استفتاء شعبي ورسالة واضحة للأسر الملكية المطبِّعة بتزايد الفجوة بينها وبين شعوبها.
الخلاصةُ أن عمليةَ سيف القدس أبرزت معادلةَ ردعٍ جديدةً في الصراع العربي الإسرائيلي هي فقدانُ محورِ الصهيونية تدريجيًّا لأَهَمِّ قوتِه (تغيير الوعي الجمعي) القائم على تشتيت وتفكيك الأُمَّــة وإبعادها عن قضيتها المركزية فلسطين)، وهذا هو العُنصرُ الأقوى والمتغيِّرُ في معادلة الصراع، أمَّا الصراعُ العسكري فهو محسومٌ سلفاً، يكشف عنه الله تعالى في كتابه الكريم (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى، وَإِن يُقَتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ).
فمعركةُ سيفِ القدس معادلةٌ جديدةٌ لها ما بعدَها ليس على الكيان الغاصب في فلسطين، وإنما على محور الصهيونية عالميًّا وعلى مستوى المنطقة، والأيّام حبلى بالمفاجآت.